المقالات

حماس تواصل مشوار الانحدار

حماس تواصل مشوار الانحدار

نضال حمد

ما معنى أن يقول خالد مشعل لصحيفة أمريكية أن حماس منفتحة على المفاوضات وتؤيد وسائل عباس السلمية؟

لهذه التصريحات معاني كثيرة أولها رسالة للإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني ودول الغرب مفادها أن حماس أصبحت ناضجة ومطيعة وجاهزة لدخول عالم الحياة مفاوضات أسوة بعباس وعريقات. وأنها ليست الحركة نفسها التي صنعت مجدها بدماء الشهداء والعمليات الاستشهادية و بهندسة يحيى عياش وأبو هنود والغول وغيرهم من خيرة شهداء ومقاومي هذا الشعب العظيم.

كما أنها رسالة تحتوي على توجهات جديدة لقادة حماس قد تكون فرضتها عليهم التحالفات الجديدة بعد فقدانهم لأهم قاعدة كانوا يرتكزون عليها واليها وهي سورية.

والناظر الى التحولات الدراماتيكية في مواقف حماس منذ اندلاع الأزمة السورية يراها تغلبت على فتح في السرعة القصوى والقياسية بانحدارها السياسي وتبديل جلدها وألوانها. فحركة فتح التي تبدلت بعد 30 سنة من النضال والكفاح المسلح والمقاومة الشعبية، عملت بمبدأ الخطوة خطوة، ولقمت الفتحاويين والفلسطينيين معهم لتنازلاتها بملعقة صغيرة و لقمة لقمة. معتمدة على تاريخها المليء بالمحطات المنيرة والمميزة. بغض النظر عن المحطات السيئة والسوداء في تاريخها. اما الشعب الفلسطيني كان لا يسمح لقادتها التاريخيين ومنهم الراحل ياسر عرفات بكل جبروته وحضوره ومكانته أن يقدم التنازلات مرة واحدة. وحين أقدم عرفات على مفاوضات أوسلو وما سبقها ومعه فتح وأخواتها في” المرحومة” منظمة التحرير الفلسطينية بدأ العد العكسي لمسيرته. تماما مثل حماس هذه الأيام.

منظمة التحرير الفلسطينية أسسها القائد الراحل احمد الشقيري في 28-5-1964، وحرص على ثوابتها وميثاقها الوطني الذي جمع الفلسطينيين كلهم تحت هذا العنوان العريض، وأرادها ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب العربي الفلسطيني. بقيت هكذا الى أن بدأت التنازلات تحت إشراف فتح والفصائل و نتيجة الضغوط العربية والدولية. ولا يمكن إهمال دور المال السياسي الذي لعب دورا قاتلا ومدمرا أدى في نهاية المطاف الى خسائر سياسية وجغرافية بالجملة. خسائر أوصلتنا الى مرحلة أوسلو وما تلاها من ضياع و استسلام و تسليم بواقع الاحتلال وتحريف وتزوير لإرادة الشعب العربي الفلسطيني تمثل أولا في حذف بعض بنود الميثاق الوطني الفلسطيني الأساسية. ثم القبول مبادرات السلام الدولية والمفاوضات التي صارت مفاوضات لأجل المفاوضات، ومن ثم لأجل أموال الدول المانحة التي لا تقدم لفعل الخير بل العكس تماما لفعل الشر، الذي رأيناه ونراه كنتيجة لاستسلام قيادة الشعب الفلسطيني وتسليمها بالعجز والقبول بما تقدمه الأطراف الدولية المعادية وبما يقدمه الاحتلال الصهيوني نفسه. هذا الاحتلال الذي يمارس الاستيطان بلا توقف وبسرعة خارقة غير آبه بأحد. فالقوي يحكم الضعيف والعالم لا يحترم الضعفاء بل يحترم الأقوياء. و لا يوجد في التاريخ ثورة نالت انتصاراتها أو حرية شعبها بالمقاومة الشعبية والسلمية وبالكلام والمفاوضات فقط لا غير.

الشعب العربي الفلسطيني الذي يعتبر أكثر وعيا ونضجا من قادته وفصائله وأحزابه وحركاته جرب هؤلاء جميعهم واجمع على فشلهم وعلى ضرورة معاقبتهم. وسوف يذكر التاريخ انه عاقب بعضهم. فعل ذلك في أول اختبار حقيقي حين اسقط فتح والفصائل الأخرى في الانتخابات التشريعية بالفضة والقطاع. أسقطها بسبب عجزها وسياستها العقيمة وترددها وتبعيتها المذلة. أسقطهم وأنجح حماس بسبب مقاومتها وتضحياتها وموقفها الوطني السليم آنذاك. لكن حماس لم تتواضع فاعتبرت انتصارها في الانتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة تخويلا لها من الشعب بفعل ما تريد وبإعادة طباعة وتكرار تجربة فتح والفصائل. للأسف بلغ بها الغرور أن أصبحت بعد سيطرتها على قطاع غزة تتصرف وكأنها دولة مستقلة أو كأنها الناطق الرسمي باسم الغزيّين وباسم الشعب العربي الفلسطيني. برهنت على ذلك في مناسبات و تصرفات عديدة خلال السنوات السبع الأخيرة. وما سياسة حماس الآن بعد خروجها من محور المقاومة والممانعة المتمثل بحزب الله وسورية وإيران وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية، والتحاقها بمحور قطر تركيا السعودية وأنظمة الإخوان المسلمين التي أنجبها ما يسمى الربيع العربي، سوى دليل قاطع على ان الحركة التي طالما احترمناها ودافعنا عنها يوم كانت ضحية ورأس حربة المقاومة، سوى دليل ناصع على التحاقها بمحور جديد قد يكون له دور في تغيير خريطة الشرق الأوسط والتحالفات الدولية والإقليمية، لكن هذا التغيير حتما سيكون في غير صالح القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية والعربية.

لماذا نقول هذا الكلام؟

لأن تصرفات وتصريحات قادة حماس تدل على أنهم سائرون في ركب التغيير بالمنطقة وإن كان هذا التغيير ليس في صالح فلسطين ولا الأمة العربية. فعندما يقول رئيس المكتب السياسي لحماس والذي مقره احد فنادق الدوحة، حيث عراب السياسة الأمريكية الصهيونية الجديدة – القديمة في المنطقة أن : ” فجوة الخلافات مع حركة فتح بشان الوسائل المشروعة لمواجهة إسرائيل) تضيق”. هذا معناه أن حماس تسير على خطى فتح. فبنفس الطريقة بدأت قيادة فتح مشوار الانحدار حتى وصلت الى ما وصلت إليه بعد أوسلو. وقبل ذلك اطلقت تصريحات شبيهة بتصريحات مشعل اليوم ثم قامت بنبذ الكفاح المسلح الذي سماه الأمريكان والصهاينة والغرب إرهابا، ثم اعترفت بوجود الاحتلال، وقبلت بالاستيطان الموجود، وتجاهلت قضية اللاجئين في الشتات وفلسطينيي داخل الداخل في فلسطين المحتلة 48، وتركت الأسرى في السجون، وتوقفت عن أي عمل كفاحي مقاوم ثم أصبحت تنسق امنيا مع الاحتلال. وصار رضا الغرب أهم بالنسبة لها من رضا الشعب العربي الفلسطيني. ووصلنا الى مرحلة محمود عباس التي خيارها الاستراتيجي لا مقاومة ولا كفاح فقط مفاوضات ومفاوضات ومفاوضات.

هل هذه هي خيارات حماس الجديدة؟

قال خالد مشعل في مقابلة مع مجلة فورين بوليسي الامريكية :

“إن المقاومة المسلحة جزء لايتجزأ من مبادئ الحركة ولكنه أعرب عن تأييده للوسائل السلمية التي يتبناها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.”

. ما معنى تأييده للوسائل السلمية التي يتبناها عباس؟

أليس هذا تسليما بنهج الاستسلام والمفاوضات التي حاربتها حماس طويلا وحاربت أيضا لإفشالها من خلال سلسلة طويلة من العمليات الاستشهادية قبل وبعد وأثناء المفاوضات بين عرفات وعباس والصهاينة خلال سنوات اوسلو وما بعد أوسلو؟.

إن نظرة سريعة على انحدار حماس خلال سنتين هي عمر ما يسمى بالربيع العربي تجعلنا نتأكد بأن سياسة حماس الجديدة ستكون أخطر من سياسة عباس على حقوق شعب فلسطين وعلى مقاومة الشعب العربي الفلسطيني. والسبب واضح فالإقامة في الدوحة ليست كما الإقامة في دمشق وكذلك الإقامة في اسطنبول ليست كما الإقامة في الضاحية الجنوبية من بيروت. والمقاومة قبل عدوان 2008-2009 ليست كما المقاومة الآن. هذا إن كان هناك مقاومة على الأرض أو عمليات مقاومة. لأنها توقفت وبقرار سياسي من حماس. وحماس نفسها منعت القوى الأخرى الأصغر حجما من ممارسة أي عمل مقاوم ويشهد على ذلك قادة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في غزة.

كل هذا يأتي اليوم ليتوج بتصريحات خالد مشعل للصحيفة الأمريكية. فمشعل لا يكتفي بأخذ سياسة عباس السلمية مثالا يحتذى به بعدما كانت تلك سياسة شيطانية شيطنتها أيضا مواقف حماس على مر السنوات السابقة. فالرجل يقول : ان المقاومة (المسلحة ) وسيلة لغاية، وليست هدفا في حد ذاتها. ويضيف ان المقاومة الشعبية خيار آخر، مثل الدبلوماسية، في الساحة الإعلامية ومحاولة لجعل الاحتلال يدفع ثمن جرائمه في الساحة القانونية. ولم يغب عن بال الرجل التأكيد ان حماس سوف تكون متفتحة من حيث المبدأ لإجراء مفاوضات مع “إسرائيل” رغم ان الحقائق على الأرض اليوم تجعل مثل هذه المحادثات عديمة الجدوى.

اذا كان مشعل يؤمن بالدبلوماسية والمفاوضات ولو فرضنا أن الصهاينة وافقوا على الجلوس للتفاوض مع حماس فباسم من ستفاوض حركة حماس؟

وهل خولتها جماهير الشعب العربي الفلسطيني القيام بذلك؟

أم أنها كما عباس ومن معه ستغتصب إرادة الشعب الفلسطيني وتتحدث باسمه وتفاوض نيابة عنه؟؟.

وإذا كان مشعل ومعه حماس ليسوا ضد “الإسرائيليين” لأنهم يهودا، كما قال للصحيفة. واليهود الصهاينة هم محتلي فلسطين فضد من انتم؟

أليس هؤلاء الصهاينة اليهود هم من يحتل فلسطين وينادون يوميا بيهودية الدولة؟

إن اي سياسي فلسطيني لم يستفد ويتعلم من تجربة جماعة أوسلو و الحياة مفاوضات وتنازلات، التي بدورها دمرت القضية الوطنية الفلسطينية وسمحت للاستيطان بنهب و سرقة والتهام ارض الشعب العربي الفلسطيني، وبأن الصهاينة يعرفون ما يريدون ويسيرون وفق خطة محكمة وبثوابت وطنية صهيونية. من لا يفهم ولم يفهم ذلك لا يحق له التحدث باسم الشعب الفلسطيني ولا محاولة بيع المواقف باسمه وعلى حسابه. وعلى العاقل ان يتعظ وان يتعلم من التجارب فمن عاقب فتح والفصائل وجاء بحماس سنة 2006 يستطيع ان يعاقب حماس ويأتي بغيرها في 2013 أو في السنوات القليلة القادمة، وخير دليل على كلامنا هذا المهرجانات بمئات الآلاف التي خرجت في غزة احتفالا بذكرى انطلاقة فتح والشعبية.. هذه الجماهير لم تخرج لتبارك نهج عباس بل لتقول لحماس: كفى فقد طفح الكيل .

مقالات ذات صلة