المقالات

مثلما دمّروا قرانا.. يحاولون محو ذاكرتنا

العدوان على الأقصى هو سلسلة في نهج الاعتداءات الصهيونية على شعبنا وأمتنا ومقدساتنا. إنه حلقة من حلقات التهويد الصهيوني له وللقدس عموماً على طريق هدمه، وبناء الهيكل المزعوم.

دكتور فايز رشيد
دكتور فايز رشيد

إنه خطوة في محاولة محو ذاكرتنا مثلما يظنون، ولكن ذاكرتنا مشتعلة وحيّة لا تموت. يقول المؤرخ البريطاني هوبل: «إن أردت أن تلغي شعباً ما، تبدأ أولاً بشلّ ذاكرته، ثم تلغي كتبه وثقافته وتاريخه، ثم تكتب له كتاباً واحداً فقط وتنسب له ثقافة هذا الكتاب، وتخترع تاريخاً من هذا الكتاب، وتمنع عنه أي كُتب أخرى! عندئذ ينسى هذا الشعب من كان وماذا كان، وينساه العالم».

بالضبط هذا ما يطبٌقه الكيان الصهيوني مع شعبنا الفلسطيني. لهذا علينا التمسك بالتاريخ دوماً، لأن الشعوب التي لا تحافظ على تاريخها، يكون مصيرها إلى الزوال. إن نسيان الماضي يؤدي إلى فقدان المستقبل، من هنا نرى أن التجذّر في التاريخ هو بأهمية التجذّر في الجغرافيا، وهما معا يشكلان تجذرا وطنيا وقومياً وإنسانياً. إن الدراسة التاريخية هي أساس كل النشاطات الفكرية، فلا فلسفة من دون تاريخ الفلسفة، ولا فن من دون تاريخ الفن. إنهم يخططون لأن تنسى الأجيال الفلسطينية القادمة تاريخ بلدها، بالتالي فإن فقدان الانتماء التاريخي، يؤدي إلى تزوير الهوية القومية. إن التاريخ شرط مهم من شروط الهوية، فالانسان بلا تاريخ، هو حتماً بلا هوية، لهذا ترى أعداءنا يجاهدون في استحضار تاريخٍ لهم في فلسطين، حتى لو كان مزوراً، المهم أن يكون لهم تاريخ مرتبط بفلسطين، فيلجأون حينها إلى مقولة: اكذب، ثم اكذب، حتى يصدّقك الناس.

فلسطين، هي أم التاريخ اليبوسي الكنعاني العربي الفلسطيني . منذ توجهت الأنظار الصهيونية، قبل مئة عام من المؤتمر الصهيوني الأول عام 1987، اتجه الزعماء اليهود في أوروبا، إلى بلورة خطة عملية لإقامة دولة اليهود، والتطرق لكافة الأساليب التي تضمن إقامة هذه الدولة، كما كيفية التعامل مع الشعب الفلسطيني بشراً وتاريخاً وأسلوب حياة، وكيفية محوه وتدمير تاريخه، وذلك على مدى أول مئة عام من إقامة إسرائيل، إن بدايات الفكر الصهيوني ظهرت في إنكلترا في القرن السابع عشر في بعض الأوساط البروتستانتية المتطرفة، التي نادت بالعقيدة «الاسترجاعية»، التي تعني ضرورة عودة اليهود إلى فلسطين، شرطا لتحقيق الخلاص، وعودة المسيح.  لكن ما حصل هو أن الأوساط الاستعمارية العلمانية في إنكلترا، تبنت هذه الأطروحات وبلورتها في منتصف القرن التاسع عشر، على يد مفكرين غير يهود، بل معادين لهم. من المهم أيضاً لفت الانتباه إلى أن الصهيونية نشأت كرد فعل على ما سماه اليهود «معاداة السامية»، لتصبح مهمة الحركة الصهيونية تغيير واقع اليهود في أوروبا، إلى إقامة دولة قومية تجمعهم، فجرى تأسيس «الصندوق القومي اليهودي» عام 1901 وكذلك تأسيس البنك «الأنكلو- فلسطيني» عام 1903.

بالفعل، ما من شعب آخر، تعرّض لما يتعرض له شعبنا الفلسطيني على مدى قرن زمني، وظلّ متمسكاً بتاريخه وأرضه ومدنه وقراه، مثل شعبنا. من الواضح أن آباء الحركة الصهيونية، عندما خططوا لإقامة إسرائيل، كان في أذهانهم الهنود الحمر، كمثال للشعب الذي يمكن القضاء عليه. نقطة الضعف الوحيدة في قادة الحركة الصهيونية، أنهم لم يدركوا معدن الإنسان الفلسطيني! لقد بدأت حملات تهجير اليهود إلى فلسطين منذ نهايات القرن التاسع عشر، واستمرت حتى هذه اللحظة. ثم بدأوا في شراء الأراضي الفلسطينية المملوكة لعرب. تُركِّز الدعاية الصهيونية،على أن الفلسطينيين هم الذين باعوا أراضيهم لليهود، فلا ينبغي لهم أن يطالبوا بها، ولعلنا نستطيع هنا إعطاء فكرة مختصرة عن الموضوع.

لقد بدأت المقاومة الفلسطينية النشيطة للاستيطان اليهودي في فلسطين، منذ أن بدأ هذا المشروع بالظهور، في أيام الدولة العثمانية. فقد حدثت صدامات بين الفلاحين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود، عندما جاء رشاد باشا متصرفاً للقدس، وأبدى محاباة للصهاينة، فقام وفد من وجهاء القدس بتقديم الاحتجاجات ضده في مايو 1890، وقام وجهاء القدس في 24 يونيو 1891 بتقديم عريضة للصدر الأعظم (رئيس الوزراء) في الدولة العثمانية، طالبوا فيها بمنع هجرة اليهود الروس إلى فلسطين، وتحريم استملاكهم للأراضي فيها. لقد ترأس الشيخ محمد طاهر الحسيني مفتي القدس سنة 1897 هيئةً محلية ذات صلاحيات حكومية، للتدقيق في طلبات نقل الملكية في متصرفية بيت المقدس، فحال دون انتقال أراض كثيرة لليهود. وكان للشيخ سليمان التاجي الفاروقي، الذي أسس الحزب الوطني العثماني في سنة 1911، دوره في التحذير من الخطر الصهيوني، وكذلك فعل يوسف الخالدي، وروحي الخالدي، وسعيد الحسيني ونجيب نصار.

وفي عام 1920 باع آل سرسق (اللبنانيون) 250 ألف دونم في مرج ابن عامر إلى «الصندوق القومي اليهودي – الكيرن كايميت «، وهي من أخصب الأراضي الفلسطينية، وكان عليها مئات القرى الفلسطينية الصغيرة بساكنيها، الذين تعرضوا للطرد على أيدي القوات البريطانية والعصابات الإرهابية الصهيونية، بعد استملاك الوكالة للأراضي، ثم تم بناء عشرات المستعمرات اليهودية (أقيمت عند مصادر المياه الطبيعية، وعند مواقف خط سكة الحديد، من أجل تصدير المنتوجات الزراعية للمستوطنات اليهودية). المثال السابق هو واحد من عشرات الأمثلة لمن باع، وهي عائلات آل سلام، وآل تيان، وآل قباني، وآل يوسف، والصباغ، والتويني، والجزائرلي، وشمعة، والقوتلي، والمارديني، وهي معروفة بأسماء البائعين. من جانب ثانٍ، لقد منحت السلطات البريطانية، خلال فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين، حوالي مليون و380 ألف دونم من الأرض كمنح حكومية لأراض أميرية. لم تزد نسبة اليهود في فلسطين في عام 1920 عن 7% من السكان.

في العام الحالي 2017، أكد تحقيق جديد لصحيفة «كالكليست» الاقتصادية الإسرائيلية (14 يوليو الحالي) أن البطريرك الأرثوذكسي في القدس المحتلة ثيوفيلوس الثالث، استكمل بيع 6 دونمات في ميدان الساعة الشهير في قلب مدينة يافا،، وقالت اللجنة التنفيذية للمؤتمر الأرثوذكسي في فلسطين 48، «إن البطريرك ذاته أتم صفقات بيع في مدينتي طبريا 11 دونما، و60 دونما في الرملة. من ناحية أخرى كشفت القناة السابعة الإسرائيلية (الثلاثاء27 يونيو 2017)، عن أن الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية (التي يهيمن عليها البطاركة اليونانيون)، باعت حقوقها في ملكية الأراضي في منطقتي الطالبية والرحفية إلى شركة نايوت الصهيونية بقيادة عائلة بن ديفيد. وتشمل الصفقة 528 دونما من الأراضي في القدس الغربية، وحوالي 1200 وحدة سكنية، بما في ذلك فندق «إنبال»، ومؤسسات عامة مثل «هيشال شلومو»، وجزء من «متحف إسرائيل»، ومركز»بيغن للتراث»، ومسرح خان، وغير ذلك من الأماكن الموجودة على الأرض المباعة.

ما نقوله: لا هدم القرى ولا مصادرة الأراضي للاستيطان، ولا محاولات تهويد القدس، ولا المذابح والإبادة الجماعية، ولا الاعتقال، ستلغي الحقوق التاريخية لشعبنا الفلسطيني في وطنه التاريخي. وستفشل كل المحاولات الصهيونية في محاولة محو الذاكرة الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني.

كاتب فلسطيني

Jul 27, 2017

مقالات ذات صلة