المقالات

انتصار غزة المزدوج و بداية انهيار المشروع الصهيوني

انتصار غزة المزدوج و بداية انهيار المشروع الصهيوني

أ . د . علي الهيل

المعيار الذي يتم على أساسه تقييم الحروب الحديثة هو معيار تحققُ الأهداف. بمعنى هل استطاع العدو تحقيق أهدافه التي من أجلها دخل الحرب؟ في حالة حربي غزة نهاية 2008 وبداية 2009 وحرب الثمانية أيام 2012 وفي حالة الحرب على لبنان 2006 كان هدفا ‘إسرائيل’ إيقاف الصواريخ و تحرير أسراها، وكلا الهدفين لم يتحققا. إذن معياريا ‘إسرائيل’ خسرت الحرب، وحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية كسبتها.

يمكن القول: إن إسرائيل لأول مرة في تاريخها تحس بمرارة الهزيمة عسكريا وسياسيا. عسكريا، عندما إستطاعت صواريخ (فجر 5) المتطـــورة أن تصل (تلَّ أبيب)، و سياسيا، عندما فُوض الرئيس المصري (محمد مرسي) كما يبدو أمريكيا، بالتوسط بين الجانبين، ممكِّنا (حماس) من فرض شروطها لوقف إطلاق النار على إسرائيل. ومن شاهد المؤتمر الصحفي للثلاثي الحزين نتنياهو- باراك- ليبرمان بعد يوم واحد فقط من نهاية الحرب وخيبة الأمل الواضحة على وجوههم الكالحة يدرك مدى فداحة الهزيمتين العسكرية والسياسية اللتينِ مُنوا بهما.

ما من شك في أن الحصار الصهيوني على غزة قد تم كسره. بدأ أمير قطر بكسره أولا بزيارته وفي معيته تقريبا كل طاقم حكومته، وقد نظر إليه كثيرون على أنه ثورة شعبية جديدة أخرى، والإحتفاء والإحتفال الرسميين والشعبيين بالزيارة كان جليا ومدويا، وكانت زيارة الأمير مقرونة ليست بالكلام كما تعود الفلسطينيون من كثيرمن العرب بل كانت مقرونة بعون تجاوز الأربعمائة والخمسين مليون دولار، هدية متواضعة من شعب قطر الأبي المضياف على طول تاريخه.

و طبعاً، أخذت مبادرات كسر الحصار تترى وتتوالى كأمطار الشتاء. ولا شك في أن تغير الوضع السياسي والوطني في مصر العروبة أبداً قد أسهم في إنهاء مآسي وكوارث الحصار. ولا شك أيضاً في أنَّ ضغوط الرئيس الأمريكي (أوباما) ومعه قادة بريطانيا وفرنسا بالتحديد على القيادة الصهيونية بوقف الحرب وبأن لا تفكر في شن حرب برية لاسيما بعد نضوب ما يسمى (ببنك الأهداف)، وبعد ذلك بانتقادهم لقرار الحكومة الصهيونية بناء أكثر من ثلاثة آلاف مغتصبة جديدة في القدس والضفة، ردا على الحدث الأضخم بقبول فلسطين دولة غير عضو بصفة مراقب في الأمم المتحدة، واصطفاف مائة وثلاثين دولة مع القرار، والصفعة التي شعرت بها كل من أمريكا التي رفضت القرار مع دول تابعة تعيش على فتاتها وبريطانيا التي لم (تستحِ كالعادة على دمها) وامتنعت عن التصويت، ما كانت كل تلك التطورات غير المسبوقة لتتم لولا تضحيات شعوب الثورات الشعبية العربية خاصة في تونس ومصرالذين تخلصوا من إثنين من كبار حماة الأمن الصهيوني في العالم العربي، أو الوطن العربي كما أصبحت مؤخراً أؤمن به.

لم أستطع أن أفهم ولَربما فهمتُ جزئية في خطاب (محمود عباس في رام الله)، قبيل توجهه إلى الأمم المتحدة، عندما تحدث عن صمود غزة و لم يأتِ على ذكر الإنتصار المعياري الصاخب الذي تحقق بإذن الله على يد (حماس والجهاد وكتائب الأقصى والشعبية والديمقراطية والألوية والفصائل المقاومة الأخرى)، وكأنه قد أخذته العزةُ بالإثم لأنه قد طالما وصف صواريخ (حماس) والمقاومة في غزة بالتنك والألعاب النارية والعبثية، حتى عندما لامست حدود (تل أبيب)، ووضعت إسرائيل النووية (وهي التي معها ما يُعرف بالمجتمع الدولي برمته وبقضه وقضيضه، في (حيص بيص). ليس ذلك كلامنا بل هو خلاصة كلام الصحف وباقي الإعلام الصهيوني. ما كنتُ أود أن يفسد علينا (محمود عباس) متعة الإنتصارين العسكري و السياسي، على يد خصومه في غزة، و كنت أتطلع إلى قرار جريءٍ يأخذه لإعلان ذهابه إلى (نيويورك) من غزة هاشم المنتصرة بإقرار مُدَوٍ من أعدائها. بَيْدَ أن (عباس) أبى إلا وأن (يُخربُ) علينا فرحتنا.

وإخالُ أن قبول فلسطين في الأمم المتحدة ما كان هو الآخر ليتمَّ لولا انتصار غزة العسكري المدعوم سياسياً. وإخالُ أيضاً أنَّ لو أن غزة لم تنتصر بالشكل الذي حدث و تحدثنا عنه لَكان الوضع في (نيويورك) مختلفا فلسطينيا أو لنقل عباسيا. فما بالُ أقوامٍ من العرب، لم يتجاوزوا بعدُ عقلية (داحسَ والغبراء وحرب البسوس) و(البسوسُ لا يسوسْ). ولا أدري (والمصيبة أعظمُ) و لَربما أدري (وتلكَ مصيبة)، لماذا يصر عباس على التفــــاوض مع إسرائيل وهو الذي لم يثمر شيئاً في مطلق المطلق منذ مدريد وأوسلو 1994، و لماذا يكــــافىء بريطانيا على عدم تصويتها وهي التي هددته بأنها ستعترض مثل أمريكا وتابعاتها وهي طبعا التابعة الكبرى إنْ هو فكر بعد القبول الأممي بمقاضاة الإرهابيين الصهاينة على جرائمهم التي يقر بها قضاة ومفكرون ومسؤولون سابقون بريطانيون وأمريكيون وأوروبيــــون أحرار معادون للعنصرية وحتما الصهيونية، وأن يعود إلى عبثية المفاوضات، أي إلى المربع الأول. ونصيحتنا لعباس: أنت يا أبا مازن، جربتَ (عبثية المفاوضات) كما يقر بذلك (صائب عريقات) نفسه وآخرون في سلطتك، مثل (عزام الأحمد)، فلْتجرب (الصواريخ العبثية) كما كنتَ تسميها دائما فاتاًّ في عضد المقاومين رغم أنهم ظلوا يقاومون (بصواريخهم العبثية) التي أقضت مضاجع الصهاينة وأنجزت قوة الردع بشهادة الصهاينة انفسهم ومن يدور في فلكهم، وما تزال تقض مضاجعهم وهي في مخابئها وقد وضعتِ الحرب أوزارها إلى حين. فما بالُ أقوام من العرب لا يكادون يفقهون قولا؟.

القدس العربي، لندن، 12/2/2013

مقالات ذات صلة