المقالات

أنا وماهر اليماني وسماح ادريس والآداب – نضال حمد

قبل سنوات، وتحديدًا في نيسان 2010، زرتُ لبنان. وخلال زيارتي تلك، اتفقتُ يوم الخميس الموافق فيه 29 نيسان على لقاء مع الرفيق والصديق الراحل الكبير فيما بعد ماهر اليماني، الذي جمعتْني به مواقعُ النضال وميادينُ العمل الفدائيّ في لبنان، بالرغم من فارق السن بيننا؛ إذ كان ماهر في ذلك الوقت وبقي حتى وفاته مثالًا يُحتذى به عن المناضل الميداني والثوري الحقيقي. هكذا عرفتُه وهكذا ودّعتُه يوم رحيله عن عالمنا.

توجّهتُ من مخيّم عين الحلوة في صيدا، عاصمةِ الجنوب اللبناني، الى مخيّم مار الياس في بيروت، حيث التقيت بماهر الذي كان في انتظاري. وبالرغم من أن مشواره من الهرمل الى بيروت أبعد بكثير من مشواري من صيدا الى بيروت، فقد كان سبقني الى مكان اللقاء.

لم يطل جلوسي على كرسيّ في مكتب متواضع بالمخيم. فبعد حديث قصير لم يدم سوى دقائق معدودة قال لي: “هناك ندوة في مبنى اليونيسكو للتضامن مع مجلة الآداب اللبنانية العريقة”. في ذلك الوقت كان مستشار (شيوعي) للرئيس العراقي تحت الاحتلال الامريكي رفع ضدها دعوى قضائية. والمستشار المذكور كان واحداً من عدد غير قليل من الشيوعيين العراقيين الذين بايعوا الاحتلال الأمريكي.

لم يطل ردي على الرفيق ماهر، وأجبتُه على الفور بأنني سأذهب معه للتعبير عن تضامني مع “الآداب” والرفيق سماح ادريس، الذي لم يسبق لي اللقاء به وجهاً لوجه قبل ذلك اليوم، لكنني كنت من متابعيه وقرّاء مقالاته ومجلته – مجلتنا – “الآداب”.

المسافة من المخيّم الى مقرّ اليونيسكو كانت مسافة قصيرة جداً، وكانت مناسِبةً لي ولوضعي الصحّي الذي لا يساعدني على قطع مسافات طويلة سيراً على الأقدام؛ فكيف الحال إنْ كان عليّ أن أسير على قدم واحدة أو حتى نصف قدم، هي ما تبقّى لي من ذكريات النضال ومواجهة الغزو الصهيوني في بيروت سنة 1982؟

وصلنا الى القاعة التي كانت تعجّ بالمتضامنين مع المجلة. وكان سماح ادريس جالساً، وبالقرب منه السيدة والدته. جاء سماح للترحيب بنا. قام ماهر بتعريفنا على بعضنا، وبعد ذلك تقدّمتْ صبيّةٌ واثقةٌ من نفسها وألقت التحية على ماهر، وسلّمتْ عليّ ايضاً. قال لي ماهر: “هذه ابنة وليد. انها الاعلامية الشابة ملاك خالد”,

في ذلك الوقت كان ماهر يحمل دفتر تبرّعات ويقوم بجمعها لصالح مجلة الآداب التي كانت بحاجة للدعم المالي لتأمين تكاليف المحاكمة. قال لي سأبدأ التبرّعات هنا في القاعة منك. ابتسمتُ وسحبتُ من جيب قميصي مبلغاً من المال وقدّمتُه إلى ماهر، الذي قام بتدوينه في دفتره وأعطاني إيصالاً بالمبلغ المذكور (اعتقد انني لازلت احتفظ به).

في تلك اللحظة تذكّرتُ شقيقه القائد الكبير الراحل أبا ماهر اليماني ودقّتَه في الأمور المالية. كما تذكرت المناضل الراحل فيما بعد ابن مخيمنا عين الحلوة والجبهة الشعبية سليم بلشة – أبو سامر – الذي كان أيضًا في سنوات سابقة يجمع التبرعات لصالح العمل النضالي والفدائي.

هل هي صدفة أنني لم ألتقِ بسماح ادريس وجهاً لوجه إلا في مناسبتين، وكلتاهما ارتبطت بماهر اليماني وفي شهر نيسان من العامين 2010 و2019؟

فالمرة الثانية التي التقينا فيها كانت في السابع من نيسان 2019 في مهرجان تأبين الراحل ماهر اليماني في الهرمل اللبنانية، والذي جرى بعد وقت قصير من وفاته على اثر مرض عضال ألمّ به وفي النهاية نال منه.

مناسبةُ الحديث عن هذه الذكرى عثوري اليوم، وأنا أبحث في ملفّاتي، على مجموعة من الصور من تلك الندوة في بيروت كنت التقطتُها بنفسي، ويظهر فيها سماح ووالدتُه وبعضُ الحضور من الندوة التضامنية مع مجلة الآداب. لكنني يومها لم ألتقط أيَّ صورة لا لماهر ولا لي ولا لنا مع سماح.

2021-01-02 الصفصاف

مقالات ذات صلة