المقالات

مقاطعة فلسطينيي 48 للانتخابات الإسرائيلية تقلق الكثيرين عربا ويهودا

على أثر نشر نتائج أبحاث تؤكد أن حوالي 42% من المواطنين العرب في إسرائيل (فلسطينيي 48)، ينوون مقاطعة الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في يوم الثلاثاء القادم، احتجاجا على السياسة الحكومية والقوانين العنصرية، وأن 17% لم يقرروا بعد إن كانوا سيصوتون أم لا، ساد القلق في صفوف الأحزاب العربية الوطنية ومجموعات من المثقفين، الذين يعتبرون مشاركة العرب ضرورية في المحاولات لصد سياسة اليمين المتطرف، وكذلك في صفوف قوى السلام وأنصار الديمقراطية.

فالمعروف أن العرب يشكلون نسبة 17.5% من السكان ونسبة 14% من أصحاب حق الاقتراع، ولكن الأحزاب العربية ممثلة بأحد عشر مقعدا فقط من مجموع 120 مقعدا، أي 9%. فلو بلغت نسبة مشاركتهم مثل اليهود لأصبح لهم 15 مقعدا. لكن نسبة التصويت عموما بين العرب تنخفض من سنة لأخرى، وفي السنة الأخيرة بلغت 53% مقابل 68% بين اليهود.لكن المقلق أكثر هو أن آخر استطلاعات الرأي أشارت إلى أن 41% من الناخبين العرب أكدوا أنهم سيشاركون في التصويت وقال 17% إنهم مترددون.

بناء على ذلك، نشأت عدة حملات من الأحزاب العربية الوطنية وخارجها، تدعو إلى ممارسة حق التصويت للعرب، أبرزها الحملة التي نظمتها قوى السلام اليهودية. فقد أقدمت صحيفة “هآرتس” العبرية على خطوة فريدة، فعلتها مرة واحدة في تاريخها عند زيارة الرئيس المصري أنور السادات لإسرائيل سنة 1977، فأنشأت افتتاحية باللغة العربية هي عبارة عن نداء.

وقد توجهت أكثر من 80 شخصية إسرائيلية يهودية مرموقة، بنداء إلى المواطنين العرب في إسرائيل (فلسطينيي 48)، تدعوهم فيه إلى المشاركة الواسعة في الانتخابات القادمة (الثلاثاء المقبل) ورفض الدعوات التي توجه إليهم للمقاطعة، التي لا تخدم سوى قوى اليمين المتطرف. وبالروح نفسها، خرجت صحيفة “هآرتس” العبرية بمقال افتتاحي نشرته على رأس صفحتها باللغة العربية، تدعو فيه العرب إلى التصويت وتحمل فيه اليمين الإسرائيلي وحكومات إسرائيل بث اليأس في صفوفهم.

وجاء في افتتاحية “هآرتس”، : “في عام 1948، قرّر الفلسطينيون الذين بقوا تحت الحكم الإسرائيلي أن يصبحوا مواطني الدولة، واختاروا النضال لأجل مواطنة متساوية بأساليب ديمقراطية. هذا القرار شكّل تحديا للدولة التي سعت لإبراز طابعها اليهودي وللجمهور العربي الذي سار على حبل مشدود يوصل بين النضال للمساواة وبين النضال لتحقيق تطلعاته القومية. يمكن القول، اليوم وبعد 65 عامًا، أن هذا الخيار قد أثبت جدارته، فالجماهير العربية هي جزء لا يتجزأ من المجتمع الإسرائيلي وتسهم في مختلف المجالات. وكأقلية قومية فالجماهير العربية تثري الديمقراطية الإسرائيلية وتشكّل تحديًا محفزًا لها، ولهذا من الطبيعي أن تجد التعبير السياسي الذي يعكس وزنها في المجتمع الإسرائيلي. منذ حكومة رابين الثانية التي اعتمدت على أصوات ممثلي المواطنين العرب في الكنيست، يعمل اليمين بمنهجية لنزع شرعية العرب في اتخاذ قرارات سياسية حاسمة. وينعكس ذلك اليوم في حملة التحريض ضد أعضاء الكنيست العرب وفي التشريعات المعادية للديمقراطية. من جهة أخرى فإن القوى التي تسعى لوضع بديل لليمين، تتجاهل بأغلبيتها وجود المواطنين العرب. ولذلك، ومن أجل تغيير هذا الوضع، هنالك حاجة لتمثيل عربي أكبر في الكنيست. فالانتخابات البرلمانية هي جوهر النضال المدني. وعليه فإن الانخفاض في مشاركة العرب في التصويت، والدعوات الداعية لمقاطعة الانتخابات بين الجمهور العربي، هي مظاهر مقلقة.

إن السبب الأساسي للتراجع في نسبة التصويت بين العرب هو الشعور بأن العمل البرلماني لم يُسهم في تحسين ظروف معيشتهم. ولكن، وبنظرة شاملة يتبيّن أن الجماهير العربية، وبفضل نضال شعبي ومدني وقانوني وبرلماني، حققت إنجازات مهمة في مجالات الحياة المختلفة. ولذلك فلا بديل ناجعا للجمهور العربي سوى النضال المدني الذي يتطلب طول النفس. إن اليأس والامتناع عن التصويت هما عدوّان لدودان لهذا النضال. اليأس هو بمثابة “ترف” لا يمكن لمواطني إسرائيل أن يتيحوه لأنفسهم. إن المشاركة الواسعة للجماهير العربية في الانتخابات هي لصالح جميع الديمقراطيين- العرب واليهود. لذلك فالمواطنون العرب مدعوّون للخروج للتصويت من أجل السلام والمساواة والديمقراطية”.

وكان حوالي 80 شخصية يهودية بارزة، قد وجهت نداء مشابها إلى المواطنين العرب، جاء فيه: “نحن الموقعين أدناه، يهود ويهوديات، نؤمن بأن الشراكة بين المواطنين اليهود والعرب في إسرائيل حيوية لمستقبلنا المشترك. ولذلك، نتوجه إلى المواطنين العرب بالنداء: تعالوا وصوتوا. لا تتنازلوا عن الحق، بل الواجب، في هذه العملية الديمقراطية التي تشكل تعبيرا عاليا لهذه الشراكة”.

ويضيف: “نحن لا ننسى أن حكومات إسرائيل المتعاقبة انتهجت سياسة تمييز ضد العرب، ونحن نريد مكافحة هذا التمييز والقضاء عليه. إننا نريد مكافحة كل الاتجاهات الانفصالية التي تعزز من قوة أولئك الذين يريدون أن يسود الاغتراب علاقات اليهود والعرب. فهذا يمس بمصالح الغالبية الساحقة منا. إننا نؤمن بأنه من المحظور أن تكون هناك سياسة تمييز ضد الأقلية في دولة يهودية، ونؤمن بإمكانية الشراكة بين اليهود والعرب. إن قلوبنا تمتلئ بالأمل ونحن نشاهد الاندماج الرائع للمواطنين والمواطنات العربيات في السنوات الأخيرة في فروع الصناعة والتكنولوجيا العالية والسلك الأكاديمي والإعلام ومنتدى رجال الأعمال وفي فرع الرياضة. إن امتناع العرب في إسرائيل عن التصويت يؤدي إلى تعاظم قوة من يسعون إلى دفع هذه الجماهير الغفيرة إلى هامش المجتمع وتعزيز العناصر المعنية بالتمزق الاجتماعي والثقافي بين الشعبين. والامتناع يؤدي إلى زرع وهم لدى الجمهور اليهودي بأن بالإمكان تجاهل قضية التمييز. لهذا، إننا بحاجة إلى مشاركتكم السياسية لكي نستطيع النضال من أجل المساواة، التي كنا قد تعهدنا بها في وثيقة الاستقلال”.

وبرز من بين الموقعين على النداء، عشرات أساتذة الجامعات والدبلوماسيين السابقين والأدباء والصحافيين، ومنهم: وزير التربية والتعليم الأسبق، البروفسور أمنون روبنشتاين، ود. ألون لئيل، المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية، والشاعرة ليئورة هايدكر، والبروفسور مريم بن بيرتس، البروفسور جابي سلومون، الحائزان على جائزة إسرائيل في التعليم، والحاخامات أوهاد مزراحي ونفتالي روتنبيرغ، من كبار رجال الدين اليهود، والأساتذة الجامعيين بدرجة بروفسور دافيد هرئيل ومناحيم ماوتنر ويديديا شتيرن ويسرائيل شتاينر واوري شمير، والأدباء أ. ب. يهوشواع، ويهوشاع سوبول وإيال ميجد، والدبلوماسي السابق ييهودا لانكري، والكتاب الصحافيون بامبي شيلغ وداني روبنشتاين وروني شكيد. كما وقع على البيان جميع الباحثين في معهد “شحريت” (سحرية) في تل أبيب وثلاث حركات شبيبة يهودية هي: “درور يسرائيل” و”محنوت هعوليم” و”هشومير هتسعير”.

وقامت حركة “سحرية العرب”، التي تضم عددا من الشخصيات الثقافية العربية بإطلاق حملة اللحظة الأخيرة لدعوة الناخبين العرب إلى التصويت، مؤكدين أن “عدم التصويت هو أيضا تصويت، ولكن لصالح القوى التي تريد للعرب في إسرائيل أن يكونوا على هامش المجتمع”.

ابتهاج زبيدات

العرب اليوم، عمّان، 18/1/2013

مقالات ذات صلة