فى هذا اليوم

أحمد حسين اليماني أبو ماهر

أحمد حسين اليماني أبو ماهر || 04.01.2011

ضميـر فلسـطيـن

مشاعل على طريق الثورة

أحمد حسين اليماني أبو ماهر / ضميـر فلسـطيـن

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تنعي الرفيق المناضل والقائد الرمز أحمد حسين اليماني (أبو ماهر)

السيرة الناصعة

أم ماهر تبكي حبيبها ورفيق عمرها

أم ماهر تبكي حبيبها ورفيق عمرها


ـ ولد أحمد حسين اليماني في سحماتا ـ قضاء عكا في سنة 1924.
ـ درس المرحلة الابتدائية في مدرسة البلدة، وتابع دراسته في مدرسة ترشيحا، ثم في مدرسة عكا الثانوية، ثم في الكلية العربية في القدس.
ـ عمل بعد تخرجه في دائرة الزراعة في عكا ثم استقال بعد سنة وثلاثة أشهر. ثم عمل في دائرة الأشغال العامة في حيفا واستقال منها جراء صداماته مع الموظفين اليهود.
ـ شارك في نشاط اللجنة المركزية التي شكلها أبناء المناطق الفلسطينية في لواء الجليل للدفاع عن قراهم بوجه الهجمات الصهيونية، واختير أميناً لسر هذه اللجنة.
ـ نشط في المجال النقابي وكان أحد قادة جمعية العمال العربية الفلسطينية بين 1944 و1948.
ـ شارك في معارك سنة 1948 في الجليل.
ـ رفض مغادرة فلسطين بعد سقوط معظم المدن فاعتقلته السلطات الإسرائيلية في 29/10/1948 ونقل الى معتقل نهلال،
ثم أبعد الى لبنان عنوة في 31/01/1949، فانضم الى عائلته التي عثر عليها في مخيم البداوي في شمال لبنان.
ـ بدأ حياته في لبنان بالعمل كاتباً للحسابات لدى شركة منح وسميح عذرة للصناعات الكيماوية في طرابلس لكنه
لم يلبث ان قدم استقالته وسافر الى الضفة الغربية في فلسطين للالتحاق بجمعية العمال العربية الفلسطينية،
التي عاودت نشاطها في نابلس عام 1949. لكن، لم يطل الأمر به في الضفة الغربية فعاد الى لبنان.
ـ عمل مدرساً ومدير مدرسة وناظراً في مدارس وكالة غوث اللاجئين في لبنان (الأونروا) منذ سنة 1951 حتى سنة 1963.
كما عمل في إحدى مدارس المقاصد الإسلامية، ثم أصبح مديراً لمبرة الملك سعود في برج البراجنة.
ـ أسس مع بعض رفاقه «المنظمة العسكرية لتحرير فلسطين» سنة 1949.
ـ أحد مؤسسي اللجان الشعبية في المخيمات الفلسطينية في لبنان.
ـ أمين سر رابطة المعلمين الفلسطينيين في لبنان.
ـ كان مشرفاً على رابطة الطلاب الفلسطينيين في لبنان حين تأسيسها في خمسينيات القرن العشرين.
ـ مؤسس وأمين سر اتحاد عمال فلسطين ـ فرع لبنان.
ـ نائب الأمين العام للاتحاد العام لعمال فلسطين.
ـ مندوب الاتحاد العام لعمال فلسطين الى الأمانة العامة للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب.
ـ أسهم في تأسيس حركة القوميين العرب الى جانب جورج حبش ووديع حداد وهاني الهندي، وناضل في صفوفها منذ سنة 1953 حتى سنة 1967،
وكان أحد مؤسسي الفرع العسكري للحركة.
ـ اعتقل أول مرة في سنة 1955 بعد توزيع بيان باسم الشباب العربي الفلسطيني.
ـ التقى ياسر عرفات للمرة الأولى في بيروت عام 1965 لتنسيق العمل العسكري بين حركة القوميين العرب وحركة فتح.
ـ استشهد شقيقه محمد في ثاني عملية لمنظمة أبطال العودة في 18/10/1966.
ـ شارك في صوغ اتفاق التهدئة بين منظمة التحرير والحكومة الأردنية سنة 1970 لكن هذا الاتفاق لم ير النور.
ـ أحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وظل يشغل عضوية المكتب السياسي للجبهة منذ تأسيسها حتى استقالته منها لأسباب ذاتية.
ـ أمين سر جبهة الرفض من سنة 1974 حتى سنة 1979.
ـ عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في دورات عدة، وهو عضو في المجلس الوطني الفلسطيني.
ـ سجن في لبنان نحو 55 مرة.
ـ رئيس دائرة التنظيم الشعبي في منظمة التحرير الفلسطينية، ثم رئيس دائرة شؤون العائدين.
ـ عضو في اللقاء الثقافي الفلسطيني الذي أسسه الدكتور أنيس صايغ.
ـ عضو في المؤتمر القومي العربي، والمؤتمر القومي ـ الاسلامي في مجلس أمناء المنتدى القومي العربي ـ لبنان.
ـ أصدر كتاباً عن تجربة «جمعية العمال العربية الفلسطينية» في فلسطين.
ـ شارك في تحرير كتاب عن بلدته «سحماتا».
ـ أصدر مذكراته بعنوان «تجربتي مع الأيام» في خمسة أجزاء (دمشق: دار كنعان، 2006).
ـ زارته وفود من المنتدى القومي العربي و«الحملة الأهلية لنصرة فلسطين والعراق»
لمناسبة عيد ميلاده السادس والثمانين في منزله في محلة الملعب البلدي في بيروت في 24/09/2010.
ـ تسلم درعاً تكريمية عربون تقدير ووفاء من حركة المقاومة الاسلامية (حماس) في 06/10/2010.
ـ أدخل الى مستشفى «بهمن» في 18/12/2010 بعد تدهور حالته الصحية. وكان يعاني مرض السكري منذ زمن بعيد.


أبو ماهر / ضمير فلسطين

أبو ماهر / ضمير فلسطين

ما كان “أبو ماهر اليماني” يشتهي الانتقال الى جوار ربه في ظروف أسوأ من هذه الظروف التي تمر بها فلسطين والأمة العربية من محيطها الى الخليج. ربما لذلك آثر الرحيل، حسبه أنه لن يشهد المزيد من حالة التفكك والانحلال والمصائب والويلات المقبلة على هذه المنطقة التي كانت ميدانه النضالي لأكثر من ثمانية عقود. وليس من باب المبالغة القول ان الكثيرين من مجايلي ابي ماهر يؤثرون الرحيل في هذه المرحلة، على العيش في مستقبل عربي يحمل المزيد من الخزي لهذه الأمة، بحكامها وانظمتها ومفكريها وناسها أجمعين.

عن ستة وثمانين عاما رحل أحمد اليماني أمس، عاش خلالها الزمن العربي الجميل والزمن الرديء، وعاشت فلسطين معه منذ وعى على هذه الدنيا في قريته “سحماتا” في قضاء عكا، شأنه شأن كل فلسطيني حيث القضية في جسده مرضا عضالا لا يشفيه الا العودة أو.. الموت. وها هو الموت يشفي ابا ماهر من مرضه العضال.

والحق يقال ان ما من عربي شريف الا ويتمنى ان يكون أحمد اليماني بصفاته ومناقبه التي ميزت هذا الانسان الكبير. فهو المناضل الثائر النظيف العفيف الشريف الطاهر الودود النقي الزاهد الخلوق المتواضع، والرفيق الذي أسر قلوب جميع معارفه في فلسطين ولبنان والوطن العربي الواسع منذ ما قبل انخراطه في حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي كان أحد ابرز مؤسسيها الى جانب صنوه ورفيق دربه الراحل الكبير جورج حبش. وهو في الوقت نفسه الفلاح النقابي المتفاني في خدمة الطبقات العمالية والفقيرة التي اعطاها الكثير الكثير من تجربته الطويلة. وباختصار لا غرو ان يُلقّب ابو ماهر اليماني بـ”ضمير فلسطين” من دون منازع، تماما كما هو سليم الحص، أطال الله في عمره، “ضمير لبنان”.

يوم مات جورج حبش كان المرض قد فعل فعله في ابي ماهر، لكنه أبى الا ان يُحمل الى مقر الجبهة الشعبية في مخيم مار الياس ليتقبل التعازي مع رفاق الدرب. كانت في مقلتيه دمعة جافة، فهو رغم حنانه وعاطفته الجياشة لم يألف الدموع. لكنه أحس منذ ذلك اليوم أن أحمد اليماني قد مات، لأن رحيل “الحكيم” أفقده شهوة الحياة.

عرفت ابا ماهر اليماني في ريعان الشباب، يوم كانت الأحلام كبيرة والآمال عريضة، وتعلمت منه الكثير، فكان هذا الرجل يدهشني بهدوئه وصبره وجلده وطول أناته، فما عرف اليأس يوما. في مذكراته التي نشرها قبل سنوات كتب ابو ماهر اليماني: “قرأت ما تيسر لي من غزوات التتر والفرس والرومان، والإفرنج والأتراك لبلادنا العربية واستخلصت درساً مفاده أن الشعب المؤمن بحقه وعدالة قضيته يواصل ويواصل الكفاح، لا يساوم ولا يفرط ولا يستسلم، لا بد أن ينتصر مهما طال الزمن”.

كان لبنان ميدانه الاوسع. عاش فيه اكثر من ثلثي عمره فأحبه واستقر فيه مع عائلته الطيبة، ومارس فيه كل انواع النضال الجسدي والذهني. وبالتأكيد سيفقد اللبنانيون “ابا ماهر اللبناني” مثلما يفقد الفلسطينيون “ابا ماهر الفلسطيني”، فهو لم يسئ يوما الى وطنه الثاني، بل اساءه جدا ان يسئ أحد الى هذا البلد ولو كان من ابناء جلدته. عزاؤنا في ابي ماهر تلك السمعة الطيبة العطرة، كخير ارث يحمله الابناء عن الآباء. فإلى عائلته الكريمة، الى السيدة الفاضلة ام ماهر، والابناء والبنات ماهر ومهند وثائر وعصام وفادي وآمال وفدا وهيفاء، والى شقيقه الصديق الحبيب ماهر اليماني، والى كل محبيه، أحر التعازي .


أبـو ماهـر اليمانـي .. آخـر العُصـاة الكبـار

أبـو ماهـر اليمانـي .. آخـر العُصـاة الكبـار

كان لنا مثل شجرة زيتون دهرية، نستظل بسيرته، ونستضيء بتاريخه البهي، ونفخر بأننا رافقنا أبو ماهر اليماني شوطاً من أعمارنا المتعبة. آخر المَعَاصر وآخر الخوابي المعتقة وآخر سراج في الليالي المعتمة، ولعله آخر العُصاة الكبار في هذا الشتات الفلسطيني المترامي.

هوذا أبو ماهر اليماني الذي عاش في منزل جدرانه من الحجر الصخري، وسقفه من الخشب الوعري، وفيه موقدان للنار. وظل أبو ماهر، حتى آخر رمق، مثل بيته تماماً: صلب كالحجر الصخري، ناعم كالخشب الوعري، مشتعل كنيران المواقد في قرى الجليل.

كان الصغير في العائلات الفلسطينية الفقيرة، ومنها عائلة أبو ماهر، يلبس ثياب أخيه الأكبر سناً. ونحن كثيراً ما اكتسينا ببعضٍ مما تركه لنا أخونا الكبير أبو ماهر؛ فقد كانت سيرته لدينا مَعلماً وعلامةً، وكان هو مُعلِّماً في الصلابة والوداعة معاً، وفي إفناء العمر في سبيل المبادئ التي اعتنقها. وهذا المعلم كان لا يأوي إلى منزله قبل أن يجوس في أزقة المخيم ليكتشف مَن مِن تلامذته ما زال لاهياً عن فروضه فيقرّعه بحنان. وكم شوهد «الأستاذ أبو ماهر» وهو يطرق أبواب المنازل ليلاً ليطمئن هل إن طلابه يذاكرون دروسهم حقاً، وأنهم ما ناموا قبل أن ينجزوا فروضهم.

لم يغادر فلسطين البتة، ولم يبرح هواءُ الجليل رئتيه؛ ذلك الهواء المضمّخ برائحة الريحان الذي كان والده يجمعه من الحقول، ثم تجففه والدته وتدقه وتهديه إلى النساء حين يلدن. فالريحان كان دهن المواليد الجدد، مثل مسحوق «البودرة» في هذا الزمان، وكان هو الدهن المقدس للمناضلين الحقيقيين. وكنتُ، أحياناً، أرقبُ عينيه وهي تذهب بعيداً في سفر خفي، فأعرف أنه صار هناك.

ظلت فلسطين طوال اثنين وستين عاماً عالمه الفسيح والبعيد والقريب معاً. لم يغادرها قط، بل إنني أكاد أوقن أنه يقف في كل يوم عند مفترق البقيعة وحرفيش، ليجوس بخياله المشبع بالألم في أرجاء هذا الجمال الباهر: من ترشيحا ودير القاسي وكفر سميع وبيت جن حتى فسوطة ومعليا والرامة ويانوح.

اعتقلته «الهاغاناه»، وكاد أن يموت. وبعد نحو أربعة أشهر وضعوه عند الحدود اللبنانية، وأداروا له وجهه نحو بلدة «رميش» وقالوا له: سر، ولا تتطلع خلفك. وإن عدت موتاً ستموت. لكنه منذ ذلك التاريخ، أي منذ اثنين وستين عاماً وأكثر، وهو لا يتطلع إلا إلى فلسطين، ولم يكف عن محاولة العودة. وفي خضم هذه الجلجلة لم ترهبه السجون التي استقبلته نحو خمس وخمسين مرة في لبنان، ولم تحوِّله مواقعه القيادية التي كُلِّف بها عن خصاله، فبقي صلباً كصخر البازلت في سحماتا، شديداً كمطارق الحديد في محطة القطار التي لجأ أهله إليها في طرابلس غداة النكبة، واخزاً مثل صبّار الوعر في وطنه المفقود.

تعلّم أحمد اليماني في ثانوية صفد بتنكتي زيت: واحدة لأجرة الغرفة، وواحدة لمصروفه الذي لم يتجاوز 30 قرشاً في الشهر، أي ثلث جنيه. وعرف ضروباً من الألم التي كثيراً ما احتملها بصبر وكرامة. وكم تعذب حينما سرق له زميله في السكن مصروفه الشهري، فأكل «قتلة» من والده. وكان غيظه من فقدان المصروف أشد إيلاماً من كفي والده. لكن الإحساس بآلام الفقر لم يحوِّل أبو ماهر شخصاً باحثاً عن خلاصه الفردي، بل أمدّه بوعي اجتماعي خالص، وأيقن أن سبيل الفكاك من الفقر هو الكفاح من أجل العدالة الاجتماعية، فالتحق مبكراً بـ«جمعية العمال العربية الفلسطينية» وناضل في صفوفها، ثم اشتبك نضاله الاجتماعي بنضاله القومي العربي، ثم الوطني الفلسطيني في مسيرة طويلة منحت أبو ماهر اليماني ذلك الحضور المتألق، ومنحتنا نحن أيضاً مثالاً نادراً للنزاهة.

إذا كانت الفاقة والأحوال المُعسرة أوقدت لدى الفتى أحمد اليماني الشعور بفقدان العدالة الاجتماعية، فإن الاستعمار البريطاني أشعل في فؤاده جذوة النضال الوطني. وفي لبنان التقى، في مضمار واحد، جورج حبش ووديع حداد وهاني الهندي وأحمد اليماني ورفاقاً لهم آخرين، ليعيدوا إيقاد الشعلة وينيروا بنضالهم ميادين كثيرة. وإذا كان وعيه الوطني تفتح، أول مرة، في سنة 1930 حين شاهد في عكا إعدام شهداء البراق الثلاثة (فؤاد حجازي ومحمد جمجوم وعطا الزير)، فإن «أبا ماهر» لم يغادرنا إلا بعد أن حفر دروباً وأخاديد كثيرة، وزرع حقولاً للأمل.

كان الناس في منازل القرى الجليلية يجلسون على الأرض. وعلى هذا المنوال ظل أبو ماهر حتى نهاية المطاف «على الأرض». وها هو يعود اليوم إلى الأرض، لكن، يا للحسرة، ليس إلى الأرض التي نذر حياته في سبيل العودة إليها، فقد اكتفى من دهره المتعب، بعدما ودّع أقرب الناس إليه أمثال جورج حبش ورفعت النمر وأنيس صايغ، بأن رقد في «فلسطين الصغيرة»، أي في مثوى الشهداء إلى جانب صديق عمره شفيق الحوت.

أبو ماهر، كلماتي هنا ليست رثاءً، وإنما هي بضع حبيبات من الدمع والحب، أردتها تحية لك في مرقدك الأخير.


أبو ماهر مودعاً المقاتلين عام 1982

أبو ماهر اليماني في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1983

أحمد حسين اليماني / أبو ذر فلسطين

كنا على مقاعد الدراسة الثانوية فالجامعية حين كان اسم أبو ماهر أحمد اليماني ومعه اسم أبو عدنان عبد الكريم حمد قيس يترددان على مسامعنا كرمزين للعناد في الحق الفلسطيني وللصمود في مواجهة العذابات الفلسطينية .. وكانا أيضاً رمزين لسوء معاملة بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية للاجئين الفلسطينيين حيث ما كان احدهما يخرج من السجن حتى يعود إليه لوحده أو مع رفيقه الآخر…

ومنذ تلك الأيام، كان اسم أبو ماهر اليماني مقروناً لدينا بالعودة والتحرير فلسطينياً، وبالوحدة والتقدم عربياً، وبقي الرجل أميناً لصورته الأولى فلم تغيّره الأيام ولا أغرته المناصب ولا أتعبته المحن ولا أرهقته الأزمات الوطنية منها أو التنظيمية.

سيرة الرجل غنية طويلة مليئة بصفحات عاطرة من كفاح شعب فلسطين قبل النكبة وبعدها، فيها الصفحة النقابية والصفحة الحزبية والصفحة السياسية والصفحة الوطنية والصفحة القومية، بل فيها أحرف يختلط فيها الدم بالنور، الريادة بالشهادة، الفكر بالنضال، والصبر بالإيمان.

ولكن في هذه السيرة التي يستحق كل فصل من فصولها كتاباً كاملاً أقف أمام ثلاث صور لأبي ماهر اليماني لا بد من تظهيرها لتكون قدوة لأجيال قادمة من أبناء فلسطين والأمة.

الصورة الأولى هو أن أبا ماهر اليماني حرص أن تكون حياته اليومية صورة عن قناعاته، فرفض أن يتمتع يوماً باي من الامتيازات التي يعتبرها البعض حقاً من حقوق القيادة وقد وصل ابو ماهر إلى أعلى مراتبها في تنظيمه (الجبهة الشعبية) أو في منظمة التحرير الفلسطينية ، فآثر الحياة البسيطة البعيدة على التكلّف والاستعراض والأبهة مدركاً أن المناضل الحقيقي هو الذي يبقى قريباً من شعبه في مواقفه كما في سلوكه، في مبادئه كما في أسلوب حياته.

كان بحق أبا ذر فلسطين يقاوم بشجاعة وصلابة حيتان الفساد من حوله.

الصورة الثانية إن أبا ماهر اليماني رغم مبدئيته الصارمة، وجذريته الواضحة، ومواقفه القاطعة، وربما بسببها، كان نموذجاً للسان العفيف والتعبير النظيف، واللغة الرصينة، فلا يخرجه خلاف مهما اشتد عن أدب الحديث، ولا يؤدي به أي نقاش مهما احتدم إلى أن ينزلق في لغة الشتائم والتجريح… بل كان تهذيبه يحرج خصومه أحيانا أكثر من مبدئيته وعناده في الحق. لذلك لم يترك في علاقاته مع الآخرين ندوباً أو جروحاً أو أحقاداً، فكسب احترامهم حتى لو لم يكسب ودهم.

الصورة الثالثة هي تسامح الرجل مع المسيئين إليه، وتعاليه عن الجراح مهما بلغت قسوتها، إذ أن القضية التي يحملها كانت تعلو عنده فوق كل المماحكات والإساءات. فلقد ظن كثيرون إن أبا ماهر من فرط ما لاقى من قسوة ومضايقات من قبل بعض الأجهزة الأمنية، سيكون أول المنتقمين منها مع تبدّل حال الثورة الفلسطينية في لبنان في السبعينات، فإذ به داخل القيادة الفلسطينية اشد المنتقدين لأي خطأ أو تجاوز أو ممارسة مسيئة بحق أي لبناني أياً كان موقعه أو انتماؤه أو حتى موقفه.

كان يعتقد إن الانضباط هو شرط المقاومة على ذاتها قبل أن يكون شرط أحد عليها، وكان يظن إن شعب لبنان بكل ألوان طيفه الاجتماعي والسياسي له دين كبير في عنق فلسطين ويجب أن يكون سلوك أي فلسطيني محكوماً بمنطق الوفاء لهذا الدين، دون أن يعني ذلك طبعاً تخلي الشعب الفلسطيني عن حقوقه السياسية والمدنية والاجتماعية مؤكداً إن إسقاط مشاريع التوطين (التي بدأ حياته النضالية في المخيمات مقاوماً عنيفاً لها باعتبارها مشاريع تصفية قضية فلسطين) لا يتم إلا من خلال العودة والتحرير.

الحديث عن الحبيب أبي ماهر يطول ويطول وآخره كلماته الأخيرة وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة في المستشفى: أريد أن أعود .. أريد أعود… اتركوني أعود….

رحم الله أبو ماهر المناضل والقائد والإنسان :برحيلك أبا ماهر اكتمل اللقاء الرباعي مجدداً : احمد اليماني، أنيس صايغ، رفعت النمر وشفيق الحوت… بل بهذا الرحيل تعود إلى رفاقك الدائمين الحكيم جورج حبش والدكتور وديع حداد والمبدع غسان كنفاني، الذين اشتقت اليهم.. كما اشتاقوا إليك كثيراً ومعهم كل شهداء فلسطين وفي مقدمهم شقيقك محمد وقد كان من أوائل الشهداء في الثورة الفلسطينية المعاصرة.


الشعبية وأحزاب وفصائل فلسطينية ولبنانية تنعى اليماني تبدلت الدنيا وما بدّل تبديلاً … واستمرت فلسطين وجهته

اليماني في الصف الأول في الجامعة العربية وإلى يمينه الشهيد أبو علي مصطفى والقادة أبو عمار

اليماني في الصف الأول في الجامعة العربية وإلى يمينه الشهيد أبو علي مصطفى والقادة أبو عمار وأبو جهاد وأبو أياد وأبو العباس وأبو الوليد خلال مهرجان انطلاقة فتح مطلع عام 1982.

إضاءة شعلة الثورة وبدا أبو ماهر وأبو عمار وأبو جهاد وانعام رعد وعبد الرحيم أحمد

إضاءة شعلة الثورة وبدا أبو ماهر وأبو عمار وأبو جهاد وانعام رعد وعبد الرحيم أحمد

نعت اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والمكتب السياسي والأمين العام المناضل أحمد سعدات الرفيق المناضل والقائد الفلسطيني الكبير أحمد حسين اليماني أبا ماهر الذي أمضى ستة عقود متواصلة في الكفاح من أجل تحرير فلسطين والوحدة العربية. واضاف بيان الجبهة: فقدنا والثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بأسره والأمة العربية وأحرار العالم كله رجلاً مناضلاً فذاً وقائداً متواضعاً أفنى عمره حتى آخر لحظة من حياته في خدمة قضية شعبه وأمته العربية. لقد عرفت الجماهير الفلسطينية والمخيمات الفلسطينية في كل المواقع والأماكن الرفيق ابا ماهر مناضلاً صلباً وقائداً متواضعاً يعيش بكل جوارحه أحاسيس الناس ومشاكلها وهمومها وآلامها وآمالها في العودة والحرية والاستقلال والكرامة. وعرفت الجماهير العربية وقواها السياسية الرفيق أبا ماهر قائداً ومناضلاً وحدوياً آمن بالوحدة الوطنية الفلسطينية والوحدة العربية الشاملة طريقاً لتحرير كل ذرة من تراب فلسطين وتحقيق آمال وتطلعات الأمة العربية في التحرر والديموقراطية والاشتراكية والوحدة.

كما نعت منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة سابقاً، وأحد مؤسسيها. ونعاه تحالف القوى الفلسطينية في لبنان. ومما جاء في بيان التحالف: أمضى حياته صلبا من اجل فلسطين وقضايا الامة ولم يفرط ولم يتنازل عن أي حق من حقوق الشعب الفلسطيني.

كما ذكرت الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين ان اليماني كان من اوائل قادة اللاجئين في لبنان الذين اسسوا اللبنات الاولى للحركة الوطنية المعاصرة، ومن اوائل الذين ادركوا اهمية الدور الفلسطيني الخاص ممزوجاً ببعده الديموقراطي التحرري.

واشارت حركة الجهاد الاسلامي في نعيها إلى المسيرة الطويلة التي قضاها الراحل مناضلاً عنيداً في الدفاع عن فلسطين وحقوق شعبها. وبوفاته يفقد شعبنا الفلسطيني رمزاً نضالياً لطالما دافع عن فلسطين وحق شعبها في التحرير والعودة، وظلّ متمسّكاً بالثوابت الوطنية وبخيار المقاومة كطريق لتحرير فلسطين، كل فلسطين.

ونعى المنتدى القومي العربي احد أبرز مؤسسيه وعضو مجلس أمنائه المناضل الفلسطيني والعربي الكبير، مشيرا إلى ان اليماني كان احد مؤسسي حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى جانب القائد الكبير الدكتور جورج حبش، كما انتخب لسنوات عدة عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حيث بقي مدافعاً عن ميثاقها الوطني رافضاً كل أشكال المساومة والتسوية. كما شارك ابو ماهر اليماني في تأسيس المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي/الاسلامي واللقاء الثقافي الفلسطيني والعديد من الهيئات الفلسطينية والعربية.

كما اعتبر الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية الدكتور واصل ابو يوسف أن رحيل القائد ابي ماهر خسارة لشعبنا وحركته الوطنية ولعموم حركة التحرر العربية والعالمية، مؤكداً في الوقت نفسه أن الإرث الغني الذي تركه الشهيد القائد، وخاصة في انحيازه المطلق لمصالح شعبنا وفي الحرص على العمل الوحدوي، وتغليب التناقض مع الاحتلال على كل ما عداه من تناقضات وخلافات ثانوية، سيبقى نبراسا يرشد الأجيال تلو الأجيال من المناضلين نحو أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال.

وقال الحزب السوري القومي الاجتماعي في بيان، إنه برحيل اليماني تفقد فلسطين فارساً من فرسانها الذين صالوا وجالوا في ميادين ساحاتها، فهو أحد آخر الكبار، الذين لم يعرفوا في حياتهم النضالية، استراحة محارب، بل كان دائماً على خط النار، رجل بندقية، رجل مبادئ ومواقف، ورجل كلمة تميز بين الخطأ والصواب، كيف لا وهو المربّي الذي عرفته عن كثب مدارس المخيمات في عين الحلوة ونهر البارد والجليل وحطين وغيرها.

واضاف البيان: تبدلت الدنيا، لكن أبا ماهر اليماني ما بدّل تبديلاً، بل استمر سائراً… ووجهته دائماً صوب فلسطين، رافضاً سياسة الانحراف والاستسلام كما سمّاها في أكثر من مناسبة وموقف، متسلحاً بالإرادة والإيمان وبقوة الحق.

واكد رئيس بلدية صيدا السابق الدكتور عبد الرحمن البزري ان رحيل المناضل ابي ماهر اليماني خسارة كبيرة للعرب أجمعين ولكل الأحرار وللفلسطينيين خصوصاً في مرحلةٍ نحنُ أحوج فيها الى أمثاله، هو الذي أمضى حياته مناضلاً وعاملاً من أجل قضايا شعبه وتحرير أرضه واسترداد الحقوق، مشيرا الى ان الراحل الكبير ينتمي الى جيل من المناضلين الروّاد الذين وضعوا نصب أعينهم قضايا أمتهم، وكافحوا وجاهدوا من أجل كرامة الشعب الفلسطيني والأمة العربية .


أبــو ماهــر اليمانــي إلــى مثــواه الأخيــر هنــا ســينام طويــلاً.. بعيــداً عــن مهــده

أبــو ماهــر اليمانــي إلــى مثــواه الأخيــر

في قرية سحماتا الفلسطينية في آواخر عام 1946، كان فتى اسمه محمد خشّان يبحث، بين الجموع التي افترشت الأرض تستمع إلى الأخبار من مذياع القرية الوحيد في منزل المختار، عن شاب يدعى أحمد اليماني، الذي كان يشغل منصب سكرتير حزب العمّال الفلسطيني، قبل اغتيال رئيسه سامي طه في مطار بريطانيا.

لمّا رأى الفتى هيئة اليماني، أحسّ بأنه يشبه الصورة التي رسمها له في ذهنه: شاب طموح، ومتواضع. شاب في هيئة قائد. الصورة، كتبها الفتى، عندما شاخ، في مذكراته، مع بعض التفاصيل الوافرة عن القائد الأستاذ، الذي سيصبح من مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

يوم أمس، كان خشّان، الذي أضحى سبعينياً، يجتهد في تذكر بصمات اليماني، كأنه يقرأ من كتاب المذكرات وهو يشارك من باحة مسجد الإمام علي في الطريق الجديدة، في الوداع الأخير للرجل الكبير. هناك، شارك في الصلاة على جثمان اليماني قبل مرافقته ليوارى في الثرى في مدافن الشهداء بالقرب من مستديرة شاتيلا.

كان اليماني، كما يتذكر تلميذه، يدوّن الأخبار المستقاة من مذياع القرية على قصاصات من الورق، ويثبتها على جدران حوانيت القرية. كبر اليماني، وصار مديراً لثانوية مبرّة الملك سعود في مخيم برج البراجنة، بعد مروره في نفق نضالي ذاق فيه طعم الفقر والقهر، والسجن والتعذيب، والانتصار، كما الانكسار.

هذه ليست مدرسة، وإنما ثكنة عسكرية، قال أحمد الشقيري ضاحكاً عندما زار الثانوية في المخيم. كان اليماني، كما تقول ذاكرة تلميذه، يرى في الثانوية مدخلاً لتعليم أجيال تروم تحرير وطنها فلسطين، فكان يعلمهم من الكتاب، ويلقنهم نشيد القسم الذي كتبه، ويصطحبهم إلى مخيمات كشفية، يعلّمهم فيها أساليب القتال عبر العصي، ليقاتلوا العدوّ بما تيسّر.

من منزله المتواضع في الطريق الجديدة، رفع أصدقاء اليماني وأقرباؤه نعشه النائم في علم فلسطين، وحملوه إلى المسجد، في مسيرة متواضعة تشبه القائد المعلّم، كما يحلو لمحبيّه تسميته.

ينشد مروان زعطوط نشيد القسم، كأنه في حضرة المعلّم اليماني في مدرسة الأونروا في مخيم عين الحلوة، قبل عقود خلت: فلسطين لن ننساك.. ولن نرض وطناً سواك.. نعاهد الله والتاريخ أن نستعيدك.. عاشت فلسطين.. وعشنا للعودة المنتظرة. يقول الستيني إن المعلّم كان يشترط على كل تلميذ أن يردّد القسم في كل صباح، وإلا منع من التعلّم.

تلامذة الأستاذ يصلّون على جثمانه في المسجد. حبّات مطر خفيفة تهطل على رؤوس أحباء مؤسس الفرع العسكري في حركة القوميين العرب، تمتزج مع حبّات الأرزّ ما إن يخرج النعش، متوجهاً، بين الحشود التي توافدت من مخيمات الجنوب وبيروت والشمال، إلى مثواه، بالقرب من أمين الحسيني وغسان كنفاني وشفيق الحوت وغيرهم.

تتوزع على الرصيف المحاذي لمدخل المسجد أكاليل ورد، أرسلتها منظمات وجمعيات وأحزاب فلسطينية وغير فلسطينية، مذيلة باسم الجهة المرسلة. بين الأكاليل، ثمة أكليل موقّع باسم مؤسسة بيت أطفال الصمود، تجاورها عبارة نقيّ أنت، في حياتك وذكراك. عبارة طفولية إلى طفل كبير، داهمه الموت في أرض غير تلك التي اشتهى أن يحيا ويموت فوقها: سحماتا – فلسطين.

يقول محمد قدّورة، ابن مخيم الرشيدية الذي تربطه أواصر القربى باليماني، إن أبا ماهر تابع شؤون المؤسسة التي أسسها كنفاني، وأطلق عليها اسم المؤسس. ويوضح الرجل أن أبا ماهر، الذي ترك عائلته منذ الصبا ملتحقاً بالثورة في فلسطين، كان يؤنس برؤية الأطفال، كأنه يرى قادة تحرير الأرض التي تمنى العودة إليها.. فعاد اليها نائماً.

تتسارع وتيرة هطول المطر على رؤوس المشيعين، الذين مشوا خلف نعش أستاذهم المناضل كما يقولون، تتقدمهم أعلام فلسطين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ويرتفع صوت مارسيل خليفة من السيارة التي تقدمت الموكب، مردداً بالأحمر كفنّاه.. بالأبيض كفنّاه.

أبو عرب رجل خمسيني، مشهور بمشاركاته الدائمة في المسيرات المتضامنة مع القضية الفلسطينية. كما أنه مشهور بخطاباته العفوية، التي يتوجه بها إلى المارة. بالأمس، كان أبو عرب غاضباً وحزيناً في آن، يصرخ في وجوه الجميع: ثمة اثنان وعشرون ملكاً ورئيساً عربياً.. مقابل رئيس إسرائيلي واحد. الملوك والرؤساء باعوا فلسطين.

يرمق الرجل صورة اليماني، ويعيد تكرار عبارته، بغضب أقوى تهتز معه الكوفية التي تلف عنقه. يصرخ، قبل وصول الجثمان إلى مثواه، قائلاً: رمز فلسطين الأخير رحل. حامل القضية على كتفيه رحل بهدوء. اليماني مات على أرض غير فلسطينية. اليماني رحل وتركنا بين ملوك لا يعرفون اسم عاصمة فلسطين.


بدأوا مناضلين وانتهوا فاسدين .. أما هو فبقي كما نشأ

يودعنه بالدموع

لا أعتقد أن أحداً يستحق لقب مناضل أو يجسد صفة مناضل أكثر من أحمد اليماني ـ أبو ماهر. وهو الرجل الذي استمر حاملاً راية فلسطين أكثر من ستين عاماً ولم يتعب أو يستسلم. سجن عشرات المرات ولعله دون مبالغة أحد أكثر من دخل السجون من العرب في محاولة لإيقاف مسيرته النضالية ومعاقبته عليها، ولعل تلاميذه في مدارس المقاصد في الخمسينيات أكثر من يشهد على ذلك. لكنه بقي رافعاً راية فلسطين، حتى الرمق الأخير من حياته.

شارك في تأسيس حركة القوميين العرب ثم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لكنه بقي طوال حياته وسنوات نضاله الطويلة فوق الحزبيات الضيقة والعصبيات الفئوية، محطّ احترام وتقدير جميع الفلسطينيين، وكل من عرفه من العرب.

هو ضمير فلسطين النقي الصادق، الذي بقي بعيداً عن مغريات السلطة والمال التي غرق فيها كثيرون ممن بدأوا مناضلين وانتهوا فاسدين. أما هو فبقي طوال حياته كما نشأ مناضلاً فقيراً صادقاً، مكانه خنادق الثوار، ومخيمات اللاجئين، ومعتقلات الأخوة كما معتقلات الأعداء. تحمل بصبر ومعاناة غياب رفاقه الأوائل من جورج حبش ووديع حداد وغسان كنفاني، لكنه شعر بالوحدة بعد غياب رفاق السنوات الأخيرة، شفيق الحوت ورفعت النمر وأنيس صايغ. انضم إليهم ليحمل معهم راية فلسطين والعروبة ولينشدوا معاً نشيد العودة.

مشاركون في التشييع : شارك في تشييع اليماني كل من: نائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني تيسير قبعة ممثلا الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته محمود عباس، والوزير السابق عبد الرحيم مراد، والنائب علاء ترو على رأس وفد من الحزب التقدمي الاشتراكي، والنائب وليد سكرية، والنائب السابق زاهر الخطيب، والرئيس السابق لبلدية صيدا عبد الرحمن البزري، ومنسق عام الحملة الأهلية معن بشور، وممثل حزب الله حسن حدرج، وأمين سر حــركة فتــح في لبنان فتحي أبو العردات، وممثل الجبهــة الشعبية في لبنان مــروان عبــد العــال، وعضو المكتب السياسي لـالجــبهة الديموقراطية علي فيصل، وممثل حركة حماس في لبنان علي بركة، وممثل حركة الجهاد الإسلامي في لبنان أبو عماد الرفاعي، ورئيس المجلس الإسلامي الفلسطيني في الشتات الشيخ محمد نمر زغموت، وإمام مسجد القدس الشيخ ماهر حمود، والأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي محسن إبراهيم، ومسؤول التنظيم الشعبي الناصــري أســامه سعد، ولفيف من الأهل والأصــدقاء وممــثلون عن منظمات إنسانية وحقوقــية، وحشد كبير من المحبين


معــــزّون

معــــزّون

نعت قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وفصائل المقاومة واللجان الشعبية الفلسطينية في منطقة الشمال، أمس، أبو ماهر اليماني، معلنةً عن تقبل التعازي اليوم وغداً من الثالثة عصراً حتى السادسة مساء، في قاعة نادي القدس في مخيم البداوي.

وتوجه أمين سرّ منطقة الشمال في حركة فتح أبو جهاد فياض، باسم القيادة، بأحرّ التعازي إلى قيادة الجبهة في لبنان وأسرة الراحل ومحبيه، معتبراً فقدان القائد الوطني خسارة كبيرة للقضية الفلسطينية.

ونعى رئيس التنظيم الشعبي الناصري الدكتور أسامة سعد القائد المناضل أبو ماهر اليماني الذي أفنى حياته في خدمة القضية الفلسطينية، وسائر القضايا العربية، كما وقف إلى جانب الكفاح الوطني في لبنان.

وزارت النائبة بهية الحريري، أمس، سفارة فلسطين في لبنان، معزية باليماني، ودونت كلمة رثاء للراحل في سجل المعزين، معتبرة اليماني شهيداً من شهداء فلسطين ولبنان، آمن بالعروبة والقضية الفلسطينية، ورحيله خسارة وطنية وقومية.

واعتبر عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسين الموسوي أنّ اليمانيّ كان مناضلاً عنيداً في الحقّ، وفي الدّفاع عن فلسطين الأبيّة وحقوق أهلها الشّرفاء.


ابو ماهر اليماني … شيخ الثورة المستمرة

ابو ماهر اليماني ... شيخ الثورة المستمرة

نضال حمد -22-09-2004-اوسلو

“لو كنت فنانا تشكيليا وأردت أن أرسم صورة تجسّد فلسطين حتى يومنا هذا لما وجدت خيراً من اليماني ليجسد الصورة الممزوجة بالألم والمعاناة والنضال…” شفيق الحوت ..

هذا الرجل النحيف، قصير القامة ، مرفوع الهامة ، الشامخ كجبل الشيخ يعلو رأسه الشعر الأبيض، انه شيخ الثوار ن الذي تنقل بين مدراس المخيمات و معاقل المقاومة… وهو عميد الرافضين للانحراف عن المسار ، رجل المبادئ والمواقف والإصرار، أول من قال لا للمنحرفين! ولا اليماني التي قالها مبكراً نزلت قوية ومدوية على مسامع الجميع .. لأنها تعني لا لسياسة الانحراف والاستسلام .. هكذا سماها في كثير من المواقف والمناسبات… رجل الكلمة التي تميز بين الصواب والخطأ ، بين الصحيح والغلط، بين المقاومة والمساومة، إنسان هادئ، عاشق يتأمل الوطن فيجده وشما على زند فدائي في مخيم البداوي أو نهر البارد…

يتطلع اليماني نحو السماء بعين مفتوحة على الوطن والانتماء ، فيرى الشمس بلون شعر بنات فلسطينيات مذهبات كأنهن خريف الثورة واللهب. يتطلع اليماني الماهر على البحر فيجده مسراه نحو عكا وحيفا ويافا وغزة.. لم ولا يركب سوى سفن الثورة المبحرة الى فلسطين، لأنه عن اتجاه الوطن لا يميل.. سلاحه الايمان بشعبه وقوة الحق والإرادة التي تكسر الجبروت مهما كان قويا..

ابو ماهر اليماني هذا الرجل الثمانيني، الختيار الكبير والجليل، مربي الصغار الذين أصبحوا كبارا، فمنهم من استشهد ومنهم من ينتظر.. مدرس الفنان ناجي العلي والشهيد علي ايوب وكواكب وقوافل أخرى من الشهداء والأحياء من أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان، من أكبرهم عين الحلوة حيث مدارس الفالوجة وحطين وقبية للأولاد الى مدارس مخيمات الجليل والبداوي ونهر البارد شرق وشمالي لبنان.

هذا الرمز الذي أبى ان يسير مع المسيرة كيفما اتفق، يوم تناقضت رؤيته للمسيرة مع رؤية رفاق الدرب تركهم وجلس في البيت بين أبناء أسرته ومع جيرانه وأهله في مخيم برج البراجنة.. معلنا من هناك موقفاً أخلاقياً عظيماً لا يقبل التشكيك. إذ كانت تربيته سليمة وظلت معافية ولم ترض ان تصبح عديمة او سقيمة، لذا أعلن رفضه للألاعيب الثورية المغلوطة ،وللسياسة المتنفذة ،المدمرة والممقوتة .. قال ان هؤلاء الذين تخلوا عن التراب الفلسطيني كاملا لا بد منهزمون .. ثم جاءت اتفاقيات اوسلو وما تلاها من إلغاء للميثاق الوطني الفلسطيني لتؤكد صحة توقعاته ، ولتبرهن أن تلك الخطوة كانت البداية لشطب حق العودة.

ترك اليماني مقعده في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بعدما عرف أنها لجنة تنفيسية، وترك المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لأنه اختلف معه على الأولويات والتحالفات والرؤية للوضع الداخلي الفلسطيني. لقد كان خياره صحيحا لأن تجربة ما بعد حصار بيروت كشفت سقم وعقم القيادة الفلسطينية المتنفذة ، وعمق الهوة بينها وبين شعارات المنظمة وبرامجها وميثاقها الوطني القومي. كانوا يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون. وفي نهاية المطاف اوصلوا القضية الفلسطينية الى ما هي عليه الآن. أسسوا للاستسلام وللفساد وللانهزام ولشراء الذمم واستعباد العباد.

لا بد لمذكرات اليماني التي صدرت يوم أمس في بيروت بخمسة أجزاء بعنوان “مع الأيام” أن تكون إضافة غنية للتاريخ الفلسطيني وللمكتبة الفلسطينية ، التي ستمتلك إضافة مميزة للذاكرة ، غنية بتجربة محارب جليل.. ولا بد ان تجربة اليماني ستكون من أفضل وأغنى التجارب الفلسطينية،فمكانة الرجل وتجربته الواسعة في العمل السياسي الفلسطيني تؤهل مذكراته لاحتلال موقعا مميزا في عالم المذكرات العربية عامة والفلسطينية خاصة. ولا بد ان شيخ الثورة المستمرة قد تحدث في مذكراته عن رفاق المسيرة وعن النكبة والنكسة والمخيمات والشتات وبدايات العمل الوطني والقومي والفدائي وتجربة لبنان المثيرة والخلافات والصراعات والصرّعات داخل “م ت ف” والفصائل الفلسطينية العديدة.

لقد أحسن أصدقاء اليماني فعلا حين أقاموا يوم أمس حفلاً تكريمياً لهذا الرجل الموقف، وذلك بمناسبة صدور مذكراته… كانت الكلمات خير معبر عن مكانة أبي ماهر اليماني في الوجدان الفلسطيني و الحالة العربية… فقد قالوا عنه :

د. أنيس صايغ : للمرة الأولى منذ 12 عاما لا يكون أبو ماهر جالسا على يميني او يساري، مؤامرة جميلة ان يكون مع أصحاب الدولة (مع الرئيسين د. سليم الحص ورشيد الصلح، الوزير بشارة مرهج وعبد الرحيم مراد، النائب محمد قباني)… خفنا ان يعتذر (عن حفل التكريم)، وفي النهاية قلبه طيّب عتب علينا وغضب، لكننا كسبناه معنا.

أما صالح شبل فقد عاد بالذاكرة لبدايات اللجوء والتشرد يوم كان اليماني مديرا لمدرسة ابتدائية في مخيم عين الحلوة “الواعي لأهمية إبقاء الذاكرة الفلسطينية حية وحاضرة في أذهان الطلاب… تغير الكثيرون مع الزمن وأبو ماهر ما زال شديد الايمان بالقضية، واعياً للمصاعب، عاملاً دون كلل رغم ظروفه الصحية الصعبة”.

رفعت صدقي النمر : ” جئنا نصيده فصادنا … فيه القيم الأخلاقية والوطنية والقومية، السمعة الطيبة والروح الدمثة، الوفاء والصدق والإخلاص والبساطة والتواضع”.

أما الشيخ الآخر شفيق الحوت فقد قال عن رفيق الدرب كلاما لا يقوله سوى إنسان شاعر مخلص للأصدقاء ” لو كنت فنانا تشكيليا وأردت ان أرسم صورة تجسّد فلسطين حتى يومنا هذا لما وجدت خيراً من اليماني ليجسد الصورة الممزوجة بالألم والمعاناة والنضال… أبو ماهر تميز عن غيره بثباته على الهدف وبصدقه وما زال وسيبقى من المناضلين والمطالبين بتحرير كامل التراب الفلسطيني.

د. صلاح الدباغ قال أن أبا ماهر اليماني قدوة ومثال في عمله وحياته الشخصية ، فهو قد جمع بين الصلابة والجدية والبساطة المتناهية … أبو ماهر ينتمي للجيل الذي عاصر نكبة فلسطين والذي تحمّل آلاماً نفدت طاقة التحمل، فتركت في هذا الجيل جراحا لا تندمل، كما تركت كدمات لم يستطع الزمان أن يمحوها..

في يوم ميلادك يا شيخ الثورة المستمرة وهو يوم موت الفرد نوبل مؤسس جائزة نوبل للسلام، لو كان هناك في فلسطين او بلاد العرب ما هو شبيه بجائزة نوبل للسلام لكنت أنت أول من يستحقها

مقالات ذات صلة