المقالات

حزب الله يبذل جهوداً جبارة للحفاظ على علاقته بحماس

لم يعد خافياً أن “حزب الله”، ومنذ اندلاع الاحداث في الساحة السورية، وتفاعلها لتصل الى هذا المستوى من الصراع المدمر والدامي، اضطر الى ان يبذل جهوداً “جبارة” للمحافظة على علاقته التاريخية والاستراتيجية مع حليفته حركة “حماس”.

ولقد كان واضحاً أن الجهد الأكبر في هذا الاطار إنصب من جانب قيادة الحزب على قاعدته العريضة للحؤول دون اهتزاز قناعته بجدوى ديمومة العلاقة مع التنظيم الفلسطيني الاسلامي الأبرز، خصوصاً ان هذا التنظيم اختار عن وعي “الانحياز” ضد النظام السوري في خضم المواجهة الحاصلة في هذا البلد أكثر من 21 شهراً، ومن ثم بدأت تتواتر معلومات الى هذه القاعدة مفادها أن الإنحياز الذي بدأ سياسياً محافظاً على قدر من الحيادية تحول انخراطاً في لعبة مواجهة النظام السوري بأشكال متعددة وفي محطات هي في نظر هذه القاعدة مفتعلة، ولا تتناسب اطلاقاً مع موقف الحياد الذي رفعت لواءه الحركة لحظة اشتعال الحريق في سوريا، وبالتالي ما هي الا تعبير عن رغبتها في مغادرة محور الممانعة والمقاومة الذي نمت وتربت في حضنه طوال اعوام ووجدت عنده الحماية، واستطراداً اعلان الانتساب العاجل الى محور تعتقد الحركة انه في طريق الصعود بعد ما سمي “الربيع العربي”.

وثمة عامل اضافي مغرٍ للحركة، هو ان الصاعدين الى واجهة السلطة حديثاً، خصوصاً في مصر وتونس وليبيا، هم من الطينة العقيدية نفسها لـ”حماس” ومن الرحم نفسه وهو الرحم “الإخواني”. ولقد تجسدت عملية قطع “حماس” علاقتها بمحورها التاريخي السابق، وانتقالها الى المحور الآخر، من خلال انتقال رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل من دمشق الى الدوحة.

وليس جديداً أن مستقبل العلاقة بين “حزب الله” و”حماس” واستطراداً تنظيم “الإخوان المسلمين” في ضوء الصعود “الإخواني” واندلاع المواجهة بينهم وبين النظام في سوريا، وتداعيات ذلك كله، خضع لنقاش معمق داخل دوائر القرار والتخطيط في “حزب الله” لاسيما مع تزايد وتيرة عدم الرضا في قواعد الحزب وجمهوره عن اداء الحركة اثر النظر اليها وكأنها تبدل الولاءات وتضرب اليد التي امتدت لدعمها طويلاً وتحملت في سبيل ذلك الدعم الكثير وهو بالنسبة الى هذا الجمهور جحود ونكران جميل أعاد الى الاذهان التجارب المرة الطويلة للفلسطينيين مع كل الدول التي استضافتهم بدءاً من الاردن مروراً بلبنان فالكويت والعراق وأخيراً سوريا، وكلها تجارب نضحت بالمرارة وانتهت بشكل سلبي على القضية الفلسطينية وعلى العمل الوطني الفلسطيني.

وكانت خلاصة هذا النقاش الذي استغرق وقتاً ليس بالقصير، فضلاً عن اجتماعات ولقاءات ممتدة في الزمان والمكان المعادلة الآتية: الحفاظ على استمرار العلاقة مع حركة “حماس” والحيلولة دون صرم حبلها بأي ثمن، وتحت أية اعتبارات. وعليه قرر الحزب الخطوات العملية الآتية:

– منع أي خطاب انتقادي للحركة وادائها وسلوكها، من أي منبر اعلامي تابع للحزب أو محسوب عليه.

– احياء اطر التعاون والتنسيق المختلفة بين الحزب والحركة على كل المستويات.

– تجاوز الانتقادات التي قد تأتي من جانب “حماس” حيال اداء الحزب نفسه وحيال علاقته الدائمة بالنظام في سوريا.

– التوجه الى قواعد الحزب والى جمهوره العريض بغية تبديد اجواء الاستياء والمرارة التي بدأت تتراكم في داخلها حيال حركة “حماس” ومسلكيتها في سوريا وفي قطاع غزة، حتى لجهة مواقفها الملتبسة أحياناً من ايران.

– مبررات الحزب لسلوك “حماس” سواء في سوريا أو تجاه ايران خصوصاً بعد الحرب الاخيرة على غزة موجودة، فالحركة معذورة الى حد ما كونها تعيش حال مخاض وتخبط في الرؤى والتوجهات الحاضرة والمستقبلية بفعل التحولات الدراماتيكية في العالم العربي لا سيما في مصر.

– الى ذلك فإن الحزب لم يكتم ان ثمة قيادات معتبرة داخل الحركة ما برحت على ولائها لخط الممانعة والمقاومة وهي حافظت على علاقتها بالحزب وبطهران، حتى انها لم تقطع مع بعض مؤسسات النظام في سوريا، وبالتالي يتعين مساعدة هذا الجناح لكي يقوى ويأخذ لاحقاً زمام المبادرة والقيادة خصوصاً اذا ما حسم التجاذب الدائر داخل الحركة حيال: هل هي خط مقاومة أم ان عليها ان تتحول سلطة وتقارب الامور من هذا المنطلق على وجه التحديد؟

– اذاً كان ثمة رهان ضمني لدى قيادة الحزب على ان الأمور ليست بالضرورة سائرة لمصلحة المحور الذي اغواه الصعود السريع لـ”الاخوان” الى رأس هرم السلطة في اكبر دولة عربية، وبالتالي دفعه الى اعادة النظر في مواقفه وحساباته بعدما اغرته لعبة التماهي مع هذا المستجد. وعليه لا بد ان تعود الامور والرهانات الى حجمها الطبيعي الواقعي وخصوصاً ان الحزب بقي حتى في أسوأ الاوقات مرتاحاً الى صمود النظام في سوريا والى ان مرحلة الخوف من سقوط هذا النظام وتداعيه قد ثبت بطلانها بفعل مرور الوقت.

وعليه فالرهان ليس فقط على قدرة النظام السوري على تجاوز الأزمة، بل على ان قيمة ما يرفعه الحزب من شعارات ومنظومة افكار وقيم تتصل بالصراع العربي – الاسرائيلي، لا يكتمل نصابها الا بعلاقة مع الجانب الفلسطيني المقاوم، والا بعلاقة متجذرة مع دمشق، ودون هذين الأمرين يصير الحديث عن محور ممانعة ومقاومة امراً هيولياً، بلا معالم ومظاهر على الارض.

وثمة تجربة سابقة للحزب في هذا المضمار، فهو اصر على الا يقطع علاقته بحركة “فتح” اساس العمل الفدائي الفلسطيني وصاحبة الريادة في اطلاق الرصاصة الفلسطينية الاولى.، رغم كل اطوار التحول التي عاشتها هذه الحركة منذ اتفاق اوسلو عام 1992 وحتى اليوم، وما تخلله من نبذ معلن لاسلوب الكفاح المسلح، ومد قنوات التنسيق مع الكيان الصهيوني. ففي اعماق قيادة الحزب يعتمل رأي فحواه ان القضية الفلسطينية ستبقى محافظة على القها وان وهنت العزائم من جانب الفصائل الفلسطينية نفسها، وستظل هذه القضية فارضة نفسها حتى وان قررت قيادات فلسطينية التحلل من كثير مما كانت تعتبره ثوابت ومسلّمات في ميدان الصراع مع اسرائيل، لأن ثمة عائقين امام امكان “التطبيع” بين الفلسطينيين واسرائيل، هما الكيان الصهيوني نفسه الذي لا قدرة له على تحمل سلام حقيقي ودائم مع الجانب الفلسطيني، والشعب الفلسطيني نفسه الذي لم يبلغ مرحلة التسليم بواقع الحال ورمي مفاتيح المنازل العتيقة التي يصر على الاحتفاظ بها منذ نكبته في عام 1948. وتقر دوائر القرار لدى الحزب بأن الاحداث المتسارعة في مخيم اليرموك بالقرب من دمشق وما يرافقها من التباس وغموض وكلام النظام في سوريا قد اثقلت الى حد ما ميزان العلاقة بين الحزب وجمهوره من جهة وحركة “حماس” من جهة اخرى، الا ان الثقة لم تغادر الحزب للحظة بأنه والحركة نفسها يحتاجان الى استمرار العلاقات بينهما. لكن الواضح ان “حزب الله” هو الأكثر حرصاً على استمرارها والمكلف ضمناً بذل جهود أكبر لعدم التفريط بها.

إبراهيم بيرم

النهار، بيروت، 22/12/2012

مقالات ذات صلة