المقالات

دحلان ليس قضية شعب..

دحلان ليس قضية شعب..

اسم الكاتب : صلاح محمد *

تاريخ إدراج المقال : 2014-03-24

: لقد تفاجئت قطاعات اجتماعية واسعة من أبناء شعبنا،بذلك الطور الجديد من السجال الحّاد بين الرئيس ابو مازن،ومحمد دحلان عضو المجلس التشريعي، وهو منحى يصعب تبريره،أو قبول أسبابه، لأن هذا الأمر بنتائجه يتجاوز حدود الأفراد،ومواقع المسؤولية،ليطال جانب من القضية الوطنية ،ويساهم بإحباط معنويات شعبها ،وقبل هذه وتلك يسيء إلى رئيس دولة فلسطين،وصولاً إلى هيبة الشرعية الوطنية ،ومن جانب آخر يترك المجال لطرح العديد من الأسئلة حول طبيعة التركيبة الداخلية لحزب السلطة،وعلاقاته وكيفية صدور القرار من قبل الهيئات القيادية، هل القرار للهيئة أم لمسؤولها، ومن يخضع لمن .

لقد أعادت قناة فلسطين الفضائية الرسمية عدة مرات خطاب الرئيس أبو مازن أمام المجلس الثوري لحركة فتح في دورته الملتئمة في رام الله يوم 10/3/2014 ،حيث تناول في الجزء الرئيسي من الخطاب: التجاوزات المتعددة الأمنية ،المالية،السياسية لمحمد دحلان المسؤول السابق لجهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة ،ومن ثم إتهامه الواضح باغتيال عدد من كوادر حركة فتح قبيل دخول السلطة إلى غزة وبعدها،إضافة إلى تحميله مسؤولية اغتيال صلاح شحادة القيادي في حركة حماس بالقطاع من قبل الإسرائيليين …إلخ.ثم ظهور محمد دحلان على الفضائية المصرية دريم 2 في حصة الساعة العاشرة مساء التي يديرها الإعلامي المصري المشهور:وائل الأبراشي،ليلة 17/3/2014،حيث تناول على مدار سهرة مفتوحة الرد على ما ورد في خطاب الرئيس ،وحقيقة لم تكن أجوبته من باب التوضيح أو الرد فقط،بل كانت حصة من أجل نشر كل ما لديه من ملفات ورسائل صغيرة أو كبيرة وفقاً لحديثه،وكما يبدو إعتبرها فرصة ذهبية من اجل التشهير أو الانتقام من خصمه ،حول هذه الواقعة المؤسفة ، وقبل أن نسجل بعض الملاحظات، نودّ الإشارة الى بأنّ الكتابة في حقل هذه المشكلة ،يجب أن لا تقرأ من زاوية أنت مع فلان أو ضدّه، بل من زاوية التأشير نحو المواقف التي نعتقد أنها صحيحة أو انها خاطئة بشكل واضح،بما يهدف إلى تعزيز شيئ من المصلحة الوطنية،وإن أمكن استخلاص بعض الدروس المفيدة.

أولاً:إن أبو مازن هو رئيس الشعب الفلسطيني،ونحن هنا لسنا بصدد المحاججة القانونية ، بالتالي فإن تقييم وضعه يتم وفقاً لذلك ، أي لا نحاكمه من منطلق كونه رئيس لحركة فتح، لأن شعبنا ينظر له كرئيس له، وكذلك الحال بالنسبة للوضعين العربي والدولي ب أنه رئيس دولة فلسطين،ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا،وهذا لا يعني التقليل من شأن حركة فتح ومعادلة وجودها في المؤسسة الفلسطينية،بل محاولة لوضع الامور في نصابها،كان يفترض الإبقاء على خطاب الرئيس داخل أبواب المجلس الثوري لحركة فتح وعدم توجيهه لشعب فلسطين ، لأنه والحالة هذه قد أصبح شخص محمد دحلان وكأنه قضية معني بها الكل الفلسطيني، صحيح أن النقاط المطروحة على دحلان والتي تناولها الرئيس متعلقة بأمور فلسطينية،كالمال العام،والقتل، والعلاقة مع الإسرائيليين..إلخ، الا ان الصحيح أيضا ان هذا الخطاب وما تبعه قد خدم المعني بالأمر أكثر مما أذاه، بطبيعة الحال هناك شرعية فلسطينية واحدة هي منظمة التحرير الفلسطينية،وما ينبثق عنها أو يتبع لها ،ويفترض أن السلطة الفلسطينية ضمن ذلك ،لكن الوقائع العملية عكس هذا القانون،إضافة الى المحاولات المستمرة للثنائي البغيض الامريكي والإسرائيلي لإنهاء منظمة التحرير أو تفريغها من مضمونها الوطني ووظيفتها الكفاحية .إن المحافظة على هيبة الشرعية الفلسطينية بكل أجزائها،هو أولا: بالمحافظة عليها وعلى موقعها القيادي لشعبها…ثانياً:التمسك بحقوقه وثوابته الوطنية،وعدم الولوج في مساجلات أو تحويل مشاكل حزب السلطة الى مشاكل الشعب الفلسطيني،وبالمناسبة لماذا لم يحال محمد دحلان إلى القضاء حتى تأخذ العدالة مجراها سيما وأن هناك اتهام بقضايا قتل والمشاركة مع الإسرائيليين في قتل بعض المناضلين تبعا لما ورد في خطاب الرئيس أبو مازن،والقضية هنا برمتها برسم المجلس الثوري لحركة فتح،لأن غالبية أعضاءه كانوا في مواقع المسؤولية في السلطة وفي حركة فتح في قطاع غزة بفترة الأحداث المشار لها،فلماذا لم يسعوا إلى إحالة تلك الأمور إلى القضاء الفلسطيني،حتى لا يجد المواطن الفلسطيني نفسه أمام تلك القضايا التي تعود الى ما قبل عشرين سنة أو عشر سنوات….إلخ،بدلا من نقل تلك الاحداث على لسان فلان إلى فلان ثم فلان ينفي ما ورد على لسانه،فالقانون يحاسب أيضا من “يخفي” مشاكل من هذا النوع لأنه يتستر عليها، وبالرغم من مرور فترات زمنية متفاوتة عليها أوالتهم التي ذكرت في الخطاب إضافة الى ما تناوله دحلان،يكون من الضروري تسليم ملفاتها للعدالة ،للتدقيق والتحقيق مع كل المعنيين وفي مقدمتهم أولئك أعضاء المجلس الثوري لحركة فتح الذين ارتضوا لأنفسهم القيام بدور الراوي والناقل،وليس الدور الوطني الذي يتصدى وفقا للقانون لتلك المشاكل،دون ذلك يعتبروا مشاركين سواء كانت تلك الاحداث صحيحة أم لا.

ثانياً:لقد اختار دحلان توقيتاً مدروسا وهادفاً،بحيث يمكن القول إنه لم يكن رداً بل محاولة للطعن في كل ما يتصل بالرئاسة الفلسطينية، ثم اختار قناة فضائية مصرية لها شهرة، ومع منشط له حضور إعلامي كبير، ووقت شبه مفتوح،والأهم من كل ذلك هو تزامن هذه الحصة مع يوم لقاء الرئيس الأمريكي بالرئيس الفلسطيني،وضمن رسائل تلك المقابلة رسالة للإدارة الأمريكية مما يساهم في إضعاف أطروحات أبو مازن، أما الإسرائيليين فهم غير محتاجين لتلك الرسائل،لأنهم واضعين أبو مازن ضمن مربع ضغوطاتهم المتعددة بهدف فرض تنازلات جديدة.

ثالثاً:لقد وقع أعضاء المجلس الثوري لحركة فتح في أكثر من مطب،كان بالإمكان القفز عنه،في مقدمة ذلك:فتح معركة مع القناة المصرية،ومع الإعلامي وائل الأبراشي،عدا عن هذا الخطأ،فإنهم من حيث لا يدرون ساهموا في تقديم مساعده إعلامية لدحلان،وغير بعيد عن هذا النسق كان اللجوء لمطالبة الجهات الرسمية المصرية من أجل منع تلك الحصة،وهو ما أشار له منشط الحصة …

وصولاً إلى سفر الناطق الإعلامي لحركة فتح للقاهرة،ومن ثم عقد مؤتمر صحفي الذي حضره عدد محدود جداً من اصل ألاف الإعلاميين الذين تعج بهم القاهرة ،إن أساليب الرد على الرد،والتوضيح للشيء الواضح أصلا،يذكرنا بألاساليب القديمة التي يفترض تجاوزها من قبل بعض الإعلاميين الفلسطينيين وملخصها:محاولة إشعار الإعلاميين العرب، بأن الجانب الفلسطيني(المعني بالأمر)هو دوماً من يملك الحقيقة في كل شيئ على صلة بالقضية الوطنية،وهو من يملك المعلومة أيضا، دون إدراك بأن الكثير من الإعلاميين العرب في أقطارهم المختلفة،هم أقوى،وأكثر وعياً في الدفاع عن القضية الفلسطينية وثوابتها من العديد من أصحاب القضية من إعلاميين وغيرهم.

رابعاً:لا يجب وضع الشرعية الفلسطينية في كفّة،ودحلان أو أي فرد آخر في كفّة أخرى،أو أن يتم إنتاج معادلة،تكون فيها المؤسسة طرف مقابل شخص آخر،فالشرعية هي أم لجميع ناسها،وحاضنة للجميع،وأكبر من الأفراد مهما علا شأنهم أو وضعهم،إنها الأساس،لكن يفترض عليها قبل أفرادها أن تكون بقراراتها وخطواتها نموذجاً يقتدى به في العلاقات الديمقراطية الداخلية والخارجية وبالتالي ترعرع أفرادها على هذا المناخ،وفي سياق متصل يتحكم بتصرفاتها مع الجميع مقياس ومعيار محدد،دون تمييز على أساس الانتماء السياسي أو التنظيمي أو الجغرافي..إلخ،وإذا لم تكن كذلك لا بد من إعادة بناءها على تلك الأسس،حتى تقوم بدورها الوطني،نحن في الساحة الوطنية باحتياج شديد لتطوير البناء أو اعادة هيكلة ديمقراطية للمؤسسات الفلسطينية بالداخل والخارج،حتى تصبح المصلحة الوطنية العليا فوق الجميع وغاية الجميع بدلاً عن المصلحة الشخصية الطاغية في إطارها ،إنه معطى ليس معزول عن مجمل الواقع الفلسطيني،حيث أضحى المسؤول هو المؤسسة،والمؤسسة هي المسؤول ،والسفير هو السفارة،والسفارة هي السفير،وهذا لا يعني نفي أو إضعاف دور المسؤول،لكن حتى لا تصل الأمور إلى تحويل السفارة كمثال وكأنها ملكية فردية لهذا السفير أو ذلك،والحديث قياس.

خامساً:هناك أحاديث كثيرة يجري تداولها بين الفترة والأخرى وسط الكوادر الفلسطينية،حول محمد دحلان عضو المجلس التشريعي،سواء في فترة صعود نجمه وسط مؤسسة السلطة وحركة فتح أو بعد قرار فصله من لجنتها المركزية،ومنها:إن بعض أطراف معادلة الصراع تراهن عليه كبديل للرئيس الفلسطيني ،وانتقل هذا الكلام من مرحلة الراحل أبو عمار الى مرحلة أبو مازن ،ثم أحاديث أخرى :عن علاقاته مع الإسرائيليين، وعن مصدر ثروته….إلخ.

وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة هذا المتداول،وخلفية الفئات التي تتقاذفه، إلا أن دحلان كانت له علاقات وثيقة مع الإسرائيليين ومع الأمريكان،هل استمرت بعد ذلك وسياقها لا ندري، لكن من المؤكد:أن دحلان قد تم انتخابه عضوا في اللجنة المركزية لحركة فتح في مؤتمرها العام السادس،وهو في ذروة علاقاته مع الإسرائيليين،أي أنه كان يمثل قيادة السلطة في هذه العلاقة وينفذ خطوط عملها،وعن ذلك نقول:إنّ العلاقة مع دولة الاحتلال بكل مستوياتها وأنواعها وفي مقدمتها العلاقة الأمنية المستمرة، لن تكون في صالح النضال التحرري الوطني الفلسطيني،بل تلحق الأذى به، لكن المؤسف أن الممنوع فلسطينياً وعربياً قد تحوّل إلى مرغوب ومسموح به وبالذات في مرحلة اتفاقية أوسلو وما تبعها،والآن على سبيل المثال فإن غالبية القوى الفلسطينية تطالب برفض وإيقاف التنسيق الأمني مع الإسرائيليين،ووقف ملاحقة رجال المقاومة لكن دون جدوى.

اختصاراً نؤكد على :إنّ الدفاع عن دحلان في تشريحه للرئيس الفلسطيني والإساءة له موقف مرفوض.وفي نفس الوقت نؤشر اتجاه وجود الكثير ممن يتطابق ويتشابه مع دحلان في مؤسسة السلطة الوطنية الفلسطينية وفي مؤسسة الرئاسة.وكرأي في هذا المضمار لا بد من قوله:يفترض أن يبتعد الرئيس الفلسطيني أو أن ينأى بنفسه عن مثل هذه القضايا من الصراعات والاختلافات الداخلية وإذا كان لا بد منها فلتترك للطواقم المحيطة،أو التي أصبحت متخصصة في التراشق الداخلي بأكثر من اتجاه، بل يمكن القول إن الابتعاد عن المشاغلة الداخلية هو الطريق الأفضل لمعالجتها،إن القضية الوطنية التحررية بتطوراتها اليومية الجارية والتصدي لها هو الأساس وبالذات في مثل الظروف التي نعيشها.

* ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في جمهورية الجزائر

مقالات ذات صلة