بانوراما برلين

الاسير السابق حمزة يونس في حلقة جديدة في برنامج بانوراما برلين 2023

برنامج بانوراما برلين – تقديم باسلة الصبيحي ولبيب خطار – اشراف عبد خطار
كلمة البرنامج …. مهندس المعتقل لم يجرؤ المستحيل على أن يقف بوجهه
بل هو من ناده من خلف قضبان السجان
هو من تحدى ظله ومضى المرة الاولى والثانية والثالثة
لم يحاور قاضيه ولم ينصت للصحفيين كان يقول لن أبقى أكثر من عامين متحدي كل هؤلاء أبناء الصهيونية
لم يجرؤ الأمل أن يغلق بابه بوجهه بل كان يقول له اتبعني فأنا أنحني بكل قواي أمام حضرة إرادتك
لن أهزمك مادمت تصارع جلادك وترفض أن تكون الضحية بل سأكون معك لأعلنك علم يرفرف على رأس القضية
مابعد الشهيد سوى الأسير الشهيد الحي
قالوا عنه بانه مهندس الهروب واسميناه نحن مهندس الانتصارات مهندس الإيمان والقوة والإرادة التي تجعلنا أكثر ثباتا في كل مكان وزمان
التاريخ لا يملك باب هو البحر والصحراء هو أنت الذي تخط اسمك لتكسر شوكة الأعداء
نرحب بالبطل الحر الأسير السابق حمزة يونس
من المهجر والشتات والبلاد

 


كتب : جمان أبو عرفة
11/9/2021

القدس المحتلة- “لا أنكر أنني خفت وتوترت في البداية، لكنني أقسمت بالله أمام زميلي عام 1964 أنني لن أنام تلك الليلة في السجن، فإما أن أنام في غزة أو المستشفى أو أموت”. بهذه الكلمات عبّر حمزة إبراهيم يونس (79 عاما) من قرية عارة في فلسطين 48 عن عزمه الذي مكّنه من تجاوز جدار أمنع السجون 3 مرات.

وأعادت حادثة هرب 6 أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع الإسرائيلي إلى ذهن يونس شريط ذكريات لم يبرح مخيلته أصلا، وعلّق عليها قائلا “ليس بعد بطولتهم شيء، ذكروني بنفسي، لكنني فرحت لحريتهم أكثر من فرحتي بحريتي”.

تحدث يونس للجزيرة نت -على الهاتف من مكان إقامته في السويد- بصوت أنهكه المرض، لكن بعقل واعٍ وذاكرة تحفظ التفاصيل جيدا، وروى قصة هروبه بحماس وفخر، كأنه يرويها للمرة الأولى؛ فهو بطل في الملاكمة، وسبّاح ماهر، خطط ونفذ كأنه يكتب سيناريو فيلم يحبس الأنفاس.
الهروب الأول.. من الباب مباشرة

المكان: سجن عسقلان (جنوب غربي فلسطين)
الزمان: الأول من أبريل/نيسان 1964

كان حمزة يونس حينها شابا أتمّ 22 عاما، واعتقل مع ابن عمه مكرم يونس والشاب حافظ مصالحة من قرية دبورية، ووجهت إليهم 7 تهم؛ أبرزها التعاون مع المخابرات المصرية. ويقول يونس “كنا في أبريل/نيسان، وقال لي القاضي مستهزئا “سأرى كم نيسان سيمر عليك داخل السجن”، فأجبته “إن شاء الله ولا نيسان”، وفعلا هربت بعد 17 يوما فقط من اعتقالي.

توقع يونس أن يُسجن 15 عاما، فدخل السجن وهو يغني “يومين والثالث على فراق الحبايب”، وقال لمن حوله أنه سيخرج قريبا؛ إذ خطط وزملاؤه لمباغتة السجانين قبيل الساعة 8 مساء، التي يجري بعدها تبديل الورديات، وما إن أطلت الوردية المكونة من 3 سجانين نحو باب غرفة السجن حتى دفع يونس الباب بقوة وخرج راكضا، بعد أن تعارك مع السجانين المسلحين وجرح 6 منهم.

“كان عنصر المفاجأة الأهم في هذه الخطة، لم يتخيلوا أن أحدا سيهرب، حتى أنني أثناء هربي صرخت على أحد السجانين، وركضت نحوه ففر هاربا مني”. يقول يونس ذلك مفتخرا، ويضيف أنه نجح برفقة مكرم وحافظ في الركض خارج أسوار السجن، وسط إطلاق نيران مكثف، ومشوا في العتمة نحو قطاع غزة حتى وصلوا في الساعة 12 منتصف الليل.

ويتابع “لجأنا إلى طريق غير معبدة بين البحر والشاطئ الرئيسي حتى نسبح في البحر في حال أدركونا على اليابسة، وكانت غزة آنذاك تحت الإدارة المصرية، ولم يصدقوا أن 3 أسرى عُزّل استطاعوا الهروب من أكثر السجون تحصينا”.


حمزة يونس خلال إحدى المظاهرات (الجزيرة)
الهروب الثاني.. نجح رغم تعطّل قدميه

المكان: المستشفى الإنجليزي (غزة)
التاريخ: يونيو/حزيران 1967

هذه المرة كانت أغرب، فبعد 3 سنوات من الهروب الأول، أصيب يونس في رجليه خلال مقاومته احتلال غزة، وقُبض عليه أثناء تداويه في المستشفى، وكان يرقد في غرفة تحوي 30 مريضا من دون أسرّة، ولا يستطيع المشي أو قضاء الحاجة، فخففت الحراسة حوله، واستغل ذلك ليهرب.

تردد لزيارته أصدقاؤه الرياضيون صالح وكايد الغول وشكري الخالدي وزياد الشوبكي، وخططوا لاحقا لإخراج يونس من المستشفى، وكان لهم ذلك، حيث تلقفوه من نافذة غرفته في الطابق الثاني، وأخرجوه من باب خلفي، بعد أن تدبروا أمر الحارس العربي، ثم توجهوا بيونس نحو مخيم الشاطئ، ومنه إلى بيّارات قرب جباليا، وهناك اختبأ وتدرب على المشي شهرا كاملا. بعدها حصل على بطاقة هوية مزيفة باسم عارف سالم من طولكرم، واستطاع الخروج إلى الأردن، التي أكمل علاجه فيها، ومنها إلى مصر حيث عمل في الإذاعة، واستقر في النهاية بلبنان.
الهروب الثالث.. رهان الحذاء

المكان: سجن الرملة (شمال غربي القدس)
الزمان: أواخر 1971

نعم، لقد هرب مرة ثالثة، وكتب بعدها بطولته في رواية أسماها “الهروب من سجن الرملة”. هذه المرة انضم إلى مجموعات الفدائيين الفلسطينيين في لبنان، واعتقله الاحتلال الإسرائيلي مع 4 من زملائه من زورق في عرض البحر، ونقلوه إلى سجن الرملة، وحكم بالسجن 7 مؤبدات (المؤبد 99 عاما)، “قالوا لي ستموت ولن ترى الشمس، تشاجرت حينها مع مدير السجن في قاعة الطعام أمام الأسرى، وقال لي بالحرف “الله لن يخرجك من السجن إلا بموافقتي”، فصرخت فيه متحديا “سأخرج خلال عامين رغما عنك”، قال لي متهكما “أنت مجنون”.

لم يكن مجنونا، واستطاع التحرر بعد عامين فعلا، بمساعدة أصدقائه في السجن الذين كانت تربطهم علاقة جيدة مع بعض السجانين. ووفق خطة مدروسة تراهن يونس وسجّان جشع على أمر مقابل حذاء، وكسب الأخير الرهان، فأهداه يونس حذاء مقاس 44، وأرسله إلى بيته بمساعدة من خارج السجن، لكنه لم يكن حذاء عاديا، فعندما ارتداه السجان وأقبل على غرفة يونس وأصدقائه، سكب أحدهم (عمر السيلاوي) القهوة عليه متعمدا، وعرض أن يغسل الحذاء متأسفا نادما، وأثناء عملية الغسل استخرج مناشير فولاذية وُضعت فيه عن قصد.

هذه المناشير استخدمها يونس ومن معه في قص قضبان النافذة الحديدية، ومن ثم الهرب عبرها، وما تبع ذلك من لحظات مصيرية وارتفاع في الأدرينالين، بعد تفعيل جهاز الإنذار وإطلاق النار، لكنهم نجحوا في تسلق الجدار الذي كانت تشغله سقالات صيانة، وركضوا تحت المطر وعلى الطين، وخبأهم الضباب الذي أحاط بهم عن أعين جنود الاحتلال وكلابه.


صورة حديثة لحمزة يونس في السويد بعد أن ألمّ به المرض (الجزيرة)
متى الهروب الرابع؟

“خططنا أن نهرب باتجاه لا يتوقعه الاحتلال، فالاتجاه المتوقع كان نحو الأردن شرقا، لكننا صعدنا شمالا نحو لبنان، ويختم يونس نجاح التحرر الثالث، متسائلا: “متى الهروب الرابع”؟

فهمنا سؤاله هذا بعد أن روى قصة شتاته، وبدل أن يُستقبل في الدول العربية استقبال الأبطال، خافوا منه وحُرم من الإقامة، حتى أنه سُجن إبان حرب الخليج في السعودية 3 سنوات، من دون أن يعرف تهمته.

بعد هروبه الثالث انخرط في العمل الفدائي بلبنان، وتزوج من مريم فخر الدين -فلسطينية سورية من مدينة صفد- وعاشا مع أبنائهما الستة بين لبنان وسوريا، ثم تشتتا بين الأردن وتونس والجزائر ومصر، ويستقران اليوم في السويد، بعد هجرة عبر البحر رأوا فيها الموت.

نجح حمزة يونس في كل مرة، لأنه عند لحظة الأسر كان يفكر في الحرية، متيقنا من هشاشة خصمه، طاردا صور الانهزام النمطية، مؤمنا بأن باب السجن لا يغلق على أحد، وإنما يُفتح عنوة عبر نفق في الأرض أو سلم إلى السماء.
المصدر : الجزيرة

 

مقالات ذات صلة