شؤون فلسطينية

“قانون سحب الجنسية” إرهاب “إسرائيلي” برعاية القانون

مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث

أ. ساري سعد

باحث ومختص بالقانون الدستوري والنُظم السياسية

مقدمة

بالقراءة الثانية والثالثة أقرت الهيئة العامة بالكنسيت “الإسرائيلي” مشروع قانون سحب الجنسية أو الإقامة من الأسرى الفلسطينيين المقيمين في الداخل الفلسطيني المحتل، ومنفذي العمليات من الداخل، حيثُ صوت 94 عضو كنيست من أصل 120 لصالح إقرار القانون، وعارض القانون 9 أعضاء، وذلك في الجلسة المنعقدة يوم الأربعاء الموافق 15/2/2023.

وينص مشروع القانون على سحب الجنسية أو الإقامة من الأسرى الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني المحتل في حال ثبت تلقيهم تعويضات أو مساعدات من السلطة الفلسطينية بشكل مباشر أو غير مباشر، وعليه سيتم ترحيلهم إلى مناطق السلطة الفلسطينية (الضفة الغربية أو قطاع غزة)، أو نفيهم إلى الخارج.

وسبق ذلك إقرار المشروع بالقراءة الأولى في يناير 2023 بأغلبية من حضروا التصويت في الكنيست، حيثُ أيد المشروع حينها 89 عضواً فيما عارضه 8 أعضاء.

[1] سحب جنسية أم إسقاط وتجريد

هناك فرق في المصطلح ينبغي الانتباه له، فإن مصطلح “سحب الجنسية” غير دقيق لتوصيف هذا القانون وينبغي هنا توضيح بعض المصطلحات:

التجريد: هو نزع الجنسية عن الشخص جبراً، بمقتضى قرار من الدولة نتيجة سلوك أتاه أو فعل اقترفه نص عليه القانون ويكون بقرار محكمة [2] . والتجريد قد يحل بالمواطن بصفة أصلية فيطلق عليه “إسقاط الجنسية“، وقد ينزل بالمواطن المتجنس أو مكتسب الجنسية فيسمى “سحب الجنسية“.

وعليه فإن التوصيف الدقيق لهذا القانون هو التجريد من الجنسية حيثُ يصبح المواطن بدون جنسية أخرى، حيثُ قامت سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” بمنح الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين الجنسية “الإسرائيلية” بعد أن احتلت الأراضي الفلسطينية.

وتجدر الإشارة إلى أن “إسرائيل” لا تمتلك دستوراً، وقد سن الكنيست عدداً من القوانين الأساسية ولكنها لا تتمتع بقوة الدستور، حيثُ يعتبر نظام الحكم فيها نظام برلماني، ويتربع على رأس الهرم رئيس الدولة لكنه لا يملك صلاحيات، ووظيفته رمزية بروتوكولية، والحكومة هي السلطة التنفيذية، تمتد ولايتها 4 سنوات ويرأسها أحد أعضاء الكنيست بعد تزكيته من قبل أغلبية برلمانية وتكليفه من رئيس الدولة بتشكيل ائتلاف حكومي، وترتبط ولاية الحكومة بولاية الكنيست [3] .

آلية عمل وتطبيق هذا القانون:

ينص مشروع القانون على أنه يتعين على وزير الداخلية المصادقة على سحب المواطنة خلال 14 يوماً، وعلى وزير القضاء المصادقة على القرار في غضون 7 أيام، ويتوجب على المحكمة المصادقة على القرار خلال 30 يوماً ليصبح نافذاً.

مصير الفلسطيني بعد تجريده من الجنسية:

  1. في حال كان الشخص يحمل جنسية أخرى سيتم ترحيله إلى موطن الجنسية التي يحملها، وهذا ما حصل مع الحقوقي الفلسطيني “صلاح الحموري” والذي تم ترحيله إلى فرنسا كونه يحمل الجنسية الفرنسية.
  2. في حال لم يكن للشخص جنسية أخرى سيتم نفيه لأراضي الضفة الغربية أو قطاع غزة.

الأشخاص الذين يقع عليهم تبعات هذا القانون:

  1. الفلسطينيون في القدس.
  2. الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948.
  3. الأسرى الفلسطينيون في السجون “الإسرائيلية”.

نشأة وتاريخ تطور قانون سحب الجنسية “الإسرائيلي”:

  • قانون الجنسية (المواطنة) لسنة 1952 والذي تم إقراره من قبل الكنسيت بتاريخ 1 نيسان 1952، وأصبح نافذاً بتاريخ 14 أيلول 1953.
  • عام 2008 جرى تعديل على هذا القانون، ولحقه تعديل أخر عام 2011.
  • وتنص المادة (11) من قانون الجنسية لعام 1952 على إلغاء المواطنة “بسبب خيانة الأمانة، أو عدم الولاء للدولة”، وتشمل “خيانة الأمانة” كل من يحصل على الإقامة الدائمة في تسع دول عربية وإسلامية، إضافة إلى قطاع غزة، دون الحاجة لمسوغات جنائية أو تجريم جنائي.
  • يمنح هذا القانون الحق للمحاكم بإسقاط الجنسية “الإسرائيلية” عن المدانين بالتجسس والخيانة ومساعدة العدو في وقت الحرب وأعمال الإرهاب على النحو المحدد بقانون “حظر تمويل الإرهاب لعام 2005″، ويتيح القانون إلغاء الجنسية فقط كون من يحملها صاحب جنسية مزدوجة أو كان يسكن خارج “إسرائيل”.
  • وجاء قانون سحب الجنسية الجديد المقر بتاريخ 15/2/2023، بآلية غير قانونية وغير دستورية، حيثُ بدلاً من أن يكون سحب الجنسية بناءً على قرار قضائي بحت بناءً على مسوغات قانونية لسحب الجنسية، تم نقل صلاحية السحب لوزير الداخلية والقضاء وتصديق شكلي من قبل المحكمة في نهاية المطاف.

الأعراف والمواثيق الدولية:

يتناقض قانون سحب المواطنة، سواءً قانون 1952 القديم أو قانون سحب المواطنة الجديد المقر بتاريخ 14/2/2023، مع القانون الدولي وكل الأعراف الدولية التي تحظر سحب المواطنة وتحويل أي مواطن بالدولة إلى إنسان دون أي مكانة، وهذا ما نصت عليه الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان الصادرة عام 1948 في البند (1/15): “إن المواطنة هي حق لكل إنسان”، كما ينص البند (2/15): “سحب المواطنة لا يتم بأي شكل من الأشكال من خلال إجراءات تعسفية” [4].

كما بحثت الوثيقة الصادرة لعام 1954 في مكانة مسلوبي المواطنة والصعوبات التي تنتج عن فقدانها، وتحظر هذه الوثيقة سحب المواطنة، ونص الإعلان العالمي لحقوق الانسان على مبدأ عدم تجريد المواطن من جنسيته تعسفياً.

كما تنص الاتفاقيات الإقليمية كالميثاق العربي لحقوق الانسان الذي ينص في فقرته الأولى من المادة (29) منه على أن: “لكل شخص الحق في التمتع بجنسيته، ولا يجوز اسقاطها عن أي شخص بشكل تعسفي أو غير قانوني” [5].

وجاءت الاتفاقيات الأوروبية بشأن الجنسية للنص بشكل واضح وصريح بنص الفقرة الثالثة من المادة (4) على أنه: “ألا يحرم أحد من جنسيته تعسفياً”.

فيما نصت الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في فقرتها الثالثة من المادة (20) على أنه “لا يجوز أن يحرم أحد بصورة تعسفية من جنسيته أو من حقه في تغييرها” [6].

ضمانات دولية بعدم التجريد من الجنسية (المواطنة):

إن مبدأ عدم التعسّف الذي ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الإقليمية يقتضي بالضرورة عدة ضمانات أساسية لتجنب تجريد الشخص من جنسيته تعسفياً.

وتتمثل هذه الضمانات في وجود نظام تشريعي في منزلة لا تقل عن قانون يبين على وجه الدقة حالات التجريد من الجنسية، كما تتمثل هذه الضمانات في ألا يبنى الحرمان تشريعاً أو ممارسة على التمييز بين الأفراد لأسباب تتعلق بالجنس أو الدين أو العرق أو الطائفة أو اللون أو الرأي السياسي أو غيرها، وأن يكون قرار التجريد من الجنسية شخصياً لا يتعدى من صدر في حقه إلى غيره من أبنائه أو زوجته، وأن يكون القرار مكتوباً ومسبَّباً، وقابلاً للطعن فيه أمام جهة قضائية مستقلة ومحايدة( [7]).

ولا تقتصر الاتفاقيات الدولية بشأن الجنسية على هذه الضمانات سابقة الذكر فحسب، بل تشترط أيضاً: “ألا يترتب على تجريد المواطن من جنسيته بأن يصبح عديم الجنسية” [8].

وقد عرفت اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بالوضع القانوني لشخص عديم الجنسية لعام 1954، عديم الجنسية بأنه ذلك “الشخص الذي لا يعتبر مواطناً لأية دولة وفقاً لقانونها” [9].

ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين “تطبيق انتقائي”:

السياسات “الإسرائيلية” التعسفية بحق أصحاب الأرض الفلسطينيين هي خرق صارخ للقانون الدولي، ويتبع الاحتلال سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير، حيثُ لا يتم تطبيق هذه السياسات على مواطني الدولة اليهود، وهذا تمييز عنصري على الخلفية القومية ويجعل السياسات والقوانين المقرة غير قانونية.

ولم يسبق أن صدر قرار بحق أي مواطن يهودي بسحب المواطنة منه، ومثال ذلك المستوطن “إيجال عامير” قاتل رئيس الوزراء “الإسرائيلي” إسحاق رابين عام 1995، فيما سحبت المواطنة من الناشط الحقوقي الفلسطيني صلاح الحموري وتم نفيه إلى فرنسا كونه يحمل جنسية فرنسية.

توصيات:

  • استخدام مصطلح “التجريد من الجنسية”، حيثُ إن مصطلح “سحب الجنسية” الذي يتداوله الاحتلال “الإسرائيلي” ينزل بالمواطن المتجنس أو مكتسب الجنسية، وهذا لا ينطبق على الفلسطيني صاحب الأرض الأصلية.
  • إن قانون سحب المواطنة هو عملية تهجير قسري جديدة وإرهاب منظم برعاية القانون، يُمارس من احتلال بحق أصحاب الأرض الأصليين، وينبغي تظهير ذلك في الخطاب الإعلامي.
  • ضرورة فضح الاحتلال لاستخدامه سياسية الكيل بمكيلين وازدواجية المعايير حيثُ يطبق هذ القانون فقط على الفلسطينيين فيما لا يطبقه على مواطنيه اليهود.
  • ضرورة قيام السلطة الفلسطينية باللجوء إلى المحاكم الدولية بشكل عاجل.
  • ضرورة تعزيز صمود الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ومدينة القدس المحتلة وضبط الخطاب الفلسطيني بما يعزز بقاءهم في مواجهة الاحتلال على أرضهم ومواجهة أي محاولات لإبعادهم عن أرضهم.
  • تنظيم حراك حقوقي دولي واللجوء لمنظمات حقوق الإنسان الدولية والعالمية لكشف الإرهاب القانوني لحكومة الاحتلال “الإسرائيلي”.
  • يتطلب هذا القانون خطوات ممكن أن يقوم بها فلسطينيو الخارج بتنظيم وقفات وحملات ضاغطة للفت انتباه الرأي العام العالمي، وتنظيم زيارات للأراضي الفلسطينية المحتلة والتضامن مع المهددين بالإبعاد لمن يحملون جنسيات أجنبية بجانب جنسياتهم الفلسطينية.
  • ضرورة توحد الكل الفلسطيني في وجه عاصفة القوانين حيثُ تطبيق هذا القانون دون ملاحقة سيفتح شهية الاحتلال على مزيد من القوانين العنصرية المشابهة.

الهوامش:

(1) مترادفات لمصطلح سحب الجنسية (إسقاط، نزع، تجريد، حرمان، انعدام الجنسية).

(2) عبد العال، عكاشة، الوسيط في أحكام الجنسية، بيروت 2002، ص729.

(3) الكنسيت: هو السلطة التشريعية للحكومة “الإسرائيلية” ويقوم بتمرير جميع القوانين، وهو برلمان بغرفة واحدة، يتكون من 120 مقعد، يقع في تلة الشيخ بدر بالقدس.

(4) الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بموجب قرار الجمعية العامة رقم 217 ألف/ د-3، المؤرخ في 10 ديسمبر 1948.

(5) قرار صادر عن مجلس الجامعة العربية في الدورة العادية (121)، في الاجتماع المنعقد على المستوى الوزاري رقم 6405، بتاريخ 4 مارس 2004.

(6) الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، سان خوسيه، 22/11/1969.

(7) انظر: Mirna Adjami & Julia Harrington, The Scope and Content of Article 15 of the Universal Declaration of Human Rights, 27 Refugee Surv. Q. 93, 100 (2012).

(8) تبنت هذه الضمانة اتفاقية الأمم المتحدة لتخفيض حالات الحرمان من الجنسية، إذ اشترطت عند تحديدها للحالات التي يمكن فيها أن يفقد أو يتم تجريد المواطن من جنسيته أنه: “لا يترتب على الفقدان أن يصبح هذا المواطن من عديمي الجنسية”، كما أكدت على هذه الضمانات أيضاً الاتفاقية الأوربية بشأن الجنسية التي قررت في المبادئ العامة الواردة في المادة (4) منها على أن: “حالات انعدام الجنسية يجب أن يتم تجنبها، وضمانة ألا يترتب على حرمان شخص من جنسيته انعدام جنسيته”.

(9) اتفاقية بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية، اعتمدت في 28 أيلول/ سبتمبر 1954 في مؤتمر المفوضين الذي دعا إلى عقده المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقراره 526 ألف (د/17)، المؤرخ في 26 نيسان/ أبريل 1954، تاريخ النفاذ: 6 حزيران 1960، وفقاً لأحكام المادة (39).

للحصول على الدراسة بصيغة PDF
.
.
رابط التحميل

PDF

مقالات ذات صلة