أرشيف المنتدى

وطنيَّاتْ…على شُرفةِ مَنفى!

والمذياعُ خارج دائرة الضوء دائماً.. صوتٌ ينقل ترددات النزف الذي يريدهُ المحتَلّْ.. وحريّةٌ موقوتة..وكذِبٌ محبوكْ!!

إن تركنا وسائل الإعلام ووثقنا بحوّاسنا حتى النهاية، هل ستُنقَلُ لنا الصورة الصحيحة لما يجري؟ والمشهد على شاشة تلفازٍ واضحٌ لا لبْس فيه؟!

لكنّ الأمَّةَ نائمة، والدماءُ تسيل، والنومُ سلطان!! حتى إن استيقظَتْ بعد الصحوِ ألا تحتاجُ إلى راحةٍ من عناءِ السرير..؟! وفنجانُ قهوةٍ أهديها إيّاه.. لكن أرجوكم لا تلبُّوا نداءها بملعقة سُكَّر؛ يكفي الأُمَّةَ حلاوة أن لا يزعجَ أحدٌ سُباتَها الممتعِ ونومها الأميريّْ!!!

تتقاطعُ على جسدي طرق المدينة.. وتتخشّبُ قدمايَ زحفاً لغايةٍ ابتذلتْ حريّتي وجعلتْ من صمتي سِلعةً تُزاودُ عليها إن أدركها الفقر!!..

فأتيهُ..والحزنُ متعبٌ فيّ..

والألمُ ( من احتلالٍ يمنعُ زحفي بمقاصلِ الهمجيّة ) يتدرَّنُ على جِلدي..

ويتقيَّحُ في نَفَسي!

عجْزٌ كحكَّةٍ في الظَّهْرِ لنقطةٍ لا تصلها اليدُ مهما حاولَتْ

ولسعةُ حنينٍ تقرصُ خَدَّ الأملِ لوطنٍ كان غاية

وكانت تلوحُ في البعيدْ

وبداياتٌ جمّةٌ أخطأها الحظُّ وهي توشكُ أن تكونَ ولادةً قادمة بصُراخٍ مُدوٍّ..

تلك هي حصيلةُ الانسانِ هناكْ

يُهرِّبُ بعض الفرحِ لينزوي بابتسامة!

وتكشِفُهُ لحُمقِهِ صَفّارةُ إنذارٍ

بتهمةِ سعادةٍ مُشرَّدةٍ خارجَ ملجأ!!

يقتنصُ بعض الوقتِ ليُذاكرَ ما بقيَ من وجوهٍ يعرفها

وتخونه الذاكرة..بآخرينَ ماتوا ولم يَحْفَلْ برحيلهم…

يستقطعُ بعض الصبرِ لجوعٍ كافر..

وتُغميهِ يقظةُ الموتِ على قنبلةٍ عابرة!

يخبِّئ الوطنَ في جيبهِ هويَّةً كي يعرفوهُ إن قضى

فيضيعُ الوطن ولا ينقضي…

يتكوّنُ الانسانُ هناكَ من نفْسٍ برِيّةٍ لا تُروَّضُ مُطلقاً

حريّةٌ رخوةٌ لا تُمسكُ من جهة..

حكايةٌ لا تنتهي..

الانسانُ هناكْ..

مهرِّبٌ لا يُتقنُ الكلام

طفلٌ لا يعرف النظام

وطنٌ لا يفهم الاستسلام

إنه مجموعةُ مُدُنٍ تتوحدُ في طريقٍ واحدٍ إلى مدينةٍ عظيمة..

لا نصِلُ إليها إلا بشِقِّ الأنْفُس.. وبذلِ الجسد

والروحُ بعدها ليست ذات قيمة!

أجلْ… وأنا أحتسي حِبْرَ القصيدِ أحيكُ بتفاصيلَ أقنى تعاريجَ الوقائع!!

هطلتُ غزيرةً في البدءِ من سماءٍ ما على أرضٍ ما..

أُحنِّكُ قلمي بما تركَ لي الوطنُ من عشقٍ واُمِيَّةٍ ورحيلْ

وأبدأ الكتابة كأنْ لم أكتبْ يوماً!!

في شارع المدينةِ الخافِتِ الكلامْ

والمصمَتِ الملامح..

لحنٌ جنائزِيْ

وأعلامٌ مختلفةٌ…كلُها سوداءْ!!

لكنّ المدينة _والظلامُ مقيم_ لم تبْدُ سوداءَ أبداً!

ثمّةَ نهارٌ يُشِعُّ من مكانٍ ما..

أنخرِطُ في ظِلِّي

بعيداً عن زحمة اللحنِ في أُذنَيْ

أُصادفُ الهزيمةَ وجهاً لوجه!!

تكُفُّ عنّي

أتبعُها.. فأكتظُّ بالآخرين!

والظِلالُ معَنا.. تمتلئ المدينةَ بالحشودِ

ويمينُ الأرضِ فارغ..!

أَفرُغُ منّي..عمّا قليلٍ

وأتَبخَّرْ

كأنهم لم يَفطنوا بعد أنّ الانسانَ ليس بآلة

ذاك المُسمّى القوميّ

الذي لا يُحدَّدُ بالربحِ أو الخسارة..

زهيدٌ زُهدَ الطينِ في كلّ أرضْ..

وفيرُ وَفْرةَ الهواءِ في غرفِ الإنعاشِ الخضراءْ

تبخّرتُ.. تكاثفتُ.. تصاعدتُ

حملتُ الملحَ معي..

حملتُ تاريخَ البلادْ

حملتُ العطشَ.. وأشياءَ قليلة!!

وعلى يمين الأرضِ كان المطرُ صاعقاً

لم تشهدِ السنواتُ نزوةً للسماء كهذه المرّة!

تَرَهَّلَ الغيمُ

فانسكبتُ حفنةً.. حفنة..

وكانت المدينةُ حينها في حِدادْ

_ لم يذكُرْ المؤرِّخُ أنّ الفرحَ فيها كان مقصوداً إلا نزوةً أو جنوناً مؤقّتا _

فاهتزّت المدينةُ طرباً..

ورَبَتْ على أرضها السعادةُ دهراً

ليس في الحلُمِ ككلِّ المدنْ

كانت هناكَ.. في عين الاحتلالِ مساحةٌ بيضاء بدأتْ تكبر..

يرعاها النهارْ

والوطنْ.. ما الوطنُ في ثاراتِ الصِّغار؟؟

دمعةُ أُمِّي؟

عروقٌ نافرةٌ في كفِّ جدِّي؟

أقدامٌ تخشَّبَتْ من التَّعبْ؟

ما الوطن..؟!

وبدأ الليلُ يحفرُ في رأسي أشكالاً للوطن..

ويستفزِزُ قريحةَ شاعرٍ نَبَشَ طويلاً في ترابهِ..

ثمّ مضى..

وبكى..

سنبكي الوطنَ مثله!..

ونجمعُ دموعنا في بئرِ التخاذلْ

ليعلمَ الجيلُ القادمُ أنّا فعلنا ما فعلنا!!

وبكينا!!..

لم نجلس للوعظِ…

لم نحمل بندقيّةً فينحني الكتفُ ثِقَلاً وشوقاً لموتٍ شريفْ

ولم نكتبْ تزويراً للحقائقْ

سنبكي الوطنَ شقاءً وغُربة!!..

ويَنفَذُ المخزونُ الاحتياطيُّ من الكلماتِ في جُعبتي..

وتبدأ جوْقةُ الأحزانِ بالعزفِ نشازاً لا ينتهي..

إلا على أنينِ حُريّة!

الطُرُقُ هناكَ وعِرة.. وهُنا أفضلُ مكانٍ نلحظُ به همومَ الحياة عندهم:

يموتونَ بسهولةٍ من طَلقةٍ واحدة

ونموتُ حزناً بجلطةٍ مفاجئة!

يكدحونَ عميقاً ليأكلوا..

ونتعبُ من تُخمةِ الغلاء!!

الطرُقُ حادَّة.. تتقاطعُ فوق المدينة!

والمدينةُ أنا.. وأنا المطر..

وهو راحلٌ حيث الشمسُ تُشرِقُ أكثر!!

عجزٌ وفراق..

وطنٌ وانهزام..

” تورَّعتُ في الصمتِ كقلوبهم “

حين قال:”رائعٌ هذا المطر !!”

فانتشرتُ في بيْني.. وهناكَ عند طرفِ النافذةِ

كان دخانٌ رقيق…

تكاثفتُ برشاقةٍ

وهطلتُ بغزارةٍ

كابتسامةٍ في صباحْ

سيسودُ المدينةَ حتماً..

ويكونُ احتلالاً (كانْ)

قبلَ قهوةٍ… وبعد دمعتيْن!!..