أرشيف المنتدى

غربة روح

آه يا بلدي ..

يا من حرقت القلب بجمرة من لهب, فلا هو مات ولا أنت كففت عنه العذاب ..

يا قطعة من القلب, بل يا كل القلب..

ترى أما زلت كما كنت الحبيبة الودود ؟..

أما زالت سماؤك صافية زرقاء ؟ وثلجك أبيض ناصعاً ؟ وأشجارك مزهوة خضراء ؟ وهواؤك عبيراً ساحراً يملأ الأعطاف ويرد الروح ؟؟

آه يا بلدي ..

كم حلمتُ بك لياليَّ, وتخيلتك ساعات نهاري, وعشت أيامي على أمل اللقاء..

سنوات وما زلت أنتظره ..سنوات شبَّ فيها ولدي الأكبر, وأضحى رجلاً يملأ القلب قبل العين, وما زالت ذكراك تعبق في مخيلته : أتذكرين يا أم..حينا وبيتنا ؟ بيت الجد ؟ وأولاد الخالة؟ وها هو ذا الصغير يخطو أولى خطواته في درب الشباب, وما زال يذكرك.. وإن كانت ملامحك قي غابت وراء ستار السنين, واختلط الحاضر لديه بالماضي, وضاع انتماؤه.. فما عاد يدري أيهما أقرب إلى قلبه.. بلده التي شهدت السنين الأولى من عمره ؟ أم بلده هذه التي تفتح وعيه عليها وبين أحضانها ؟

وأما صغيري الصغير الذي تركك طفلاً لا يدرك كنه حبك بعد .. فهو يصر على سماع قصصك وأخبار لياليك, وكأنها ألف ليلة وليلة ..

يتساءل ببراءة : ماما..صحيح أن بيتنا تحيطه أشجار الصنوبر والسرو ؟..

وكأني لا أصدق أن أُسأل حتى تتدافع الكلمات من قلبي – لا من شفتي – مخضبة بنزيف الشوق ..

بلدي صارت حكاية .. أسطورة.. شبيهة بتلك التي تحكيها العمة زليخة للأحبة هناك, وهم بعد صغار ..

وهو – صغيري- يلهث خلف كلماتي بآذان صاغية وعيون لامعة, وأحاسيس ترصد أدق التفاصيل ..حتى إذا انتهيتُ – وأنى لي ذلك – بقي ذاهلاً شارداً, يرسم آلاف الصور الملونة لبيتنا وحينا, للأهل والجيران .. هناك

آه يا بلدي ..

لكم أتوق أن أُدفن في ثراكِ ..

يخيل إلي أنه سيكون رحباً كالفضاء, دافئاً كذراعي أم تنتظر عودة وليدها ..فمتى .. أعود ؟

لقد طالت غربتي, وطال نزيف الشوق ..

فمتى يا رب .. يكون اللقاء ..