أرشيف المنتدى

يوسف الفلسطيني المعوّق.. يقود سيارته ويحلم بثلاث أمنيات

يوسف الفلسطيني المعوّق.. يقود سيارته ويحلم بثلاث أمنيات

1_1445547373.webp

يوسف السخنيتي في سيارته

في أحد أزقة مخيم برج البراجنة يسرع يوسف، المبتور الرجلين، وهو يقود كرسيه المتحرك ليفسح المجال لسيارة بيك آب بالمرور. يقف سائق السيارة فجأة ويرفض أن يمرّ قبل يوسف. أما الأخير فلا يريد إرباك السير، ويفضّل أن تمر السيارات قبله. فيحسم السائق الأمر مصرّا على أبو علي أن يأخذ راحته في المرور ونحنا منمشي وراك.

هذه هي الحالة مع الفلسطيني يوسف السخنيتي الذي بترت رجلاه قبل عقدين من الزمن، فأكمل حياته كأن شيئا لم يكن. نسأله عن عمره. يسكت لثوان ثم يضحك وهو يقول: أنا عمري كتير.. إي والله من زمان خلقان. يقترب يوسف من سيارة نوع كارافان. يفتح الباب بمفرده ومن دون طلب مساعدة من أحد. يقفز الى السيارة، يطوي كرسيه المتحرك ويضعه داخل السيارة، ثم يقفز مجددا الى المقعد الامامي ليتولى القيادة. بعد دخول السيارة، تتعرف بالعين المجردة على التقنيات التي ابتكرها التي لم تؤمنها سيارة خاصة، فحل مشكلته بنفسه. والسيارة التي اشتراها ليست فريدة من نوعها من حيث الشكل والنوع، بل مميزة بقيادتها. وبما أن يوسف يؤمن ان لكل شيء حلاّ، لم يفقد الأمل بقيادة سيارة مجدداً، فرفع دواستي المكابح والبنزين الى مستوى ركبتيه، من خلال مدّ وصلات تسمح له بتحريكها بيديه.

يستريح بعد إتمام المهمة أمام المقود، ومن هنا تبدأ حكاية ال22 عشرين سنة التي قضاها يوسف شخصا معوقاً.

خلال حرب المخيمات في العام 1987، خرج يوسف من منزله ليستريح تحت أشعة الشمس بانتظار موعد صلاة الجمعة. كان من المفترض أن تكون مغادرة المنزل حينها آمنة، بعد هدنة أعلنت في المخيم، وتزامنا مع زيارة وفد طبي إيراني للمخيم. دقائق ووقعت قذيفة بالقرب من يوسف وأصدقائه، فأوقعته مع أخيه ووالدهما ضحايا. فارق الوالد الحياة، بينما نجا كل من يوسف وأخيه من الموت ليعيشان طوال حياتهما معوّقين. كان حينها قد تزوج ورزق بمولودة تبلغ ثلاثة اشهر من العمر. لم تمنعه الحادثة من تأسيس العائلة التي يحلم بها، فأنجب المزيد من الاطفال حتى كوّن عائلة من أربعة أولاد.

السيارة التي يقودها يوسف هي باب رزقه حيث يقوم بتوصيل التلامذة الى المدارس. هي المهنة الوحيدة التي يستطيع مزاولتها اليوم بعد شعوره بالإرهاق. ويعود السبب في ذلك، إلى أن يوسف وبعدما فقد رجليه، أصبح أكثر قوة وايمانا. يقول إنه بعد الحادثة عمل لفترة عشر سنوات مستمرة من دون التوقف ليوم واحد. فتح في البداية محمصة، ثم محل سمانة فمطعما. لم تتكلل مشاريعه بالنجاح، نظرا لوضعية المخيم، كما يقول. كذلك أجرى يوسف 13 عملية، في الخارج ولم تنجح العملية الأخيرة بتركيب أطراف اصطناعية بديلة عن رجليه. تعيده الذكريات الى الوراء، فيروي كيف مرت عليه أيام صعبة، حين كان أولاده يذهبون الى مدرستهم من دون الحصول على مصروف يومي. يتوقف عن الحديث ليرفع يده اليسرى ليقول انها منظر فقط. فقد أدت القذيفة الى قطع الوتر الاساسي من يده التي لا يستطيع تحريكها بسهولة.

عمو وين إجريك

ويوسف اليوم هو صديق الأطفال الذين يملأ حضورهم الفان الذي يقوده يوميا. هم الاطفال الذين يلتقي بهم يوميا ليوصلهم الى مدرستهم، ولا ينزعج من ردة فعلهم حين يسألونه عمو وين اجريك. يؤكد يوسف انه يستمتع في الشرح لهم. يروي لهم ما أصابه، فيعتادون بعدها على الفكرة. حتى أن أسئلة الكبار لا تسبّب له إحراجا. يقول انه مؤمن بما أصابه، وطالما انه يمارس حياته الطبيعية فلا يواجه أي نوع من المشاكل.

الأسئلة التي تتناول إعاقته لا تهمه. أما همه الأول فيكمن في عدم تمتعه بحقوقه كمعوّق. فيسأل لماذا لم تمنحه الدولة اللبنانية حتى الساعة الإعفاء من دفع الضرائب وجمرك السيارة والميكانيك؟. يملك يوسف الجواب الذي لقّنته إياه الدوائر الرسمية في لبنان: لأنك فلسطيني. يؤكد أن جمعية المساعدات الشعبية النروجية هي الوحيدة التي تساعده على تأمين كرسي متحرك وعلاج فيزيائي. يتقبل الواقع ولا يستسلم امام القدر. هو يريد تأمين مستقبل لأولاده الأربعة. يمارس مهنة الحفر على الزجاج. الموهبة التي اكتسبها بالصدفة فاحترفها، ليجني منها بعض المال.

هناك أمنيات أخرى يحلم يوسف بان تتحقق يوما،

الاولى: العــودة الى فلسطين المحتلة.

الثانية: أن يعــيش بسلام ويتخلص من الشعور بالقلق على مستقبل أولاده

الثالثة: أن تعاملنا الدولة اللبنانية بكرامة وكفانا ذلاً.

نقلاً عن جريدة السفير اللبنانية