أرشيف المنتدى

العلمانية العربية في ظل الممكن !

العلمانية العربية في ظل الممكن

من منا لم يُصاحبه إرباك في تقييم أحداث ما يُسمّى بالربيع العربي ! من منا لم تتأرجح رؤيته لللأحداث من داعم ومؤيّد .. ثم ينقلب معارض ومقاوم له إلى حد وصف ما يحدث بالمؤامرة تحت غطاء الربيع العربي !

فمنذ أحداث تونس والرؤية الثقافية للشارع العربي منقسمة على نفسها ومستبدلة المواقع والرؤى فيما بينها ، بين مؤيد ومعارض ، ومع إطالة أمد هذه ألأحداث إزدادت الرؤية وضوحا والهوة أنقساما ً. إنها أحداث ٌ كعصاة موسى عندما شقّت البحر. إلا أن الشق هنا كان داخل الدول العربية ، فطال المثقفين العرب والطوائف العربية والديانات السماوية ! فالدولة العربية الواحدة ، بفضل الربيع العربي ، يمكن أن تصبح دولتان أو ثلاثة ،وذلك حسب الأقليات والطوائف داخلها وأعدادهم !. ولابد من ألأعترف بأنني عشت حالة التأرجح هذه .. ما بين مؤيد إلى متابع بقلق ومن ثمّ مُعارض لكل ما يتعلق بالربيع العربي ! وأعترف كذلك بأنني بلعت ( الطُعم ) طعم الجزيرة وآل حمد ومن وراءهم ،ولم أدرك مرارة هذا الطعم إلا في مراحله المتقدمة ! وأنه تم التلاعب فكريا ً وإعلاميا ً عن سابق إصرار وترصد من قبل الجزيرة القطرية ، فنجحت لفترة من الزمن في تمثيل دور ألأعلام الوطني النزيه على أكمل وجه ، إلى أن تسيّدت القلوب والعقول .

ونحمد ألله أن هذا التسيّد لم يدم طويلا ، فالدور الذي مارسته من خلال تأييدها ومباركتها ومشاركتها في تسليم ليبيا للمرتزقة وحلف الناتو ، وما تبعه من إنتقائية في نقل الخبر وتحالفاتها مع ألأعلام الغربي في ضرب الثورة البحرينية ،وطمس كثير من ألاحداث على الساحة العربية ، ثم عدائها المكشوف لسورية وتلفيق ألأحداث هناك من خلال المُخترع الأعلامي الجديد ( شاهد العيان ) ، قد فضح ألأمر وكشف ألأهداف المراد تحقيقها .

الخديعة التي مارستها الجزيرة ذهب ضحيتها الكثير من رجال سياسة وصحافة وأحزاب . لقد أحدثت إرباك في توحد الرؤية وفِهم ما يدور من أحداث نتيجة حركة التضليل التي مارستها ولا تزال!

العلمانيون العرب هم ضمن الهدف ألأعلامي القطري ،فبعد أن هللوا فرحاً بقدوم الربيع العربي ،عادوا ليستنفروا أقلامهم في مهاجمة لونه الديني ! هم كغيرهم أكلوا الطعم ! هم كغيرهم إستفاقوا بعد شهورعلى ربيع عربي لا يمت لهم بصلة ! ربيع بلونه الديني الغير مرغوب في ثقافتهم .. وقد يكون على ألأرجح الخصم الحقيقي لهم على مدى عقود من الزمن . لا زلت أذكر كيف بُحّت حناجرهم في تونس هتافاً لرحيل الرئيس التونسي بن علي ! وكيف إمتلأ بهم ميدان التحرير القاهري ليل نهار إصرارا ً على رحيل الرئيس المصري حسني مبارك ! لست شامتاً بهم أو مجتهدا ً لأظهارخطئ ما في قراءتهم ، فالعلمانية العربية ومنذ نشأتها تعاني من إنفصام الشخصية .. وهي كانت ولا تزال تخطئ في التعامل مع المنظور الثقافي للقضية العربية ! لقد تأرجحت في تعريف فلسفتها للشارع العربي ، بين الشيوعية ألأشتراكية وبين الرأسمالية الغربية ، فأضاعت قراءة متطلّبات الشارع العربي والتقرّب منه إلا من خلال أنفة ألأنا الطوباوية التي تعيشها ! وحتى عندما عملت على مغازلة القومية العربية غازلتها عبر تبنيها ألفكر الشيوعي المتحرر دينيا ً أو عبر إلتساقها بالرأسمالية العلمانية الغربية ! ولم تصنع من بيئتها العربية ما يستأنس له المجتمع الثقافي العربي ، لذلك فقدت أرضية الدعم المطلوب من قبل الشارع العربي الذي يحمل في طياته الكثير من الموروثات الثقافية الدينية المحافظة ! وبقيت العلمانية العربية في خانة الحركات العربية التي يُسمع صوتها عبر وسائل ألأعلام دون تأثير يُذكر على أرض الواقع .

أسوق حديثي هذا وأنا أراقب التناقض التي تعيشه العلمانية العربية في تحالفاتها على الساحة ألأنتخابية العربية ألآن ، فالوصول للسلطة أدخلها في تحالف مع الأخوان المسلمين ، رغم التناقض الفكري بينهما في إدارة الحياة المدنية والأجتماعية وحتى السياسية ! وما يجمعهما هو فقط الرغبة في تأكيد التجربة الديمقراطية التي أفرزتها أحداث الربيع العربي . وخصوصا أن الساحة السياسية العربية قد خلت بعد الربيع العربي من تسلط الحزب الحاكم أو الفئة الحاكمة . فالساحة السياسية مُشرّعة ألأبواب لمن يريد أن يغزل تحالفاته للوصول للسلطة .

إن تحالف العلمانيين العرب مع بعض التيارات ألأسلامية وإن وُصفت بالأعتدال كما حصل في إنتخابات تونس ، ما هو إلا رؤية تفضح مدى الضعف الشعبي الذي يعانون منه ! إن التحالفات مع ألأحزاب ألأسلامية منهج فلسفي خاطئ لمن يسعى لتحقيق المجتمع المدني ! ولست أرى على الساحة السياسة العربية ألآن أكثر وضوحا من التجربة السورية في الحكم من الزاوية الثقافية ألأحتماعية الدينية ، ( رغم بعض التحفظات من أن الأنظمة الفردية الشمولية غير مقبولة بتاتاً سواء كانت علمانية أم دينية.) . فالتجربة السورية مثالٌ مقبولٌ لاختلاط الدين بالدولة حيث هناك قانون أحوال شخصية للأديان المختلفة يحترم ممارساتها في الزواج والطلاق والميراث، وهناك قانون جنائي (وإن كان متقادماً ، يمكن إعادة صياغته وتجديده ) ولكنه بأغلبه لايستمد أحكامه من الدين الإسلامي أو غيره ولا يفرضها على الجميع ولا يقطع الرؤوس والأيدي ، ولا يحجر على المرأة ويمنعها من قيادة السيارة ! وهناك وزارة للأوقاف والدين يعلّم في المدارس، ولكن بالمقابل لا يتطلب أن يكون وزير معين من دين أو مذهب معينين كما الحال في لبنان مثلاً. أنا لا أدعي بأي حال من الأحوال أن سوريا بلد مثالي بهذا الخصوص. ولكنني أعتقد بأن سوريا نموذج عربي عقلاني يمكن البناء والتطوير عليه.

أن الفرصة سانحة ومواتية لتصحيح الخطأ الذي يختصر الرؤية بإما منهجنا الفكري الذي ييجب أن يسود أو لا أحد . سورية بنظامها الحالي هو البلد العربي القادر على أن يكون أرضية خصبة لنشوء نظام عربي ديمقراطي يحاكي أغلب الطموحات الثقافية .. دينية كانت أم علمانية ، فهو نظام مدني يحافظ على موروثه الديني بعيدا ً عن العمائم المُستأجرة والفتاوي المُفصلة واللحى المُستوردة . ولنا لقاء

أبورياض