أرشيف المنتدى

المصالحة الفلسطينية بين الرغبة والمستحيل !

المصالحة الفلسطينية بين الرغبة والمستحيل !

في بلادي هناك شجرة يُطلق عليها إسم ( شجرة الصفصاف المستحية ) . ولقد أطلق عليها هذا الأسم بسبب إنحناء أغصانها جميعا إلى أسفل بإتجاه ألأرض ،رغم أن لهذه الشجرة جذور ثابتة وأوراقها خضراء على مدار السنة ! ورغم ذلك تصّر على خجلها تماما كالمصالحة الفلسطينية الفلسطينية !

كل المؤشرات القادمة من الشارع الفلسطيني تدفع بقوة بإتجاه المصالحة ورغم ذلك لا نرى إلا خجلا ُ ومصالحة مستحية ! هل حقا يريدون المصالحة .. أم هي مجرد مناورات سياسية يقومون بها كي لا يُتّهم أحدهم بأنه لا يريد المصالحة ؟! أم أن المصالحة تعني بالمفهوم السلطوي لكل من حركة فتح وحماس ذوابان أحدهم وإندثاره لمصلحة ألآخر.. لذلك لا يتم السعي الجدّي لتحقيقها! أم هي التحالفات ألأقليمية التي دوّلت القضية الفلسطينية فلم يعد قرار المصالحة الفلسطينية قرارا ً فلسطينيا ً؟! . تساؤلات الشارع الفلسطيني بهذا الخصوص كثيرة ومُحقه ، فالهم الفلسطيني تعدّى في قلقه مسألة كونه لاجىء ! ليصل به القلق إلى مسألة وجود الوطن من عدمه !! لذلك نراه يضغط بإتجاه المصالحة القادرة على إبقاء حلم الوطن حيّا َ داخل العقول !

لكن هل حقا هناك خطوات ملموسة في الحراك السياسي الفلسطيني وحتى العربي تبشّر بقرب حصول المصالحة الفلسطينية الفلسطينية ؟

هناك عدة عوامل تدفع بقوة بإتجاه عدم إتمام المصالحة المرجوة ، رغم المهرجانات واللقاءات التي نشهدها بين الحين والآخر بين مسؤولي فتح وحماس وهذه العوامل تتخلص في الآتي :

عوامل منع التصالح على المستوى الفلسطيني :

— ترى حركة فتح نفسها الفصيل الفلسطيني ألأكبر وصاحبة الرصاصة الأولى للثورة الفلسطينية ،وبالتالي فهي الأحق في قيادتة النضال الفلسطيني عسكريا وسياسيا وتفاوضيا ً.

— ترى حماس أن فتح إنحرفت عن خطها النضالي ضد العدو ألأسرائيلي المتمثل في الكفاح المسلح ، وبالتالي فقدت وهجها الجماهيري الذي جعلها على مدى عقود من الزمن في موقع القيادة لمسيرة النضال الفلسطيني ، ولأن حماس تمسكت بنهج المقاومة ضد العدو ألأسرائيلي ،فهي الأجدر من وجهة نظرها في قيادة النضال الفلسطيني خاصة بعد أن أثبتت صناديق إنتخابات 2006 الفلسطينية أنها ألأكثر جماهيريا ً.

— بعد أن شكل فوز حماس صفعة لإسرائيل وأمريكا وصدمة لفتح والمجتمع الدولي. ( لم تشر التوقعات التي أجرتها مراكز البحوث قبيل الانتخابات إلى فوز حماس الكاسح ). بدأت ألأمور تأخذ منحى تصادمي بين فتح وحماس ، وقد تصاعدت أحداث اقتتال بين أنصار الحركتين بالرغم من توقيع 13 اتفاقية تهدئة بين الطرفين!! إلى أن إنفجر الموقف وأدى إلى ما أدى إليه من قتل الفلسطيني لأخيه الفلسطيني .. إلى أن سيطرت حماس على قطاع غزة .

— ألأختلاف الواضح في إسلوب المواجهة مع إسرائيل بشكل لا يسمح بإيجاد صيغة وسطية يمكن التوافق عليها في إدارة الصراع مع عدوتهم إسرائيل ! حيث في تخلي حركة فتح والسلطة الفلسطينية عن خطها التفاوضي ونبذ المقاومة المسلحة هو بمثابة إنتهاء العمل بإتفاقية أسلو وتوابعها وبالتالي إنتهاء ألأعتراف ألأسرائيلي والدولي بالسلطة الفلسطينية ، وما يترتب على ذلك من وقف الدعم المالي الذي سيؤدي إلى فرط عقد السلطة الفلسطينية . وهذا ما لا يمكن أن يُقدم عليه زعامات السلطة الفلسطيية .

بالمقابل إن تغيير حماس لنهجها العسكري والسياسي الرافض لللأعتراف بإسرائيل ، هو بمثابة إعلان لوفاتها جماهريا عبر صتاديق ألأنتخابات الفلسطينية ، وهذا ما لا يمكن أن تغامر به رغم بعض المؤشرات الأغرائية التي تظهر بين الحين والآخر .

هذا على المستوى الفلسطيني ، أما على المستوى العربي والدولي فتتمثل عوامل عدم المصالحة في الآتي :

— إرتباط كل من حماس وفتح ( السلطة الفلسطينية ) بتحالفات مصيرية لا يمكن الفكاك منها عسكريا وإقتصاديا وسياسيا ً ، وهذه التحالفات بُنيت على إستراتجية لا تسمح بوجود أحدهم إلا على حساب إلغاء ألآخر !!

— الأرض العربية وما تمتلكه من خيرات وثروات وما تمثله من مصالح للدول الكبرى ، أفرزت الصراعات الدولية في المنطقة العربية من أجل خلق شرق أوسط جديد . هذه الصراعات أحدثت تكتلات عربية متصارعة تقاسمت العداء المُستفحل فيما بينها ! ولقد وجدت كل من حركة فتح وحماس نفسيهما وقد تورطتتا في هذا الفرز من التحالفات ، فالصراعات الدولية أفرزت ضغوطات أكبر من أن يتحملها القرار الفلسطيني وأقوى من أن يعترضها الموقف الفلسطيني . وما كان يُسمح به بالنسبه للقرار الفلسطيني أمام هذه الضغوطات هو ليس في عدم التحالف .. ، بل في حرية إختيار الحليف ! وهنا كان الخطأ الفلسطيني في أنه إنقسم في تحالفاته عن سابق إصرار وترصد ..!! فحركة فتح تحالفت مع مصر والسعودية وألأردن ومن وراءهم إسرائيل والدول الغربية وأمريكا !! ولقد روجت عبر إعلامها بأن هذا التحالف سيؤدي حتما ً إلى قيام الدولة الفلسطينية. وحماس بدورها تحالفت مع سورية ولبنان ( حزب الله ) وإيران ومن وراءهم الصين وروسيا !! وكذلك روجت عبر إعلامها بأن تحالفها هو الذي سيؤدي إلى إنتزاع الحق الفلسطيني !! ولأن مشروع قيام الشرق ألأوسط الجديد مرهون بإنتصار أحدهم على ألآخر ، هذا يعنى فلسطينيا ، إمّا إنتصار فتح وما تمثله من تحالفات على حماس ،وإمّا إنتصار حماس وما تمثله من تحالفات على فتح !!

يتضح لنا من خلال ما تقدم ، أن المصالحة الفلسطينية الفلسطينية المدفوعة برغبة من قِبل الشارع الفلسطيني محكومة بعوامل الفشل مهما إجتهدت الحركتان في السعي لتحقيق ذلك .. ومهما أمطرتنا قياداتنا الفلسطينية بتصريحات يومية متفائلة ! أللهم إلا إذا قررت إحداهما إحداث إنقلاب سياسي على كل معتقداتها السياسية والنضالية وأقدمت على تغيير جذري في تحالفاتها وهو إفتراض من الصعب إذا لم نقل من المستحيل حدوته لعلاقته المباشرة بقناعة كل من الحركتين بأن حدوثه هو بمثابة إنتحار سياسي يتعدى الفرد ليصيب مسألة الوجود من عدمه .. !! فهل تُغلّب مصلحة الوطن في القرار الفلسطيني على مصلحة الحركة !!، كل المؤشرات تؤكد أن مصلحة الوطن هي الحلقة الأضعف ! وهو ما يدعونا للقول بأن سيناريوهات المصالحة التي تقام طقوسها على مسامع شعبنا الفلسطيني بين الحين وألآخر، هي بمثابة ذرّ الرماد في العيون ..! وألأيامُ كفيلة بكشف صِدّق القول من عدمه !!

ولنا لقاء .. أبورياض