المقالات

رسائل الدكتور شلَّح للسعودية والإمارات وتركيا ..

رسائل الدكتور شلَّح للسعودية والإمارات وتركيا ..

بقلم: عوض أبو دقة

كعادته في كل مرة يُطل فيها، كان الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور رمضان شلَّح، بارعًا في تشخيص المشهد الفلسطيني والإقليمي، وماهرًا في وصف العلاج اللازم للخروج من المعضلات والإشكاليات، التي وقعنا فيها بناءً على حساباتٍ خاطئة هنا أو هناك.

جاء خطاب الدكتور شلَّح فيما انتفاضة القدس تقترب من إكمال شهرها الثالث على التوالي، مقتنصًا الفرصة المناسبة للحديث، وهي ذكرى المولد النبوي الشريف – في المؤتمر الدعوي الذي نظمه ملتقى دعاة فلسطين، تحت عنوان :”انصر مسرى نبيك” ظهر الخميس 24/12، بقاعة رشاد الشوا في مدينة غزة -، ليطيّر رسائل بليغة وهامة في اتجاهاتٍ متعددة، منها ما أتى على ذكر أصحابها بوضوح، وأخرى اكتفى بالتلميح لهم.

ولعل في التلميح الذي قصده الدكتور شلَّح لبعض الأطراف دلالةً هامة قد تتعدى ما أراد إيصاله للجهات التي خاطبها بصورةٍ واضحةً كالسلطة الفلسطينية وحركة فتح، وهي طريقة بارعة لإسماع شيء أو إفهامه للجهة المقصودة دون مخاطبتها بصراحة، لاعتباراتٍ عدة.

وقبل الدخول في تفاصيل رسائل التلميح (البلاغة السياسية) التي قصدها الدكتور شلَّح، أشير إلى أن الرجل استهل حديثه مخاطبًا المحيط العربي بوضوح شديد، وبالذات للدول والحكومات التي تركض باتجاه “إسرائيل” لتحميها في ظل الوضع المضطرب أو الملتهب في المنطقة، حين قال: “إسرائيل” التي تظنون أنها يمكن أن تحمِيَكُم، لا تستطيع أن تحميَ نفسَها اليوم من سكينِ وأدواتِ المطبخِ التي يدافع بها شعب فلسطين عن نفسه بشبابه وشابّاته في انتفاضة القدس.

وحمل خطاب الدكتور شلَّح رسالةً لاذعةً لدولة الإمارات التي تناقلت وسائل الإعلام مؤخرًا، أنها وافقت على افتتاح مكتب تمثيلي لـ”إسرائيل” في أبو ظبي، جاء فيها: تستطيع “إسرائيل” أن توقِّع سلاماً مع الأنظمة والحكومات.. تستطيع أن تفتح سفارة أو قنصلية، أو أن ترفع علماً في هذه العاصمة أو تلك، لكنها لن تنال شرعيةَ ووضعيةَ الوجود الطبيعي في هذه المنطقة.

أما الرسالة المبطنة، التي كانت من نصيب السعودية، فحملت انتقادًا لتشكيلها ما يسمى بـ «تحالف مكافحة الإرهاب» الذي أعلن عنه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مؤخرًا، واعتبره الدكتور شلَّح أنه في يندرج سياق “لعبةِ الفوضى غَير الخَلاّقة في المنطقة”. وأعرب عن استغرابه واستهجانه لـ”قرار الزجِّ بفلسطينَ في هذا التحالف، وكأنّنا لسنا الضحّيةَ الأبرزَ لإرهابِ الدولةِ الصهيونيةِ المُنظَّم.. وكأنّ فلسطين تحرّرتْ، والقدس تطهّرتْ من دنسِ الاحتلال، وأصبح لدينا فائضُ قوّةٍ نصدِّرها في لعبةِ الفوضى غَير الخَلاّقة في المنطقة”.

وكانت الرسالة الموجهة لتركيا لا تقل قوةً عن سابقتيها، حين قال الدكتور شلَّح:” إنّ الانتفاضة لا تُراهن على من يَظنُّ أنَّ تحسينَ وضعِهِ أو تصحيح بعض أخطائه في إدارة النزاعات الإقليمية والدولية يتمُّ بإعادة ترميم عَلاقتِهِ بالكيانِ الصهيوني وتَحسينَها”.

وحمل الخطاب دعوةً للانفتاح في العلاقة مع مصر، ولعل المقصود بالدعوة هنا هي حركة حماس، التي تتولى زمام الأمور في قطاع غزة، حين قال: “علينا أن نعملَ معاً، وبغضِّ النظرِ عن التجاذُباتِ التي تُحيط بما يجري من جهدٍ في غزة الآن، على إيجاد نوعٍ من التوافق يؤدي إلى إنهاء الحصار عن قطاعِ غزةَ، وفتحِ المعابرِ بالتنسيقِ والتواصل والحوارِ مع الشقيقةِ مصر”.

ولم يُخفِ الدكتور شلَّح، استياءه لتدهور أوضاع الناس في قطاع غزة، معتبرًا أن ما يجري “فوقَ طاقة البشرِ.. غزّة تحولت إلى قبرٍ مفتوحٍ، ولا أحدْ يسأل، ولا أحدْ يهتم، وكأنّ حوالي 2 مليون فلسطيني في القطاع تحوّلوا في نظرِ العالمِ إلى فائضٍ بشريٍ، لا كرامةَ ولا قيمةَ لهم، ولا يستحقونَ الحدَّ الأدنى من مقوماتِ ومُتَطلَّباتِ الحياة. مَنْ يقبل هذا على نفسهِ وشعبهِ”.

ولم يخلُ خطاب أمين عام حركة الجهاد الإسلامي من النقد اللاسع لكلِّ القِوى والفصائل الفلسطينية، حين قال: “علينا أن نترفَّع جميعاً عن أيِّ مصالحٍ حزبيةٍ ضيّقةٍ، وأن نضع مصلحةَ قضيتِنا وشعبِنا نُصْبَ أعيُننا، ونعملَ جاهدين مُخلصين على إنهاء الانقسام، وتحقيق قدْرٍ أو نوعٍ من الوحدة يليقُ بنا وبانتفاضتِنا وشهدائِها. ونبّه إلى أن “الانقسام الداخليَ في أبعادهِ وأسبابهِ يتجذَّرُ مع الوقت جغرافياً وسياسياً ومعنوياً، وهذا مُضرٌّ بشعبِنا وقضيتِه ومصالحِه”.

وكان الدكتور شلَّح صريحًا للغاية في الحديث مع حركة فتح وقيادة السلطة الفلسطينية، حين دعاها إلى وقف التنسيق الأمنيِّ مع العدوِّ، إعلان فشلَ خيارِ التسويةِ والمفاوضاتِ، وإنهاءِ الرِّهان عليهِ، ووضع يدها بيد شعبها وكل القوى من أجل إعادةِ بناءِ المشروع الوطني الفلسطيني، والعمل معاً لصياغة إستراتيجية جديدة تعتمد المقاومة بكل أشكالها، وعلى رأسها المقاومة المسلَّحة، من أجل تحرير الأرض واستردادِ الحقوق. وشدد في دعوته للسلطة على حسِم أمرَها، وإعلان انحيازها الواضح للانتفاضة التي تُعبِّر عن إرادة الشعب وخيارِهِ، كما انحاز الشهيدُ ياسر عرفات (رحمه الله) لانتفاضة الأقصى.

تلك كانت رسائلُ الانتفاضة الفلسطينية على المستويين الداخلي والخارجي، ولعل محتواها قد يزعج كثيرين، إلا أنه يظل نبض شعبنا المقاوم، وصوته الذي لا يجوز تجاهله أو إغفاله.

مقالات ذات صلة