المقالات

جدران الكيان قبل وبعد ربيع العرب

جدران الكيان قبل وبعد ربيع العرب

ياسر الزعاترة

إذا كان الربيع العربي مؤامرة أمريكية صهيوينة كما يقول بعض اليساريين والقوميين، وإذا كان الإسلاميون القادمون على “ظهور الثورات” عملاء سيمنحون الكيان الصهيوني أمنا لم يحصل عليه من قبل، إذا كان كل ذلك صحيحا، فلماذا يبني الكيان كل هذه الجدران من حول نفسه؟!

سؤال يستحق التوقف من دون شك، لاسيما بعد قرار الكيان الصهيوني بناء جدار مكهرب يفصل الجولان عن سوريا، وقبل ذلك انتهاء العمل تقريبا في بناء الجدار الذي يفصل الكيان عن الحدود المصرية، والأهم ما يتعلق بقرار بناء جدار مع الحدود الأردنية بطول 240 كيلو مترا في المسافة بين “إيلات والبحر الميت”.

يبقى بالطبع ذلك الجدار الذي يفصل الكيان عن الحدود اللبنانية، ويبدو أن الحاجة لا تبدو ماسة إليه هذه الأيام في ظل التزام حزب الله بالاتفاق الذي انتهت على أساسه حرب تموز 2006، وحيث لا إزعاجات البتة من تلك الحدود التي تنتشر فيها قوات “اليونيفيل”، مع أن أحدا لا يطالب الحزب بالاشتباك مع العدو تبعا لوضعه الداخلي المعروف، لكننا نشير إلى ذلك في سياق التذكير بأن المقاومة هنا هي فقط للردع وليست للهجوم؛ الأمر الذي ينطبق عمليا على قطاع غزة، وإن كثرت الاستفزازات هناك بين حين وآخر، وارتبط الوضع عضويا بالملف الفلسطيني وتحولاته.

ليس هذا موضوعنا، لكننا نتحدث عن هذا الربيع العربي الذي يثير مخاوف الكيان الصهيوني أكثر بكثير من الأوضاع السابقة، بما فيها تلك التي كانت تنتسب إلى محور المقاومة والممانعة، بدليل الجدار المكهرب الذي يُبنى في الجولان نتاج الخوف من تداعيات سقوط النظام، تماما كما هو الخوف من وقوع الأسلحة الكيماوية في أيدٍ غير أمينة، والذي يعني بمفهوم المفارقة البسيط أنها اليوم في أيدٍ أمينة.

يعلم الكيان الصهيوني أنه تمتع لعقود طويلة بسياج حماية بالغ الأهمية مثلته هذه الأنظمة، الثوري منها والمنبطح، لأن هذه الأنظمة لم تتردد منذ عقود في الاعتراف به عبر الاعتراف بالقرارات الدولية، وصار اشتباكها معه لا يتعلق بحقه في الوجود، بل في الصراع معه على الأراضي المحتلة عام 67، مع تكريس لحالة اللاسلم واللاحرب، وميل غالبيتها إلى خيار رفض المقاومة الحقيقية في الأراضي المحتلة، فضلا عن مطاردة حتى المقاومة الفلسطينية في الخارج ودفعها نحو منفىً بعيد في تونس.

هذه أنظمة عاشت هاجس البقاء ومصلحة نخبها الحاكمة، وحين أراد حسني مبارك تنفيذ لعبة التوريث تحوّل إلى كنز إستراتيجي للكيان الصهيوني. والنتيجة أنها لم تكن معنية بخيارات الشعوب ولا بهواجسها. اليوم نحن أمام أنظمة من نوع جديد، ليس بسبب أيديولوجيتها الإسلامية، بل بسبب خضوعها للخيار الشعبي، لأنها بصرف النظر عن أفكارها لن يكون بوسعها تجاهل الشارع الذي عليها أن تطلب ثقته في كل انتخابات جديدة.

إن أي نظام مهما كان لن يستطيع تجاهل رغبات الناس، وهذا الأمر ينطبق عليه إن كان إسلاميا أم غير إسلامي، لكنه في السياق الإسلامي سيخضع لمحاكمة أكثر قسوة نظرا لمكانة فلسطين الدينية في وعي العرب والمسلمين.

كل ذلك يدركه الكيان الصهيوني حتى لو تجاهلته بروباغندا يعرف الجميع منطلقاتها الحزبية والطائفية، وهو يعرف الحقيقة ويقرؤها بعناية تامة، ولن يركن إلى تطمينات تأتيه من هذا النظام الجديد أو ذاك، وعليه تبعا لذلك أن يتخذ من الإجراءات ما يكفل أمنه، وهذه الجدران الجديدة جزء من تلك الإجراءات.

إلى الجدران التي أشرنا إليها، ثمة جدار سبقها جميعا، وجاء على خلفية انتفاضة الأقصى، وتاليا مشروع الحل الانتقالي بعيد المدى لشارون، والذي صار الدولة المؤقتة عند سواه، والسلام الاقتصادي عند نتنياهو. الجدار المذكور هو الذي بني في الضفة الغربية والتهم نصفها تقريبا.

اليوم يعيش الصهاينة رعب الانتفاضة الجديدة في الضفة الغربية، ويواجهونها بالجدار والقمع واستمالة السلطة لمزيد من التنسيق الأمني، وهم يعلمون أن انتفاضة في الضفة ستعني موقفا عربيا مختلفا، ليس على الصعيد الشعبي فقط، بل على الصعيد الرسمي حتى في الدول التي لم تصلها الثورات خوفا من الناس.

إن تدفق المقاتلين إلى سوريا لمساعدة الشعب السوري يعني أن هناك ملايين يمكن أن يتدفقوا إلى فلسطين إذا تيسرت السبل، وإدراك هذا البعد هو ما يدفع نحو بناء الجدران إياها، بل المزيد منها، لكنها لن تنفعهم في نهاية المطاف، لاسيما أن الفلسطينيين موجودون أصلا داخل فلسطين، بل داخل الخط الأخضر أيضا.

ربيع العرب بشارة لفلسطين. قلنا هذا وسنظل نردده، مهما نعقت الغربان. وسيكون الأمر أكثر وضوحا حين يأخذ شعب فلسطين قراره، وينفض عنه أوهام التسوية ويعلن الاشتباك مع عدوه الذي يلتهم الأرض ويهوّد المقدسات بغطرسة ودون توقف.

الدستور، عمّان، 29/1/2013

مقالات ذات صلة