الشتات الفلسطيني

المخدرات في المخيمات الفلسطينية هل هي ظاهرة أم مبالغة إعلامية؟

توالت في الآونة الأخيرة تقارير إخبارية عن البدء بحملة شعبية وأمنية في مخيمات بيروت لملاحقة تجار المخدرات. وأن الأمر بات خطيراً جدا بحيث لا يُمكن التعاطي مع هذا الأمر إلا بحملةٍ واسعةٍ وجدّية. وتوالت مع هذه الحملة أسئلة عن المخدرات في المخيمات الفلسطينية. هل هي ظاهرة حقيقية منتشرة أم أن الأمر لا يتعدى حالات فردية وأن الإعلام بالغ في وصفها. يحاول هذا التقرير أن يسلط الضوء على قضية المخدرات في المخيمات الفلسطينية من عدة جوانب. الجانب القانوني والمسؤوليات والمخاطر المترتبة عن تعاطي الشباب الفلسطيني. ولا يرصد التقرير تعاطي المخدرات إلا في الإطار العام، لكنه يخلص إلى جملة من الخلاصات والتوصيات.

لا شك ان الواقع الإنساني الّذي تعيشه المخيمات الفلسطينية في لبنان، في ظل الحرمان والفقر وارتفاع نسبة البطالة وزيادة نسبة العنوسة، وتراجع خدمات الأونروا، وانسداد أفق المستقبل أمام الشباب الفلسطيني، وتعاطي الدولة اللبنانية الأمني مع المخيمات الفلسطينية بدلاً من أنسننة تعاطيها معهم بما يخص حقوقهم الإنسانية ولا سيما حقهم بالعمل والتملك وغيرها من الحقوق الأساسية، كل هذه العوامل مجتمعة بالتأكيد ستكون بيئة غير صحيّة يمكن أن تنمو فيها الآفات الاجتماعية بما فيها المخدرات على سبيل المثال لا الحصر.

نعم للحياة… لا لوهم السعادة في جحيم المخدرات

عنوانٌ يُطلقه القيّمون على المخيمات الفلسطينية من أولياء أمور وشباب وفعاليات ولجان شعبية وأهلية، وعلماء مساجد، وقوى سياسية ممن استشعروا الخطر يداهم منازلهم ويقتحم عليهم خصوصية مخيماتهم. هذه المخيمات التي تُشكل رمزاً للإقامة المؤقتة والتمسك بحق العودة إلى أرض الآباء والأجداد. مؤخراً تم ضبط عدة نقاط تخزين للمخدرات في بعض مخيمات بيروت وكأن من يقف وراء إدخال وتخزين هذه المواد السامة والعمل على ترويجها وسط الشباب اليائس سواء في المخيمات أو خارجها يستهدف بالأساس تدمير بنيان هذه المخيمات وتفتيت عضدها وإيصالها إلى مراحل اليأس والإحباط وتخليها عن قيمها الإجتماعية والأخلاقية، وصولاً إلى تدمير مقومات الصمود لديها: الصمود في مواجهة تحديات الحياة والصمود في مواجهة مؤامرات نسف حق العودة.

التداخل المعقد، والفقر المركب بيئة خصبة لتجار المخدرات:

إن العوامل التي تساعد على أن يكون المخيم مركزاً للتخزين أو للتجميع وحتى للترويج هو أن هذه المخيمات متداخلة معظمها ضمن مجموعة من الأحياء التي يسكنها لبنانيون وسوريون وجنسيات أسيوية وأفريقية مختلفة كمنطقة التعمير والفيلات والبركسات في صيدا، وأحياء البعلبكية في محيط مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة وكذلك الأحياء المتداخلة بمخيم البداوي كوادي النحلة والمنكوبين وأطراف جبل محسن. ويجمع هذه الأحياء والمناطق جميعها مع المخيمات قاسم مشترك واحد هو الفقر والعوز وقلة فرص العمل، وبالتالي فإن غالبيتهم يعتاشون من خلال محلات صغيرة وعربات بيع متنقلة هنا وهناك على أطراف هذه المخيمات أو داخل أزقتها. هذا الوضع الديمغرافي والبنياني يشكل بيئة خصبة لتجار المخدرات.

القانون والمخدرات

على المستوى الوطني:

إن القانون اللبناني يعتبر الإدمان وترويج المخدرات جريمة يعاقب عليها القانون ويشترط إنزال العقاب بمن يقترفها.

ينص قانون المخدرات رقم 98/673 في المادة 127 على معاقبة من يحوز أو يشتري كمية ضئيلة من مادة شديدة الخطورة بدون وصفة طبية وبقصد التعاطي، وكذلك المدمن على هذه المادة.

وان المادة 130 من القانون عينه تنص على معاقبة من يحوز أو يشتري كمية ضئيلة من مادة خطرة بدون وصفة طبية وبقصد التعاطي، وكذلك المدمن على هذه المادة الذي لم يذعن لاجراءات العلاج بالحبس من شهرين إلى سنتين وبالغرامة من مليون إلى 3 ملايين ل.ل.

على المستوى الدولي:

إن الأمم المتحدة قد قررت في العام 1961 “بأن الإتجار بالمخدرات تعتبر تجارة غير مشروعة على الصعيد العالمي بما فيها زراعة، صناعة، توزيع، وبيع المواد الخاضعة لقوانين حظر المخدرات”. واستناداً للإعلان المعني بسيادة القانون لكل دولة، فقد سلمت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنه “على الرغم من الجهود المكثفة التي تواصل الدول الأعضاء والمنظمات المعنية والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية بذلها، فإن مشكلة المخدرات العالمية تقوِّض الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والتنمية المستدامة”. (التعاون الدولي على مكافحة مشكلة المخدرات العالمية، A/Res/66/183).

وتفرض الأمم المتحدة في المادة 3 من إتفاقية حظر التعاطي أو الإتجار بالمخدرات على الدول الأعضاء بأنه:-

«مع مراعاة المبادئ الدستورية والمفاهيم الأساسية للنظام القانوني لكل دولة عضو فإنه يجب على كل طرف أن يعتمد التدابير الضرورية لإقامتها كجريمة جنائية بموجب قانونها الداخلي عندما ترتكب عمداً وحيازة أو شراء أو زراعة المخدرات أو المؤثرات العقلية كمواد مستهلكة أو شخصية لأحكام اتفاقية عام 1961 واتفاقية سنة 1961 بصيغتها المعدلة أو اتفاقية سنة 1971.»

الخطوات الأولى في نشر المخدرات :-

· نتيجة قلة فرص العمل وانسداد أفق المستقبل أمام شريحة كبيرة من الشباب الفلسطيني في لبنان سواء خريجي الجامعات والمعاهد العليا وحتى المتسربين من المدارس، فقد لجأ الكثير من الشباب لفتح بعض المقاهي في هذه المخيمات لتأمين فرصة عمل أو دخل مادي، هذه المقاهي يرتادها الكثير ممن لا يتوفر لهم فرص عمل من الشباب، إما لقضاء جزء من أوقات فراغهم، أو للترويح عن أنفسهم، وأن بعض هذه المقاهي في المخيمات بدأت تضع مواد مخدرة للشباب أثناء طلبهم للنرجيله التي يستخدمونها داخل المقهى أو التي يتم طلبها “delivery” إلى منازلهم والهدف الأساسي من ذلك جعل الشاب يُدمن تدريجياً على المخدرات كي يتعلق بهذه النرجيلة والإستمرار بطلبها وبالتالي تسويق وبيع أكبر عدد ممكن منها في اليوم، كما أن المقاهي يشاع عنها بأنها أماكن لصيد الزبائن وترويج الحبوب المخدرة الرخيصة الثمن كالكبتاغون والترامال وغيرها تحت عنوان أنها حبوب للصداع وغيرها.

· المؤشرات التي بدأت تظهر للقيّمين في هذه المخيمات من لجان شعبية وقوى مجتمعية وفعاليات بأنّ هناك تسرب للمخدرات إلى المخيمات من الجوار وأن هناك تجاراً وضعوا المخيمات على خارطة تسويقهم لهذه المواد المدمرة، بعد ضبط بعض الأفراد في حالة هلوسة أو فقدان للوعي والبعض منهم تم نقله بحالات طارئة إلى المستشفيات ليتبين أنه تحت تأثير تعاطي المخدرات.

· ضبط بعض أماكن التخزين في بعض المخيمات، خصوصا مخيمات بيروت، فضلاً عن اعتقال أفراد من جنسيات مختلفة بين الفينة والأخرى وبحوزتهم مخدرات يودون إدخالها إلى المخيمات بقصد الترويج أو التخزين لإعادة توزيعها وترويجها حين تسنح لهم الظروف بذلك وبالتالي قد يكون المخيم السوق الأمثل لهم في المستقبل.

من هو المسؤول عن الأمن الاجتماعي داخل الخميات؟

تتوزع المسؤوليات على الجهات التالية:-

1- المجتمع الدولي

وذلك بتخليه التدريجي عن اللاجئين الفلسطينيين وعدم سعيه الحقيقي لاستمرار تمويل الأونروا كي توفر الخدمات للاجئين الفلسطينيين بشكل كاف في مجال الصحة والتعليم والإغاثة والإعمار وتحسين أوضاع المخيمات لحين حل قضيتهم، فضلاً عن تجاهل جميع حقوق اللاجئين من حيث السعي الدولي لحل قضية لجوئهم بعد 68 عاماً، كل هذا الإهمال الدولي وتجاهل حقوق اللاجئين أدى بشكلٍ وآخر إلى تردي أوضاعهم الإقتصادية من حيث الفقر والعوز وبالتالي سهولة انتشار الآفات الإجتماعية وسط مخيماتهم كترويج وتخزين المخدرات.

وتشكل الأونروا أحد أهم الجهات التي تمثل المجتمع الدولي. الهدف من إنشاء الأونروا بعد نكبة عام 1948 هو تأمين فرص العمل وإغاثة للاجئين الفلسطينيين في لبنان وغيره من دول الشتات وذلك من خلال توفير التعليم والعلاج الصحي والسكن اللائق والعمل وغيرها، لكن الذي يجري هو أنّ الأونروا في هذه الأيام بدلاً من السعي لتحسين خدماتها للاجئين في ظل حرمانهم من حقوقهم المدنية والإقتصادية والإجتماعية من قبل الدولة المضيفة فإنها بدأت بتقليص خدماتها بشكل تدريجي منذ اتفاقية أوسلو 1993 مما فاقم من واقع اللاجئين الفلسطينيين المعيشي وزادت معاناتهم في مجال تأمين العلاج الصحي والتعليم النوعي كما أن برامج الإغاثة تدنت إلى أدنى مستوياتها، وزادت نسبة الفقر حتى وصلت إلى 73% والبطالة إلى 56% وبالتالي أصبحت بيئة المخيمات في ظل الظروف الصعبة هدفا للاستغلال من قبل تجار السموم.

2- الدولة اللبنانية

وذلك من خلال فرضها لقيود مشددة على المخيمات الفلسطينية من حيث السماح بتوسعة هذه المخيمات كي تصبح بيئة مقبولة للعيش الآدمي وتتسع للسكان من اللاجئين الذين يعيشون بها وتسمح لجيل الشباب من إنشاء الملاعب والنوادي الرياضية لممارسة هواياتهم وتفريغ طاقاتهم، فضلاً عن السماح لهم بإدخال مواد البناء لإعمار منازل لمن هم مقبلين على الزواج ومنحهم حق العمل وحق التملك وغيرها من الحقوق الأساسية كي يتمكن هؤلاء من خط طريق مستقبلهم والعيش بكرامة وبالتالي هذه التسهيلات سوف تؤدي بالتأكيد إلى تخفيف المشاكل النفسية والإجتماعية التي تدفع بأصحابها إلى الهروب من مشاكلهم اليومية إلى التورط بالمخدرات وبترويجها.

3- الفصائل الفلسطينية

تقع المسؤولية الكبيرة على الفصائل الفلسطينية المتواجدة في المخيمات الفلسطينية والتي حتى الآن لم تتمكن من وضع سياسة عامة تهدف إلى ضبط المخيمات وحمايتها مما يداهمها من مخاطر سواء فوضى استخدام السلاح أو خطر استخدام هذه المخيمات لتخزين وترويج المخدرات وسط الشباب الفلسطيني.

إن عدم الإتفاق حتى الآن على تشكيل قوى أمنية موحدة في جميع المخيمات أسوة بالكفاح المسلح سابقاً من كل الفصائل ومنحها الغطاء الكامل من جميع الفصائل ومن الدولة اللبنانية كي تعمل على حفظ الأمن وملاحقة المخلين به، وتسليم من يخرق القانون للقضاء، فضلاً عن ضبط ومتابعة المقاهي المنتشرة بشكل كبير في الآونة الأخيرة في معظم المخيمات وإن لم توضع ضوابط صارمة لهذه المقاهي، سوف يبقى الوضع على حاله من الفلتان والفوضى.

4- اللجان الشعبية في المخيمات الفلسطينية

تقع على عاتق اللجان الشعبية في المخيمات مهمة متابعة الأشخاص الذين هم ليسوا من سكان المخيم الأصليين والذين يقطنون بهذه المخيمات بشكل عشوائي دون معرفة اللجان الشعبية. وضرورة وضع ضوابط لأي مستأجر منعاً لاستخدامها في أعمال تضر بالأمن المجتمعي.

5- علماء الدين

يقع على عاتق علماء الدين والمشايخ مسؤولية كبيرة من حيث قيامهم بالجانب التوعوي لعموم الناس حول مخاطر المخدرات وخطرها على الفرد والمجتمع، فضلاً عن كونها محرمة في الدين الإسلامي وفي معظم الأديان الأخرى، وهذا يتطلب منهم تكثيف اللقاءات مع الشباب في النوادي والمقاهي والمساجد وحتى زيارة المؤسسات التعليمية وإعطاء الشباب والطلاب توجيهات تمكنهم من معرفة خطر هذه السموم القاتلة.

6- مؤسسات المجتمع المدني

يقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدني القيام بحملات توعوية بين الأطفال والشباب في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان من خلال المحاضرات المكثفة في مراكزها، والحملات التوعوية من خلال نشر للبوسترات والمطويات والملصقات في الأماكن العامة وعلى الطرقات الرئيسية.

مخاطر المخدرات على الشباب:-

إن استخدام المخدرات من قبل الأشخاص و خاصة الشباب منهم يترتب عليه عدة مخاطر تشبه رمي حجر في بركة ماء و الذي ينتج منه دائرة صغيرة تزداد حجما، ففي بداية الأمر قد يكون خطر المخدرات فقط على الشخص الذي يتعاطاها ولكن الخطر يتطور ليشمل العائلة والأصدقاء ومن ثم المدرسة وأماكن وجود الشباب و بالتالي المجتمع كله، ويمكن ان نُلخّص مخاطر المخدرات على المتعاطين بالشكل التالي :-

الشباب هم أكثر عرضة للإدمان لأن أجسادهم ما زالت في طور النمو لذلك فهم معرضون أكثر و أسرع للإدمان على المخدرات نتيجة للخصائص الكيميائية المتوافرة بها فيصبح تعاطيها نمطاً سلوكياً وخصوصاً اذا بدأ المتعاطي بعمر مبكر أي خلال مرحلة المراهقة، حيث تنمو أجساد الشباب بسرعة بسبب تاثير غدة تحت المهاد “HYPOTHALAMUS”، وبالتالي فإن الإدمان على تعاطي المخدرات خلال هذه المرحلة سوف ينتج خلل في هرمونات هذه الغدة مما يبطئ عملية نمو الجسد بأكمله و خاصة العضلات و الكبد و الجهاز الهضمي و الجهاز التنفسي و الجهاز العصبي فضلاً عن مخاطر ونتائج التعاطي والإدمان على القلب والإصابة بالسرطان.

كما أن هناك مخاطر على الصحة الإنجابية كالإصابة بعدوى فيروس الإيدز وإلتهاب الكبد الفيروسي وغيره من الأمراض. ويؤدي هذا الأمر إلى تغيير في نمط الحياة الصحي والعادات اليومية كقلة النوم وقلة تناول الطعام. مما يُحول الشخص المتعاطي إلى شخص مريض ضعيف البنية شاحب اللون لا يستطيع العمل أو بذل مجهودات بدنية. فضلاً من إنعكاس ذلك سلباً على التحصيل المدرسي والجامعي له، مما يزيد من شعوره بالفشل والهروب مجدداً إلى المخدرات محاولاً نسيان مآسيه لكن النتيجة هي الإنتقال من سيء إلى أسوأ.. والكثير منهم توفي إما بحادث سير بسبب فقدانه لوعيه وتركيزه أثناء قيادة السيارات، ومنهم من مات نتيجة جرعة زائدة “over dose” مما يؤدي إلى تسمم جسده والموت لاحقاً.

خلاصات:

يتضح من خلال هذا التقرير عدة أمور أهمها:

أولاً: لم يصل تعاطي المخدرات في الوسط الفلسطيني خصوصاً في المخيمات إلى الظاهرة الاجتماعية، لكن إن لم تتخذ خطوات عاجلة وطارئة وجديّة فإن الأمر قد يتحول إلى ظاهرة خطيرة بكل معنى الكلمة.

ثانياً: إن تحول تعاطي المخدرات من حالة إلى ظاهرة سوف يؤدي إلى مخاطر صحيّة واجتماعية كارثية على المجموع الفلسطيني، ستطال من دون شك ثوابت اجتماعية ووطنية كانت راسخة في بنية التفكير.

ثالثاً: تلعب عدة عوامل بشكل حقيقي وجاد في توفير بيئة خصبة لانتشار الظواهر الاجتماعية لا سيما المخدرات. ولا يمكن القفز، بأي شكل من الأشكال، فوق ظروف التهميش والفقر والبطالة والتضييق والتي تساهم في إيجاد هذه البيئة.

مقالات ذات صلة