المقالات

عن استهداف مصر وجيشها

عن استهداف مصر وجيشها

علي جرادات

11 فبراير, 2015

ثمة ما يحمل على الاعتقاد بأن مصر ما بعد “مذبحة العريش” غير ما قبلها. لماذا؟

أن يسقط عشرات الجنود والضباط بين شهيد وجريح على يد العصابة المسماة زوراً “أنصار بيت المقدس”، ذلك يعني أن هذه العصابة باتت تملك قدرات تسليحية وأدوات اتصال ووسائل لوجستية نوعية ودقيقة، وأن طاقاتها البشرية باتت على مستوى عالٍ من التدريب والتأهيل والتخطيط.. وكل ذلك دون أن ننسى أن هذه العصابة أعلنت سيناء ولاية لما يسمى “الدولة الإسلامية” “الداعشية”، وأنها لم تستهدف حياة جنود وضباط الجيش المصري، فحسب، إنما دمرت مقراتهم، أيضاً. يعني نحن أمام محاولة لسلخ سيناء وإقامة “ولاية” كما حصل في شمال العراق وشرق سورية، وفي أقله محاولة لسلخ شمال سيناء وإقامة منطقة عازلة تعطي إسرائيل الفائدة ذاتها جراء احتضان عصابة “جبهة النصرة” التابعة لتنظيم القاعدة في المنطقة المحررة من القنيطرة. يحيل الأمر هنا إلى فلتان حدود مصر مع كل من ليبيا والسودان وإسرائيل، مثلما هي حال حدود تركيا مع كل من العراق وسورية، وحدود الأخيرة مع كل من إسرائيل والأردن.

وأن تتزامن هذه المذبحة مع مسلسل التفجيرات الإجرامية في محافظات القاهرة والإسكندرية والشرقية…، ذلك يعني أن ثمة أطراف سياسية داخلية وخارجية تحاول الاستفادة مما يجري في سيناء. وأظن أنه ليس تجنياً أن توجه القيادة المصرية الاتهام إلى جماعة الإخوان المسلمين. فالجماعة معنية بإظهار أن الجيش والأجهزة الأمنية المصرية عاجزة عن توفير الأمن والاستقرار، وأن السلطة المصرية الجديدة بقيادة الرئيس، السيسي، عاجزة عن تنفيذ ما أعلنته من مشروعات لنهضة مصر وتنميتها واستعادة دورها ومكانتها، عربيا وإقليمياً ودولياً.

يدعم اتهام “الجماعة” وحلفائها تزامن هذا التصعيد غير المسبوق، مع إعلان “الجماعة” عن “إستراتيجية جديدة” للتعامل مع ما تسميه سلطة “الانقلاب العسكري”؛ ومع اقتراب موعد عقد “المؤتمر الاقتصادي العالمي” والانتخابات البرلمانية؛ ومع تسريب فضائية قناة الجزيرة نقلاً عن فضائية “مكمِّلين” “الإخوانية” أحاديث منسوبة للرئيس المصري، السيسي، (قبل انتخابه)، مع مدير مكتبه ولواء مصري، يتهجمون فيها على ملوك وأمراء دول الخليج العربي. هذا ناهيك عن تزامن هذا التصعيد مع تحذيرات فضائيات “الجماعة” في تركيا وغيرها لطواقم وبعثات الدول الأجنبية الدبلوماسية والسياحية والتجارية والاستثمارية…..ودعوتها إلى “مغادرة مصر فوراً”، لإظهار مصر في صورة “الدولة الفاشلة”، الأمر الذي يضيف دليلاً آخر على أن تركيا بقيادة حزب “العدالة والتنمية” “الإخواني” قد تجاوزت كل حدود المعقول في دعمها لـ”جماعة الإخوان”، وفي تدخلاتها في بلدان الحراك الشعبي العربي لدرجة أن تصبح حدودها ممراً مفتوحاً لعبور السلاح وأفراد العصابات التكفيرية بمسمياتها، من وإلى سورية والعراق، بل ولتمرير وابتياع المسروق من نفطهما ومن مصانع حلب، ومن النفيس الغالي، بالمعنى الحضاري للكلمة، من الآثار العراقية والسورية. اتهام تركيا بذلك كان أكده في تصريح علني قبل شهور نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، والمستشارة الألمانية، ميركل، في مؤتمرها الصحفي قبل أيام مع رئيس الوزراء العراقي، العبادي.

وأكثر، ثمة دلالة لتزامن هذا التصعيد مع لقاء وفد “إخواني” مع وزارة الخارجية الأميركية التي بررت اللقاء بالقول: “زيارة الوفد تمت بدعوة من جهات في جامعة جورج تاون”. وهذا “عذر أقبح من ذنب”. إذ كيف للولايات المتحدة التي تعترف بالسلطة المصرية الجديدة إجراء لقاء مع وفد “جماعة” تصنفها مصر الرسمية “جماعة إرهابية”. والأغرب هو تبرير “الجماعة” للقاء بالقول: “من حق الجماعة أن تشرح موقفها للولايات المتحدة مما يجري في مصر”. وكأن الولايات المتحدة هذه لا تعرف موقف الجماعة، أو كأن الإدارة الأميركية، لا الشعب المصري، صاحبة حق البت فيما إذا كان ما حصل في 30 يونيو “انقلاباً عسكرياً” أو ثورة شعبية ساندها ونفذ إرادتها الجيش المصري لتجنب وقوع حرب أهلية بفعل إصرار قيادة الجماعة على التمسك بالسلطة، ورفْض قبول إجراء استفتاء شعبي أو انتخابات رئاسية مبكرة كمقترحين دستوريين كان من شأن اللجوء إلى أي منهما أن يحل الأزمة ويجنب مصر ما هي عليه الآن.

يحيل هذا اللقاء، (ولا ندري إن كان هنالك لقاءات سرية)، إلى لجوء جماعة “الإخوان” وغيرها من القوى السياسية إلى طلب التدخلات الأجنبية في شؤون الحراك الشعبي العربي، وهي التدخلات التي تقودها على المكشوف الولايات المتحدة، في كل من العراق وسورية ومصر وليبيا واليمن، وكأن الولايات المتحدة هذه جمعية خيرية، أو كأنها ليست التي احتلت العراق وأفغانستان ودمرتهما، أو كأنها ليست الحليف الإستراتيجي الثابت لإسرائيل. والأهم من كل ذلك كأنها ليست الدولة العظمى التي تصوغ سياستها الخارجية ارتباطاً بمصالحها العليا التي تحدد معالمها الأساسية احتكاراتها النهبية المتحالفة، من موقع السيطرة، مع احتكارات الرأسمالية العالمية، وبالذات احتكارات “الثالوث الإمبريالي”: الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان، كثالوث لا يعنيه سوى الحصول على “الحصة الأكبر” من عائدات الاقتصاد العالمي. لذلك لا عجب في أن الولايات المتحدة ربما قررت، أو في طريقها لأن تقرر، استنزاف مصر عبر تجديد “لعبة” دعم التيار “المعتدل” من تنظيمات “الإسلام السياسي”، بذريعة أنها الأقدر على المساعدة في محاربة التيارات “المتطرفة” التكفيرية الإرهابية التي ساهمت هي، ( وبعض حلفائها العرب والإقليميين)، في مدها بالمال والسلاح في أفغانستان لمواجهة الاتحاد السوفييتي في ثمانينيات القرن الماضي ، بل وتتحمل، وأيضاً مع بعض حلفائها العرب والإقليميين، قسطاً أساسياً من مسؤولية تمدد هذه التنظيمات وانتشارها وتقويتها، من خلال تدمير العراق، ما حوله، ومثله سورية وليبيا لاحقاً، إلى مرتع لأشكال وأشكال من العصابات المسلحة التي تختزلها واشنطن وحلفاؤها هذه الأيام في تنظيم “داعش”، وكأن عصابة “جبهة النصرة”، (مثلاً)، التي تستخدمها إسرائيل في الجولان ليست تكفيرية إرهابية ولا تابعة لتنظيم القاعدة.

على أية حال، بـ”مذبحة العريش” في سيناء وتصاعد التفجيرات الإجرامية في باقي المحافظات المصرية، أصبحت مصر الدولة والشعب والمجتمع كما لم تكن من قبل في حالة حرب فعلية وشاملة مع العصابات التكفيرية الإرهابية. فالجيش المصري لا يُستهدف بذاته، إنما بوصفه عماد الدولة المصرية، وعماد وحدة أرضها وشعبها، لكن ما تنساه أو تتناساه الأطراف الداخلية والخارجية التي تدعم أو تستخدم هذه العصابات ومذابحها، هو أن استهداف جيش مصر الوطني لن يزيد الشعب المصري الذي اطاح سلطتين في أقل من ثلاثة أعوام إلا التفافاً حول هذا الجيش وتلاحماً معه مهما كلفه ذلك من تضحيات. تجلى هذا التلاحم في إعلان الرئيس السيسي أمام كبار رجال الدولة وممثلين عن الأزهر والكنيسة والمؤسسات الإعلامية والثقافية والفنية والأحزاب الوطنية كافة، عن تشكيل قيادة موحدة واستثنائية لـ”جبهة شرق القناة”، أي قيادة لـ”جبهة حرب”، وعن رصد مبلغ مالي لتنمية سيناء، وعن المضي قدماً في تنفيذ مشروع ما سمي “قناة السويس الجديدة”، ما يعني أن القيادة المصرية باتت تدرك، ومعها، وهنا الأهم، شعبها، أن مصر الدولة تواجه مخططاً، يستهدف، (على الأقل)، سلخ سيناء وشمالها بالذات، وأن العصابات الإرهابية إن هي إلا أدوات تستخدمها أطراف داخلية تحظى بدعم وتغطية من دول تقودها وتقف على رأسها الولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة