المقالات

قمة الدوحة والقضية الفلسطينية

من بين المشاريع التي تبنتها القمة العربية التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة يوم الثلاثاء الماضي القرار الخاص بالقضية الفلسطينية ، وقد تضمن هذا القرار اربعة بنود تفصيلية هي اولا: تجديد التأكيد على مبادرة السلام العربية التي اقرتها قمة بيروت في العام 2002 , وثانيا: تطورات القضية الفلسطينية , وثالثا : الاجراءات الاسرائيلية في القدس ورابعا : دعم موازنة دولة فلسطين وصمود الشعب الفلسطيني .ولا بد من الاشارة هنا قبل مناقشة هذه البنود الاربعة الى ان القضية الفلسطينية ما زالت القضية المركزية في مؤتمرات القمة العربية ومقرراتها , باعتبارها قضية العرب الاولى , وذلك رغم انشغال العديد من الدول العربية بقضاياها الداخلية ورغم ما يشهده العديد من تلك الدول من عدم استقرار سياسي جراء ما بات يعرف بالربيع العربي , ورغم ان الازمة السورية وتطوراتها الخطيرة ما زالت تتصدرالاجندات العربية , حيث ان مفتاح الاستقرار في هذه المنطقة الحساسة والمضطربة هو حل القضية الفلسطينية , وانهاء الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي , وهذا ما أكده الرئيس الاميركي باراك اوباما خلال جولته الاخيرة في فلسطين واسرائيل والاردن , وخلال لقاءاته مع زعماء هذه الدول الثلاث .

كما ان العالم باسره مجمع على ان القضية الفلسطينية باتت مصدر قلق للجميع , وانه لا بد من ايجاد حل عادل لهذه القضية التي ما زالت عالقة دون حل منذ اكثر من ستة عقود , وان تحقيق السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين بصورة خاصة وبين العرب والاسرائيليين بصورة عامة أصبح مطلبا دوليا ملحا , لأن السلام في هذه المنطقة مصلحة فلسطينية كما هو في ذات الوقت مصلحة اسرائيلية واميركية وعالمية , خاصة بعد ان دخلت عملية السلام مرحلة جمود منذ أكثر من عامين جراء استمرار الحكومة الاسرائيلية في سياساتها التوسعية في الضفة الغربية والاراضي الفلسطينية .ولا شك ان القادة العرب قد تبنوا السلام كاستراتيجية لحل القضية الفلسطينية وتحقيق السلام مع اسرائيل منذ قمة فاس التي عقدت في المملكة المغربية في العام 1981 وذلك فيما عرف وقتذاك بمشروع الملك فهد بن عبد العزيز ملك السعودية آنذاك للسلام .

وجاءت قمة بيروت العربية في عام 2002 لتطرح المبادرة العربية للسلام , والتي ما زالت مطروحة على الطاولة , والتي تنص على انسحاب اسرائيل الكامل من الاراضي العربية المحتلة وعودتها الى حدود الرابع من حزيران عام 1967 مقابل التطبيع الكامل مع اسرائيل , بما يتضمن فتح سفارات لاسرائيل في العواصم العربية , واقامة علاقات اقتصادية وتجارية واتفاقات تعاون في المجالات كافة .وقد أكدت قرارات قمة الدوحة الاخيرة ان مبادرة السلام العربية ما زالت المرجعية لتحقيق السلام العادل والشامل مع اسرائيل, وأكدت هذه القمة ان مبادرة السلام العربية تضمن اقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة , والتوصل الى حل عادل لمشكلة اللاجئين استنادا الى المبادرة , ووفقا لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم “194 ” ورفض كافة اشكال التوطين والانسحاب الاسرائيلي الكامل من الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة , حتى خط الرابع من حزيران عام 1967 , والتأكيد مجددا على أن السلام العادل والشامل هو الخيار الاستراتيجي للقادة العرب , وان عملية السلام عملية شاملة لا يمكن تجزئتها .واضافة الى ذلك فان البند الاول في قرارات قمة الدوحة الخاصة بفلسطين , أكد ان دولة فلسطين شريك كامل في عملية السلام , وشدد على ضرورة وقف الاستيطان , وارتكاز المفاوضات على مرجعية عملية السلام في قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية ومبدأ الارض مقابل السلام , ضمن اطار زمني محدد , وان النقاش حول الحدود لا بد ان يستند الى انهاء الاحتلال الذي بدأ في عام 1967 و كما أكد هذا البند على ان قطاع غزة والضفة الغربية وحدة جغرافية واحدة لا تتجزأ لقيام دولة فلسطينية مستقلة .

كما تضمن البند الاول تشكيل وفد وزاري عربي برئاسة دولة قطر وعضوية الاردن ومصر وفلسطين وبمشاركة الامين العام للجامعة العربية , وذلك من اجل اجراء مشاورات مع مجلس الامن والادارة الاميركية وروسيا الاتحادية والصين والاتحاد الاوروبي للاتفاق على اليات , وفقا لاطار زمني محدد , لاطلاق مفاوضات جادة لبحث سبل تحقيق السلام , كما أكد هذا البند أهمية التحرك العاجل من أجل عقد مؤتمر دولي خاص لبحث القضية الفلسطينية بكافة جوانبها .ولا شك ان تحركا عربيا لطرح القضية الفلسطينية على مجلس الامن , وعلى المجتمع الدولي بات امرا ضروريا وملحا , وذلك من أجل ان يتحمل مجلس الامن والدول الدائمة العضوية فيه مسؤولية تجاه تحقيق السلام , باعتبار ان تحقيق السلام العالمي ووضع حد للصراعات والنزاعات التي تهدد السلم العالمي من اولويات مجلس الامن ومن اهم الواجبات المناطة به .وبالنسبة للبند الثاني من قرارات قمة الدوحة الخاصة بتطورات القضية الفلسطينية , فان القمة قدمت الشكر للدول التي صوتت الى جانب انضمام فلسطين الى الامم المتحدة كدولة مراقبة غير عضو , كما دعا هذا البند الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي الى الاعتراف بدولة فلسطين على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية , واحترام الشرعية الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس , والترحيب بالمصالحة الفلسطينية , والجهود المبذولة لاكمالها بكافة جوانبها , الى جانب مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على اسرائيل لترفع حصارها على قطاع غزة .

ولا شك ان هذا البند يتضمن امورا بالغة الاهمية , ولعل اهمها احترام الشرعية الفلسطينية الممثلة بالرئيس محمود عباس الذي انتخب في انتخابات ديمقراطية وفي اجواء من النزاهة والشفافية وعبر مراقبة عربية ودولية , ومن هنا فانه لم يعد معنى لاستمرار حركة حماس في تمنعها من تحقيق المصالحة , ولا بد من ان تعود الى احضان الشرعية الفلسطينية , ولاعادة اللحمة الى جناحي الوطن : الضفة الغربية وقطاع غزة , وانهاء هذا الخلاف الذي الحق بالقضية الفلسطينية اضرارا فادحة , ولذا فانه بات مطلوبا من الدول العربية ذات التأثير على حماس خاصة مصر وقطر ان تضغط على حماس لتنهي انقسامها وتعود الى احضان الشرعية الفلسطينية , وان تغلب المصلحة العامة على المصالح الحزبية والفصائلية وعلى شهوة الحكم والسلطة .ويختص البند الثالث من البنود الاربعة بالحديث عن الاجراءات الاسرائيلية بالقدس , حيث يرفض تلك الاجراءات باعتبارها غير شرعية وغير قانونية , ويؤكد عروبة المدينة المقدسة , ويدين المحاولات المتواصلة بالضغط على اهالي القدس, والاقتحامات المتكررة للمسجد الاقصى من قبل المتطرفين , كما يرفض عمليات الاستيطان في المدينة وكافة الاجراءات الرامية الى تغيير معالمها العربية والاسلامية , ولا شك ان كل ما تقوم به اسرائيل في القدس يعد انتهاكا صارخا لقرارات الشرعية الدولية , التي ترفض ضم اسرائيل للجزء الشرقي من المدينة المقدسة واعتبارها مع القدس الغربية ” العاصمة الابدية الموحدة ” للدولة العبرية .

كما ان القيادة الفلسطينية أكدت وتؤكد دائما , انها لن توقع اتفاقية سلام مع اسرائيل لا تعتبر القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية , فالقدس الشرقية يجب ان تكون عاصمة فلسطين وستكون مدينة مفتوحة امام جميع اتباع الديانات السماوية الثلاث , يؤدون شعائرهم الدينية في اجواء من الامن والامان والحرية التامة .اما البند الرابع من قرارات قمة الدوحة الخاصة بفلسطين , فيتحدث عن دعم موازنة دولة فلسطين وصمود الشعب الفلسطيني , ويطالب الدول العربية بالايفاء بالتزاماتها بتأمين مئة مليون دولار شهريا لدولة فلسطين , ولدعم القيادة الفلسطينية , وذلك في ضوء ما تتعرض له من ضغوط مالية , وفي ظل استمرار اسرائيل بعدم تحويل المستحقات الضرائبية العائدة للسلطة الفلسطينية .كما يدعو البند الرابع الى دعم صندوقي الاقصى والقدس , وفقا للمقررات السابقة , وتقديم دعم اضافي لهذين الصندوقين .

كما يدعو هذا البند الى تشكيل وفد وزاري عربي لزيارة الدول العربية في اسرع وقت ممكن , لمواجهة الازمة المالية الصعبة التي تواجهها دولة فلسطين , وذلك اضافة الى دعوة الدول العربية لدعم موازنة دولة فلسطين لمدة عام , تبدأ اعتبارا من الاول من شهر نيسان القادم , وذلك وفق الالية التي اقرتها قمة بيروت العربية عام 2002 .واننا كفلسطينيين اذ نرحب بهذه القرارات التي تبنتها قمة الدوحة العربية , ونأمل ان تجد هذه القرارات طريقها الى النور , لا ان تظل حبيسة في ادراج الجامعة العربية مثل الكثير من قرارات القمم العربية السابقة , وخاصة البند الرابع المتعلق بدعم موازنة دولة فلسطين والشعب الفلسطيني , خاصة وان هذا القرار تبنته قمة سيرت الليبية التي عقدت عام 2010 , وقمة بغداد في اذار من عام 2012 , ولكن لم يجد طريقه الى النور , حيث ان العديد من الدول العربية تخلفت عما التزمت به من تقديم مساعدة مالية لفلسطين , وذلك ضمن شبكة الامان المالية التي قررت القمم العربية تقديمها للشعب الفلسطيني وقيادته . علما ان شبكة الامان هذه ليست ذلك المبلغ الكبير الذي يرهق كاهل الدول العربية .ان دعم الدول العربية للشعب الفلسطيني وقيادته ليس منة ولا تفضلا بل هو واجب ديني ووطني وقومي , ونأمل ان تعي الدول العربية هذه الحقيقة وتسارع الى الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها للشعب الفلسطيني .والله الموفق .

المحامي راجح ابو عصب

القدس، القدس، 30/3/2013

مقالات ذات صلة