المقالات

الكونفدرالية: لا تنقصنا مصائب جديدة

الكونفدرالية: لا تنقصنا مصائب جديدة

سلمان أبو ستة

تتوارد الأخبار عن الإيعاز لأعضاء فتح الكبار في رام الله بالتحضير لكونفدرالية قادمة بين ‘فلسطين’ الدولة الجديدة والأردن. وزادت من أهمية هذه الأخبار زيارة الملك عبد الله الثاني إلى الرئيس محمود عباس بعد التصويت على ‘فلسطين’ كدولة غير عضو مراقب في الأمم المتحدة.

ونحن لا نزال نلعق جراح كارثة أوسلو التي ابتلينا بها منذ حوالي عشرين عاماً، لأن اتفاقية أوسلو كانت ناقصة الإدراك، قصيرة النظر، سيئة الإعداد إلى درجة الإهمال الإجرامي، وتفتقر إلى أبسط مبادئ العادلة، وتخلو من أى تأكيد قانوني على الحقوق الفلسطينية. وقبل هذا وذاك تفتقر إلى موافقة مجموع الشعب الفلسطيني، رغم الموافقة الروتينية المضمونة من كوادر فتح المطيعة.

والآن يتحدثون عن كونفدرالية بين ‘دولتين’، ناجم عن مرور قرار الأمم المتحدة باعتبار فلسطين ‘دولة’ على خُمس أراضيها. أما التصويت على دولة فلسطين في الأمم المتحدة، فلم يأت لبراعة دبلوماسية جديدة، وإنما أتى تأكيداً من المجتمع الدولي غير الاستعماري على مواقفه المساندة للشعب الفلسطيني منذ عام 1974. وأما الأراضي الفلسطينية فلا زالت محتلة بكل معاني الكلمة. ولذلك فإن جمع الدولتين في كيان واحد، هو أمر خطير جداً في هذه الظروف.

أول المخاطر أن تدفع إسرائيل، بسياستها القمعية الطاردة، إلى هجرة جماعية إلى شرق النهر. خصوصاً لأصحاب العقول وأصحاب الأموال، وتبقى الفئة الضعيفة فريسة لإسرائيل تمارس عليها كل أنواع الفصل العنصري، دون أن تكون لها دولة بالمعنى الحقيقي لتحميها.

وثاني المخاطر أن الطرف الفلسطيني في المعادلة سيكون مرغماً، بالواقع أو القانون، على الاعتراف بمعاهدة وادي عربة (السلام) مع إسرائيل لعام 1994، أي الاعتراف بإسرائيل حسب شروط هذه المعاهدة. وهو الأمر الذي رفضه الفلسطينيون على ضعفهم كل هذه العقود.

بل والأدهى أن معاهدة السلام هذه تلغي في الواقع حق العودة رغم أنه حق غير قابل للتصرف أو المقايضة بأي ثمن، وتستبدله بحل ‘إنساني’ (أي توطين)، وهذا سيجبر الدويلة الفلسطينية على اعتناق هذه الخطيئة. وتصبح ‘فلسطين وطننا’ عبارة تاريخية خالية المضمون.

ولا شك أن إسرائيل ستنتهز هذه الفرصة للتخلص من أهلنا الباقين على أرضهم في فلسطين 1948، وتنقلهم بطرق ظاهرة وخفية إلى الدويلة الفلسطينية أو إلى الأردن. وبذلك يتحقق ما كان يحلم به نتنياهو بتحويل فلسطين إلى ‘دولة يهودية’.

وهكذا بدون قصد، يصبح الأردن هو الوطن البديل. واعتناق معاهدة وادي عربة هذه يعني تسليم الفلسطينيين بسيطرة إسرائيل على مصادر المياه، وموافقتهم على أن كل الأراضي ‘غير الأردنية’، كما جاء في المعاهدة، (أي فلسطينية) هي إسرائيلية، وأن حدود فلسطين التاريخية هي حدود إسرائيل.

ولا ننسى أن معاهدة وادي عربة تجب أي اتفاقية أخرى تناقض المعاهدة مع إسرائيل، بما فيها الدفاع العربي المشترك. وبمعنى آخر لا يجوز للأردن عقد أو تطبيق أي اتفاق مع أي طرف سابقاً أو لاحقاً لا يوافق ضمناً مصالح إسرائيل.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن وضع الأردن السياسي، من حيث معاهدته مع إسرائيل وعلاقته الوثيقة مع الولايات المتحدة، والدور الذي تلعبه في المجال السياسي العربي، سيكون مفروضاً على الدويلة الفلسطينية لكي تلعب الدور المقرر لها.

وقطاع غزة سيكون خارج هذا الميدان في واقع الأمر إما بسبب الجغرافيا وإما بسبب عداوة الطرفين لحركة حماس والمقاومة المسلحة. والهدف المخفي وراء هذا المشروع هو تحجيم الحركات الإسلامية السياسية في الأردن وفلسطين، وهو نتيجة طبيعية لشروط معاهدة وادي عربة. أما الشتات الذى يمثل 70′ من الشعب الفلسطيني، فسيكون منتزعاً من الكيان الفلسطيني بأكمله. وتصبح كلمة ‘فلسطين’ الدولة، تعني أقل من خمس الشعب الفلسطيني، هذا إذا تركت إسرائيل أحداً في الضفة.

وتأتينا الأخبار أيضاً أن بعض الشخصيات الفلسطينية تتصل الآن بجهات قانونية دولية لصياغة مسودة الثنائي الجديدة.

بل تأتينا الأخبار أيضاً أنه في اجتماعات اليونسكو الأخيرة في سانت بيترسبرغ هذا العام أنفرد الوفد الأردني بالحديث عن القدس مع الطرف الإسرائيلي باعتبار أنها ‘مسئولية هاشمية’، ولم يتعاون مع الوفد الفلسطيني للدفاع عن القدس، كما جرت العادة سابقاً، مما سبب مشاحنة بين الاثنين.

وقد كتب المندوب السعودي في اليونسكو زياد الدريس في الحياة في 5-12-2012 مقالاً أشار فيه إلى أن ‘الصراع الجديد على القدس هو صراع فلسطيني / أردني’ باعتبار أن الأردن ترى ‘أن الولاية على المقدسات حق أصلي مناط بالأسرة الهاشمية’.

ولا نريد أن نخوض هنا في كيفية ضم الضفة الغربية إلى الأردن عام 1950، ولا إلى كيفية سقوطها الكارثي عام 1967 ولا إلى خلعها عن الأردن عام 1988، فهذا موضوع طويل.

ولكن يكفي أن نشير هنا إلى مشروع آلون المقترح بعد نكسة 1967، باستقطاع غور الأردن والقدس لصالح إسرائيل وضم كتلتين شمال وجنوب الضفة إلى الأردن. وهو المسودة التي تدور حولها كل مشاريع الاستيطان.

وموضوع تفكير السلطة في الكونفدرالية ليس جديداً، فهو احد إفرازات أوسلو. وهو خطوة أولى لها ما بعدها. ونذكر أنه في منتصف التسعينات صدر كتاب من مؤسسة بكدار بقلم رئيسها محمد اشتيه، المقرب من الرئيس محمود عباس، يعرض تحالفاً ثلاثياً بين فلسطين الدويلة والأردن وإسرائيل على نسق Benelux (بين هولندا وبلجيكا ولوكسمبرغ). كما صدرت دراسات إسرائيلية كثيرة تؤيد هذه الاتجاه وتبين مزاياه لإسرائيل.

أما الوحدة العربية فهي من أماني الشعب العربي على مدى العصور. وعندما تصبح فلسطين دولة مستقلة على كامل أراضيها، يعيش عليها الشعب الفلسطيني بأكمله، فإن الاتحاد مع أي بلد عربي وأوله الأردن، بل ومع بلاد الشام ومع مصر وباقي الدول العربية، يصبح واجباً وطنياً.

أما اختزال فلسطين إلى خُمسها، وإرغامها على الاعتراف بإسرائيل فهو خطيئة أخرى تضاف إلى سجل الخطائين.

القدس العربي، لندن، 24/12/2012

مقالات ذات صلة