المقالات

اللاجئون الفلسطينيون ونهاية الاستثناء السوري

في سيرة اللجوء الفلسطيني الممتد في أرض العرب، ما يؤكد صحة القاعدة الفقهية القائلة بأن الحل الأمثل لقضية اللاجئين، أي لاجئين في كل مكان وزمان، هو عودتهم لأوطانهم الأم، وأن أي حل بديل آخر يظل مشوبا بالنقص الذي قد يتجلى في وقت لاحق، طال الزمن أو قصر.

على صعيد الاحتياجات الأساسية للإنسان، كحقوق التعليم والعمل والتنقل والملكية، وبقية شروط الحياة السوية، لم يتم التعاطي عربيا مع اللاجئين الفلسطينيين ككتلة مصمتة واحدة. فقد تراوحت أوضاعهم الحقوقية بين الجودة والسوء، بحسب أماكن اللجوء وطبيعة النظم السياسية في الدول التي استقبلتهم. ثم إن هذه الأوضاع طرأت عليها أحيانا تحولات جوهرية داخل الدولة المضيفة الواحدة، وفقا لتطورات داخلية أو اقليمية لم يكن للاجئين دخل في تحديدها.

هكذا، فإنه إذا كانت النظرة البانورامية الشاملة، تساوي للوهلة الأولى بين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، باعتبارهم عربا بين مضيفين عرب، فإن التأمل في التفصيلات من قريب، يبين أننا بصدد قطاعات مختلفة نسبيا من اللاجئين، يخضعون لأكثر من منظومة قانونية في البلاد المضيفة.

على سبيل التوضيح، لنا أن نلاحظ عدم التساوي بالمطلق بين الأوضاع الحقوقية والشروط الحياتية لكتلتي اللاجئين في كل من سوريا ولبنان.. وذلك رغم قصر المسافة الجغرافية الفاصلة بينهما، التي لا تزيد كثيرا على رمية حجر. فبينما ظل اللاجئون في سوريا يحظون بحقوق ترقى تقريبا إلى مساواتهم بالمواطنين السوريين الأقحاح، وقع لاجئو لبنان في قعر المجتمع المضيف وعلى هوامشه، بكل ما تنطوي عليه هذه المكانة من معان سلبية.

للإنصاف، فإنه طوال أعوام اللجوء الفلسطيني الموشاة بالمرارات منذ نكبة 1948، وصولا إلى اللحظة الراهنة الدامية، ظل التعامل السوري مع اللاجئين بمثابة المثال الذي تهفو إليه أفئدة العاطفين على تحسين أحوال اللاجئين الفلسطينيين عموما، في الرحاب العربية قاطبة. وفي مقابل الاستقرار الحقوقي في المثال السوري، سيق اللاجئون في نماذج الدول المضيفة الأخرى، إلى الخوض عنوة في قضايا خلافية وجدالية داخلية وإقليمية، ارتدت على شؤونهم بخسائر فادحة.

ففي لبنان منتصف سبعينات القرن الماضي، أجبر اللاجئون على أن يكونوا طرفا بين فرقاء حرب أهلية شبه طائفية. وكان من تبعات غزو عراق صدام حسين للكويت عام 1990، أن دفع بعض فلسطينيي الملاجئ الخليجية، وفي طليعتها الكويت، ثمنا باهظا من أنفسهم وأموالهم واستقرارهم، وتحولوا إلى لاجئين للمرة الثانية والثالثة.

ومنهم من صار عالقا على الحدود المشتركة في صحارى الشام وشمال شبه الجزيرة العربية.. وحدث الشيء ذاته لفلسطينيي العراق جراء احتلاله عام 2003. ولم يجد نظام العقيد القذافي الراحل وسيلة لإثبات أن اتفاق أوسلو عام 1993 لم يقم دولة فلسطينية، غير إلقاء قطاعات من اللاجئين على قفار الحدود الشرقية لبلده، كي تتولى قيادتهم تطبيق حقهم في العودة إن استطاعت!

بين يدي هذه الأمثلة ونحوها، لم تعبأ العواصم المضيفة بعذابات اللاجئين، ولا انشغلت أو ارتدعت بأنهم جزء من لحم الأمة ودمها؛ قدر له مواجهة غزوة وضعت قدمها في فلسطين أولا، وأن بلاد العرب كلها مرشحة لخطواتها التالية بشكل أو آخر.. بل ولم يسأل صناع السياسة والقرار في هذه العواصم أنفسهم، عما إذا كانت قيودهم على حيوات هؤلاء اللاجئين، تتناسب والعهود والمواثيق الإقليمية والدولية الخاصة بمعاملة اللاجئين عموما، حتى وإن لم يكونوا عربا أمثالهم؟

ما يعنينا من استحضار هذه الوقائع، هو التذكير بأن لاجئي الاستضافة السورية، ظلوا مطولا بعيدين نسبيا عن تبعات الاحتقانات والمشادات والاشتباكات الداخلية والبينية العربية، التي أوقعت في أحابيلها نظراءهم في دول مضيفة مجاورة. والظاهر أن هذه “النعمة” أوشكت على الأفول، وبطريقة انعطافية حادة وبالغة القسوة، نتيجة للصراع الدامي بين النظام السوري ومعارضيه.

والعبرة هنا أنه في غضون هذا الصراع، أطلت القاعدة التي سرت على بقية قطاعات اللاجئين الفلسطينيين، بحيث أضحى لاجئو سوريا بدورهم في مرمى نيران لم يألفوها من قبل، ولا يدرون كيف يتّقون لظاها.. وهم الآن بين عدو يتجهمهم وشقيق ملك أمرهم.

وبغض النظر عن التلاوم المحتدم حول الجهة المسؤولة عن استدراج اللاجئين إلى هذه المعمعة، تبقى النتيجة واحدة.. وهي أن حالة اللجوء الفلسطيني تضع أصحابها على حافة أخطار، بعضها معلوم يمكن اتقاء شروره ولو بشق الأنفس، وبعضها مجهول لا يدري أحد متى وكيف ومن أين يقع!.. وفي ذلك حجة داحضة للزعم بأن معالجة هذه الحالة قد تمر بسلام، دون تطبيق حق العودة إلى الوطن الأم ومساقط الرؤوس.

البيان، دبي، 17/1/2013

محمد خالد الأزعر

مقالات ذات صلة