المقالات

حزب العمال البريطاني و “اللاسامية”!

حزب العمال البريطاني و “اللاسامية”!

د. فايز رشيد

تخوفت مصادربريطانية وعالمية عديدة من انجراف “حزب العمال البريطاني” إلى ما أسموه سياسة “العداء للسامية”! إذ يتوالى طرد أعضاء مهمين من الحزب, وآخرهم وليس أخيرهم عضوين في مجلس العموم من بين صفوف الحزب احدهما “ناز شاه”, التي دعت الى نقل الكيان الى الولايات المتحدة ,والثاني هو كن لفينغستون الذي اكدّ بان الزعيم النازي ادولف هتلر دعم الحركة الصهيونية وايّدها.

ووفقا لموقع صحيفة “يديعوت احرونوت” اليمينية الصهيونية في مقالة طويلة لها, فقد اعترفت مصادر في حزب العمال بان افكارا أسمتها “لاسامية” بدأت تتغلل بهدوء الى معاقل في الحزب،و تسعى الى تحويله الى حزب يساري راديكالي . اندلعت العاصفة الاخيرة عندما قال كن ليفنغستون عضو البرلمان عن حزب العمال ورئيس بلدية لندن السابق في تصريحات لشبكة بي. بي .سي. بان ادولف هتلر كان مؤيدا للصهيونية وتطلع فور انتخابه الى نقل يهود اوروبا الى “اسرائيل”.ذنب رئيس بلدية لندن االسابق , أنه ردد حقيقة تاريخية معروفة , وكتب عنها باحثون أمريكيون وغربيون(أسماؤهم وكتبهم ومقالاتهم معروفة وموثقة ) إذ قال :” حين فاز هتلر عام 1932 تبنى حينها سياسة واضحة تقوم على نقل اليهود الى فلسطين ,وقدم الدعم للصهيونية “.ادلى ليفنغستون باقواله هذه في سياق دفاعه عن عضو البرلمان “نازشاه” التي تم فصلها من الحزب قبل أسبوعين, بعد ان كُشف النقاب عن تعليق كتبته على صفحتها في الفيسبوك عام 2014 ,اعربت فيها عن تأييدها لنقل الكيان الى الولايات المتحدة ,كحل للصراع الفلسطيني العربي – الصهيوني!كان ليفنغستون قد أكد بان الاجراءات ضد نازشاه هي جزء من مؤامرة من قبل مجموعة الضغط الصهيونية ,التي تعمل على وسم كل من يعارض سياسات “إسرائيل” , باللاسامية، فتم طرده هو الآخرخلال عدة ساعات من ادلائه بتصريحاته هذه! .

للعلم, ما كتبته نازشاه على حسابها في الفيس بوك كان أحد خيارات الحركة الصهيونية من بين 14 خيارا قبل الإنشاء القسري لدولة الكيان على الأرض الفلسطينية , وبعد تآمر الدول الاستعمارية آنذاك, واتفاقها المجرم مع زعماء الحركة الصهيونية بعبد مؤتمر كامبل – بنرمان ,الذي ابتدأ جلسته الأولى عام 1905 ,وظل جدول أعماله مفتوحا حتى عام 1907 .

أما قرارات المؤتمرفتتلخص بالتالي: بناءا على وجود ثلاث فئات بين شعوب العالم :فئة أولى: دول الحضارة الغربية المسيحية ( دول أوروبا وأمريكا الشمالية وأوستراليا ) والواجب يقتضي تجاهها , دعم هذه الدول ماديا وتقنيا لتصل الى أعلى مستوى من التقدم والإزدهار. أما الفئة الثانية فتتشكل من دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ,ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها, ولا تشكل تهديداً عليها ( كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول ,احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديداً عليها وعلى تفوقها. أما الفئة الثالثة فتتألف من دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية , ويوجد تصادم حضاري معها, وتشكل تهديداً لتفوقها ( وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام ) والواجب تجاه هذه الدول هو :حرمانها من الدعم ,ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية, وعدم دعمها في هذا المجال ,ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لإمتلاك العلوم التقنية. كما محاربة أي توجه وحدوي فيها.ولتحقيق ذلك ,دعا المؤتمرالى إقامة دولة في فلسطين , تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي, يفصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي , والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب (ألا وهي دولة إسرائيل ) واعتبار قناة السويس قوة صديقة للتدخل الأجنبي وأداة معادية لسكان المنطقة.

لقد سَرعت تلك القرارات في ولادة اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 , ووعد بلفور عام 1917 ,ومؤتمر فرساي عام 1919,ومؤتمر سان ريمو عام 1920 ,ومؤتمر سيفر عام 1920,ومؤتمر سان ريمو الثاني عام 1923 , وتم تتويجه بقرار الأمم المتحدة الظالم رقم 181 بتاريخ 29/11/1947 القاضي بتقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية ,وإلغاء السيادة العربية على القدس, وأتبعه بوثيقة بتاريخ 15/5/1948 تحمل إعلان دولة الكيان وبتاريخ 11/5/1949 تبوأ الكيان مقعده في الأمم المتحدة بصفته العضو 59 في المنظمة الدولية.

وبالعودة إلى موقع الصحيفة الصيونية ,تذكر أيضا , ان ما أسمته التوجهات “اللاسامية”, التي تنبعث من حزب العمال, تثير حتما قلق بريطا نيامؤخرا. وتستطرد كاتبة : صحيح انه كانت تبرز بين الحين والاخر, اصوات متطرفة من اليسار البريطاني، وعلى سبيل المثال جورج غالوي الذي اعلن عن منطقة بريطانية “محررة من االصهاينة” ، كما جيرالد كاوفمان “اليهودي الذي اتهم الكيان باستغلال المحرقة, لارتكاب جرائم ضد الشعب الفلسطيني”، وبأن اموالا يهودية تمول حزب المحافظين, وان الكيان يختلق تنفيذ عمليات لاعدام فلسطينيين,لكن من الصحيح القول أيضا أنه جرى طرد عضوة من حزب العمال, بعد وصفها هتلر بـ “الصنم اليهودي”، كما طردت عضو اخرى قالت بان هتلر “اعظم شخص في التاريخ” ,كما استقال رئيس اتحاد الطلاب من حزب العمال, في جامعة اكسفورد اليكس تسلمرس، بعد اتخاذ الاتحاد قرارا بدعم “اسبوع الابرتهايد الاسرائيلي” الذي تضمن نشاطات مناهضة لـ”اسرائيل”، إذ قال في بيان استقالته: ان لدىّ اشخاص معينين في الحزب من اليهود الصهيونيين , وان اعضاء كتلته في الحزب يؤيدون علنا الشعب الفلسطيني. هذه الأخبار – تقول الصحيفة- تجعلنا نخشى على بريطانيا من موجة “عداء للسامية”, خالصة إلى نتيجة مفادها : أنه ليست فقط مقاطعة “إسرائيل” تزداد عالميا,بل أيضا ترتفع موجات “العداء للسامية” في الدول الأوروبية,التي تعتبر جميعها حليفة رئيسية لنا.

من الحري التوضيح ,أنه وفقا للكاتب برنارد لازار في كتابه القيّم “اللاسامية, تاريخها وأسبابها “: فإن “اللاسامية” هي اختراع ومنتج صهسوني – يهودي بحت! .أيضا , عقدت الصهيونية مع النازية ثلاث تفاقيات ,الاولى عام 1933 من اجل تسهيل هجرة يهود المانيا الى فلسطين ، وبموجبها وخلال السنوات 1933 – 1938 ، ثم ضخ “40” مليون دولار بوساطة البنك الانجليزي الفلسطيني الى فلسطين, وكانت هذه الاساس لانشاء الاقتصاد “الاسرائيلي” . لقد توخت الحركة الصهيونية من علاقتها مع النازية ، التحكم بيهود المانيا ، ترحيل رأس المال الضخم للبورجوازية اليهودية ، استغلال السياسة العنصرية للنازيين لاجبار اليهود على الهجرة الى فلسطين… هذه الاستنتاجات , خلص اليها البروفيسور السوفيتي بونداريفسكي ونشرها في عام 1984 . ثم عقدت الصهيونية اتفاقية ثانية مع النازيين في عام 1934 ، واخرى ثالثة في عام 1937 ، وتقضي بـ “تزويد الحركة الصهيونية للجستابو بأية معلومات عن التنظيمات اليهودية في اوربا, وعن اية نشاطات لهم ضد النازيين ، مقابل دعم الأخيرين لاقامة الدولة الصهيونية”.. هذا ما يطرحه عبدالرحمن عبدالغني في كتابه : المانيا النازية وفلسطين ، وهو ما يتفق مع ما طرحه غالدر في مذكراته الجريئة.. اي باختصار: ان اقوى حلفاء النازية في مرحلة معينة هي الحركة الصهيونية.

وبعد , نتساءل: بماذا أخطأ النواب البريطانيون في تصريحاتهم؟.

مقالات ذات صلة