المقالات

غزّة: موضع الألم… واختبار الضمير العالمي

بقلم د. وائل كريم
في كل مرة أفتح فيها عيني على مشهد من غزّة، أشعر أن الزمن قد انكسر، وأن الإنسانية قد تعطّلت.
غزّة ليست مجرد جغرافيا محاصرة، بل هي الجرح المفتوح في قلب العالم، الجرح الذي لا يريد أحد أن يراه، لكنه يصرّ على النزيف.
كيف يمكن للعالم أن يرى طفلاً يبحث بين الأنقاض عن أمّه، ولا يهتزّ؟
كيف يُبرَّر القصف والقتل والتجويع باسم “الردع” و”الأمن”، ويُترك الضحية تُحاسَب على أنفاسها؟
إنها ليست حربًا، بل عملية سحق بطيئة، للإنسان، للكرامة، للوعي.
غزّة اليوم، لا تُقاوِم الاحتلال فقط، بل تقاوم انهيار الضمير العالمي.
لقد أصبحت مرآة كاشفة: من بقي فيه إنسانٌ بعد، ومن تخلّى عن إنسانيته طوعًا.
من ما زال قلبه ينبض حين يرى الجثث الصغيرة تُحمل، ومن اعتاد المشهد وكأنّه لُعبة فيديو.
والمؤلم أن العالم، بكل مؤسساته وأكاذيبه عن “حقوق الإنسان”، يُظهر عجزًا مشينًا، أو حيادًا متواطئًا، أو خطابًا مزدوجًا.
حتى الكلمة صارت خائفة، حتى الحقيقة صارت تُحاصَر.
لكن، وبرغم كل هذا الحزن، غزة تُعلّمنا شيئًا آخر:
أن الإنسان يمكن أن يكون محاصرًا ولا يُهزَم،
أن الجوع لا يُطفئ الشعلة، وأن الدم لا يُسيل المعنى بل يُولّده.
غزة لم تعد مجرد قضية سياسية، بل أصبحت اختبارًا أخلاقيًا حادًّا لكل من يدّعي التمدّن، ولكل من يختبئ وراء صمته باسم “الحياد”.
لكنَّ هذا الألم، مهما اشتدّ، لا يُولد اليأس.
فمن وسط الركام، يخرج الإنسان الحقيقي،
ومن تحت القصف، يعلو الصوت الذي لا يُسكت،
ومن عيون الأطفال في غزة، يولد المعنى من جديد.
ولعلّ أجمل ما يُقال هنا، هو ما قاله القرآن عن أمثالهم:
“ولا يَضرّهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله، والله لا يُخلِف الميعاد.” (آل عمران: 160)
نعم، سيخذلهم القريب والبعيد، سيتواطأ العالم، وتغيب العدالة…
لكن هذا لا يضرّهم، لأن ما يثبتهم ليس حليفًا سياسيًا، بل إيمان عميق بوعدٍ لا يتبدّل.
غزة، بكل وجعها، تُعلن:
نحن هنا.
نصبر، نواجه، نرتقي.
حتى يأتي أمر الله، وهو آتٍ، لا شكّ فيه.
فلا تخذلوهم بصمتكم يا أصحاب الضمائر….
شاركوا هذا النداء علنا نستطيع أن نوقظ معا ما تبقى من ضمائر الناس ولا نخذلهم.

مقالات ذات صلة