المقالات

قراءة في تحالف قوى اليمين المتطرف والشعبوي الأوروبي مع أحزاب الحكومة الصهيونية المتطرفة

هي ظاهرة سياسية جديدة لم تعرفها الساحة الأوروبية سابقا، سيما وأن تاريخ الفكر اليميني الشعبوي المتطرف في أوروبا هو الأب الروحي لفكر معاداة السامية التي ولدت وترعرت في أوروبا في قرون سابقة ، وعرف هذا الفكر المعادي لليهود أوجه في ممارسات النازية قبل وخلال الحرب العالمية الثانية، الصحيح أن أداة الإبادة أنذاك كانت هتلرية، لكن جزء هام من القوى السياسية الأوروبية آنذاك تعاونت في مشروع الابادة ضد الجاليات اليهودية في العديد من الدول الأوروبية.
كيف نفسر هذا المنعطف الجديد وهل هو دائم ؟
أعتقد أن الطرفين اليمين المتطرف في أوروبا واليمين المتطرف في الكيان الصهيونى والموجود بالحكم ونتانياهو أحد رموزه المهمة ، هؤلاء شاءت التطورات أن يتقاطعوا على على مصالح مشتركة من جهة وكذلك وجود قراءة مشتركة لهما للوضع الدولي .
المصالح المشتركة تتجسد بوجود أعداء مشتركين لكليهما ، قوى الإسلام الجهادية الرافضة للهيمنة الغربية والرافضة بنفس الوقت لدور الكيان الصهيونى وسياساته التوسعية والهيمنية في مجمل منطقة الشرق الأوسط، كذلك عدائهما المشترك لطموحات الشعوب المناضلة والطامحة للحرية وللتحرر الوطني وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني .
أما من ناحية مقاربتهم المشتركة للتحولات التي تجري على الصعيد الدولي ، هنا يرى الطرفان خطورة وجودية عليهما بسبب الانتقال المرتقب والذي مازال بحاجة لسنوات كثيرة ،لمركز الإنتاج العالمي الاقتصادي من أمريكا وأوروبا لمناطق أخرى في العالم وبشكل خاص شرق وجنوب شرق اسيا ، هذا التحول المرتقب والذي يحاول الغرب وحليفته الحركة الصهيونية منعه وخلق الصعوبات والتوترات والصراعات لكي لا يتحقق، نأخذ مثال طريق الحرير الصيني ومقاربته للتعاون الدولي في المجال الاقتصادي وإقصاء الكيان منه، والمشروع المنافس له وهو طريق الهند أوروبا والذي يمر بالكيان الصهيونى وخاصة ميناء حيفا ، هذان المشروعين يختصران في الواقع خارطة الصراعات الدولية خاصة مخطط الإمبراطورية الامبريالية الأمريكية بمنع الصين الصاعدة من تحقيق هذا المشروع الضخم ، كذلك نذكر مشروع بديل لقناة السويس عبر انشاء قناة بن غوريون الصهيونية والتي من المخطط مرورها بمنطقة قطاع غزة.
بعد السابع من اكتوبر 2023 , بدأنا كمتابعين للساحة الاوروبية، سماع لغة القيم المشتركة مع إسرائيل على لسان رموز مهمة لقوى اليمين المتطرف الشعبوي في الساحة الأوروبية ، ما يجري بعد السابع من اكتوبر هو ابادة موثقة بحق الشعب الفلسطيني تهدف لإحداث نكبة جديدة وتهجيره تحت لغة القتل والارهاب ، فعن أي قيم يتحدث اليمين الشعبوي المتطرف ، كذلك لا ننسى أن الكيان الصهيونى يكرر مرارا وتكرارا أنه يدافع عن مصالح الغرب في منطقة الشرق الأوسط ولولا دوره لخرج النفوذ الغربي منها لذلك هو يروج لمقولة أنه الأداة الضرورية لاستمرار وجود المصالح الغربية ، وكم سمعنا من القادة الصهاينه تصريحات تؤكد على هذا الخطاب وعلى ضرورة منع أي تغييرات في هذه المنطقة المهمة للغرب وللعالم .
إذا تقاطع لغة المصالح وقراءة أن الأعداء مشتركين هو الذي جمع بينهم ، لذلك يفرض الواقع مواجهتهم وتوفير ما يلزم لهذه المواجهة من دعم عسكري وسياسي ومالي، هنا نفهم لماذا تستمر العديد من الدول الأوروبية بتزويد الكيان الصهيوني بالسلاح ولماذا تحميه وتوفر له الغطاء على صعيد السياسة الدولية .
هذا التحالف ليس دائم لأن ايديولوجية قوى اليمين المتطرف تقوم على شوفينية ترفض تقاسم الأرباح والمكاسب مع الغير ، فعند وصول هذه القوى للسلطة وتحكمها بمختلف مؤسساتها خاصة الأمنية والاقتصادية، عندها الصدام سيحدث والتباعد لا مفر منه .
وهل وصول قوى وأحزاب اليمين المتطرف للحكم لا مفر منه ؟
سؤال مهم وللأسف أن الجواب في القوى السياسية والحزبية الأخرى ، حيث ما تبقى من القوى اليمينية التقليدية وتحول خطابها لمحتويات تتقاطع فيها كثيرا مع خطاب أقصى اليمين وهذا يعطي قوى أقصى اليمين شرعية في أطروحاتها حتى أن الناخب الأوروبي كثيرا يفضل المنتج الأصلي على التقليدي ، كذلك التقلبات التي تعرفها القوى اليسارية في أوروبا وابتعادها عن خطابها التاريخيّ القائم على قاعدة استدامة الصراع سواء على صعيد البلد الواحد أو على الصعيد العالمي ، هذا الابتعاد نراه بشكل واضح منذ تسعينات القرن الماضي ، لذلك اعتقد ولا أستغرب أن نعود مستقبلا بشكل اوسع للغة الصراعات الطبقية وأوروبا والكثير من نخبها الفكرية والسياسية لا محالة ذاهبة لذلك ، أما وصول أحزاب يمينية متطرفة للسلطة فهذا لا مفر منه وهذا ما بدأنا نراه هنا او هناك في الدول الأوروبية، وصولهم للسلطة يلزهم بمواجهة الواقع الصعب اقتصاديا في بلدانهم وكذلك ربما صدامهم مع دول أخرى أو الذهاب نحو حروب جديدة ، عدة سيناريوهات أمام أحزاب اليمين المتطرف إن وجد نفسه أمام واقع السلطة والحكم .
حمدان الضميري
ناشط فلسطيني في بلجيكا

مقالات ذات صلة