المقالات

مجدداً.. حرث فلسطيني في البحر الأميركي

مجدداً.. حرث فلسطيني في البحر الأميركي

نقولا ناصر

أعلن البيت الأبيض الأميركي يوم الثلاثاء الماضي أن الرئيس باراك أوباما قد اختار دولة الاحتلال الإسرائيلي لأول زيارة خارجية يقوم بها في ولايته الثانية، وستكون هذه أول زيارة رئاسية رسمية لدولة الاحتلال خلال ولايتيه الأولى والثانية، وكما يقول المثل الشعبي العربي فإن “المكتوب يقرأ من عنوانه”، لذلك سوف تكون رام الله وعمان، الأكثر اهتماما في المنطقة باستئناف “عملية السلام” الفلسطينية – الإسرائيلية، مجرد محطتي “توقف” على “هامش” زيارته بينما لن تكون هذه العملية في رأس القضايا “العاجلة” التي سوف تأتي به إلى المنطقة، فـ”نحن نتوقع أن تكون إيران وسورية هي القضايا الرئيسية” لما وصف ب”زيارة عمل” لأوباما لن ترافقه فيها أسرته كما قال الناطق باسمه جاي كارني.

وذكرت تقارير إخبارية أن زيارة أوباما سوف تشمل أيضا مصر والعربية السعودية وتركيا، لكن كارني لم يؤكد إلا زيارته لدولة الاحتلال و”توقفين” له مع الرئاسة الفلسطينية وفي العاصمة الأردنية.

ويبدد قرار أوباما بأن تكون دولة الاحتلال أول بلد يزوره في مستهل ولايته الثانية كل الأوهام العربية التي بنيت على الأنباء التي راجت سابقا عن خلافات بينه وبين رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ليتحول لقاء الرجلين المرتقب عمليا، في حال صحت تلك الأنباء، إلى اجتماع “مصالحة” سوف يعززها ما سوف يتفق عليه الرجلان حيال “القضايا العاجلة” في إيران وسورية.

قالت مصادر فلسطينية لصحيفة الايندبندنت البريطانية يوم الثلاثاء الماضي إن “اجتماعات أسبوعية” تجري بين كبير مفاوضي منظمة التحرير صائب عريقات ونظيره الإسرائيلي اسحق مولخو، ربما تمهيدا لقمة ثلاثية يستضيفها أوباما أثناء زيارته مع نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، على ذمة نائب وزير خارجية دولة الاحتلال داني ايالون الذي اضاف لإذاعة جيش الاحتلال أنه “متأكد” من أن “جهودا تبذل الآن لترتيب اجتماع كهذا”.

وقالت القناة العاشرة الإسرائيلية إن الولايات المتحدة كانت “تضغط” من أجل استئناف المحادثات الثنائية “من دون شروط”. وقال نائب نتنياهو سيلفان شالوم إن زيارة أوباما سوف تركز على أولويتين “الأولى” منهما “استئناف عملية السلام” والثانية “بناء “ائتلاف اقليمي ضد إيران وشركائها”.

وتبدو هذه التوقعات الإسرائيلية متناقضة في الظاهر مع الموقف الأميركي المعلن بخصوص الزيارة، فالمتحدث باسم البيت الأبيض كارني قال إن زيارة أوباما “لن تركز على مقترحات محددة لعملية السلام في الشرق الأوسط”، لأن “ذلك ليس هدف هذه الزيارة”، ونفى أن يكون أوباما يحمل معه “خطة سلام جديدة”، بينما خفض السفير الأميركي لدى دولة الاحتلال دان شابيرو من سقف أي توقعات فلسطينية بهذا الشأن بقوله: “لا يوجد أي شك في أن تجديد المفاوضات لا يزال هدفا، لكن ليس من المحتمل أن يحدث أثناء زيارة واحدة”، وأضاف أن أوباما “لن يتقدم بأي طلبات محددة خلال زيارته المقبلة”، مضيفا ان أوباما “يأتي للتشاور” مع نتنياهو وعباس “ولم تقدم لا شروط ولا مطالب”.

وإذا صدقت التوقعات الإسرائيلية بانعقاد قمة ثلاثية، فإن انعقادها لن يعدو كونه مناورة علاقات عامة تحسن صورة أوباما أمام الرأي العام الأميركي وغير الأميركي الذي سجل عليه فشله الذريع في الوفاء بوعوده التي أعلنها بشأن “عملية السلام” في مستهل ولايته الأولى، ولن يتمخض عنها على الأرجح ما “تأمله” قيادة منظمة التحرير الفلسطينية منها، ربما باستثناء رشوتها بمساهمة أميركية في حل أزمة ميزانية السلطة للسنة المالية 2013 كثمن للقاء عباس – نتنياهو برعاية أوباما.

وبالرغم من الموقف الأميركي المعلن بشأن مكانة “عملية السلام” على جدول أعمال زيارة أوباما، أعرب المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية عن “الأمل” في أن تكون زيارته للمنطقة “بداية سياسة أميركية جديدة” تقود إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وأعربت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي عن “أمل” مماثل في أن تكون الزيارة “مؤشرا إلى جدية النية” الأميركية في “الانخراط” بطريقة “ايجابية وبناءة” من أجل “إنهاء الاحتلال الإسرائيلي”، وهو ما يرقى إلى بيع الشعب الفلسطيني آمالا خادعة توهمه بوجود ما يدعو إلى التفاؤل ب”توقف” أوباما للقاء الرئيس عباس، ويرقى إلى التضليل الإعلامي بغض النظر عن حسن النوايا وما تقتضيه اللغة الدبلوماسية.

فكلاهما وغيرهما من قيادات منظمة التحرير يتجاهلون أن كلمات “إنهاء الاحتلال الإسرائيلي” لا وجود لها في القاموس الأميركي، ولم ترد في قاموس إدارة أوباما الأولى والثانية، ولم ترد كذلك أبدا في تصريحات كبار مسؤولي إدارة أوباما عن زيارته المرتقبة وزيارة وزير خارجيته الجديد جون كيري خلال أسبوعين، للإعداد لزيارة رئيسه، فبالنسبة لصانع القرار الأميركي المصاب بالاسهال في الحديث عن “السلام” العربي مع دولة الاحتلال يوجد انفصام كامل بين “السلام” وبين “إنهاء الاحتلال”، لكن “مجاراة” منظمة التحرير وقياداتها لهذه المعادلة الأميركية شجعت الإدارات الأميركية المتعاقبة على الاعتقاد بأنها هي المعادلة الفلسطينية أيضا.

ومع ذلك تستعد الرئاسة الفلسطينية لاستقبال أوباما في إصرار مستهجن على الاستمرار في “الحرث في البحر” الأميركي، متناسية عدم دعوة ممثل الرئيس عباس لحفل تنصيب أوباما الشهر الماضي بحجة “خطأ بروتوكولي”، ومتجاهلة معارضته لاعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين، ورفضه الاعتراف بهذه الدولة، والعقوبات التي فرضتها إدارته على السلطة الفلسطينية لأنها طلبت ذلك الاعتراف، ناهيك عن تجاهل حقيقة أن الدعم الأميركي للاحتلال ودولته في المقابل قد حول الولايات المتحدة عمليا إلى شريك للاحتلال الإسرائيلي.

ومن الواضح أنه ليس في جعبة أوباما ولا في جعبة مضيفيه في دولة الاحتلال ما يلبي الحد الأدنى من “الآمال” السلمية للرئاسة الفلسطينية، وبالتالي فإنه لا جدوى لا في استقبال أوباما ولا في قمة ثلاثية تنعقد برعايته مع نتنياهو، خصوصا وأن إنشغال الرئاسة وقيادة منظمة التحرير في التحضير لزيارته وقبل ذلك في استقبال وزير خارجيته والإعداد لاستقبالهما مع “الفرق الأمنية” الأميركية الموجودة الآن في الضفة الغربية للتحضير للزيارتين لن يترك لهما أي وقت لمتابعة ما هو أكثر جدوى من استحقاقات تنفيذ اتفاق المصالحة الوطنية، وهو ما يرجح تأجيل تنفيذ هذا الاتفاق إلى ما بعد الزيارتين!

قد لا يكون من الواقعية ولا من الدبلوماسية رفض استقبال أوباما، في الأقل لأنه زعيم القوة التي كانت إلى ما قبل فترة وجيزة هي القوة الأعظم الوحيدة المنفردة بصنع القرار الدولي، ولأن مفاوض منظمة التحرير لا يمكن مقارنته كذلك بقيادة هوشي منه للثورة الفيتنامية التي حطمت كل ما هو متعارف عليه من مفاهيم “الواقعية” وتصدت للقوة الأميركية وهزمتها، غير أنه سيكون من الواقعي والدبلوماسي تماما رفض الاستجابة لأي طلب أميركي بعقد أي لقاء ثلاثي أم ثنائي مع نتنياهو وحكومته ودولته وبأي استئناف للمفاوضات معهم “من دون شروط”، فمثل هذا النهج كان هو المسؤول الأول، قبل نتنياهو، عن إجهاض حلم قيادة منظمة التحرير في “حل الدولتين” الذي حولته إلى “المشروع الوطني الفلسطيني”.

فلسطين أون لاين، 8/2/2013

مقالات ذات صلة