المقالات

انتخابات الكنيست التاسع عشر اصطفافات سياسية وحزبية جديدة!

انتخابات الكنيست التاسع عشر اصطفافات سياسية وحزبية جديدة!

محمد صوّان

بعد إعلان وزير حرب العدو الإسرائيلي إيهود باراك اعتزاله الحياة السياسية على خلفية فشله في تدمير قدرات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وإعلان إرساء التهدئة، لحق به وزير خارجية إسرائيل إفيغدور ليبرمان، زعيم حزب (إسرائيل بيتنا)، وهو (مهاجر ومستوطن روسي)، على خلفية تلقيه الرشى وتورطه في قضايا فساد، واستغلال المنصب الحكومي، واعترافه بتلقي تلك الرشى، وإقراره بإفساح المجال أمام التحقيق لكي يأخذ مجراه.

دفعت هذه التطورات المشهد السياسي والحزبي في إسرائيل إلى مرحلة جديدة تنذر بتحول هذا المشهد نحو المزيد من المشاكل بعد سقوط باراك وليبرمان، وربما نتنياهو… وبعدما بدأت الاصطفافات والاستحقاقات الانتخابية تبرز إلى العيان، سواء داخل حزب الليكود أم حزب (إسرائيل بيتنا) أم حزب كاديما، أم حزب العمل، زائد الائتلاف الحكومي اليميني المتشدد عموماً.

لقد ضاق المجتمع الإسرائيلي وجميع الكتل الحزبية ذرعاً بنتنياهو وحكومته في ضوء الإخفاقات السياسية والعسكرية في الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة، وفي ضوء قضايا الفساد التي اتهم بها أكثر من وزير، وآخرهم كان ليبرمان.

إسرائيل.. شيخوخة مبكرة ومستقبل مجهول!

تنشغل الأحزاب والكتل السياسية، وينشغل المحللون والمفكرون الإسرائيليون، بإعداد البرامج الانتخابية وإقامة الندوات الحوارية من أجل الاستحواذ على الجمهور اليهودي. غير أن انتخابات الكنيست الـ19 مع بداية العام 2013 تكتسب أهمية خاصة ومميزة، بل خطيرة بالنسبة إليهم، لأسباب عديدة أهمها:

1 – بلوغ (دولة إسرائيل) سن الخامسة والستين، أو وقوفها على (ضفاف الشيخوخة)، بحسب توصيف الاكاديمي الاسرائيلي إيلان بابيه.

2 – القراءة السوداوية المتشائمة التي تسم تحليلات غالبية علماء الاجتماع والمفكرين الإسرائيليين ذوي الصلة بمستقبل إسرائيل.

3 – الأحداث والتطورات الخطيرة والمصيرية التي تجتاح المنطقة والإقليم، أو ما يطلق عليه (ثورات الربيع العربي) وتأثيرها على مستقبل إسرائيل.

إضافة إلى ما يمر به المجتمع الإسرائيلي في هذه الأيام من جدل حول أكثر القضايا مصيرية والمتصلة بمستقبله… فإذا كان الجدل الداخلي يأخذ طابعاً (أمنياً) يتصل بالوجود الإسرائيلي وسبل ديمومته، وما بات يعرف بـ(حزمة الأخطار والتهديدات الاستراتيجية الوجودية) بحسب تقرير شعبة المخابرات العسكرية الإسرائيلية المحدقة بإسرائيل في هذه المرحلة الراهنة والمستقبلية، فإنه في الوقت نفسه يطاول النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ولأن إسرائيل منذ قيامها عام 1948 ربطت مستقبلها بقوتها وتفوقها عسكرياً، فإن المؤسسة العسكرية تمثل محور هذا الجدل بحكم صلاحياتها الواسعة ودورها في صناعة السياسة الإسرائيلية.

إن الأسئلة الوجودية الكبرى التي تطرحها إسرائيل على نفسها هذه الأيام هي في جزء كبير منها نتاج لهذه المرحلة التاريخية من عمرها، لكنها باتت أكثر إلحاحاً نتيجة التطورات الداخلية والإقليمية والدولية التي تركت تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة في المجتمع والسياسة والاقتصاد والجيش وفي جميع مناحي الحياة في إسرائيل، بدءاً من التحولات الكبيرة التي ألمّت بالعالم خلال القرنين الماضيين، مروراً بمؤتمر مدريد ومن بعده أوسلو ووادي عربة، والتي انعكست إيجاباً على موازين القوى لمصلحتها، وانتهاء بالانسحابين من جنوب لبنان وقطاع غزة من طرف واحد، ومؤخراً الحرب العدوانية على قطاع غزة ومفاعيلها العميقة على بنية إسرائيل السياسية والعسكرية بالتحديد، ووصول عملية التسوية إلى طريق مسدود، وتداعيات ذلك كله على ما شخصه غيورا إيلاند، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي سابقاً، بـ(البيئة الاستراتيجية المحيطة بإسرائيل).. ثم في زيادة حدة الانقسامات الاجتماعية والدينية والطائفية والحزبية، التي تمظهرت في العقد الأخير وانعكست أيديولوجياً وسياسياً بالانزياح الحاصل باتجاه المزيد من التطرف والتشدد والعنصرية التي عبرت عن نفسها في مجيء وذهاب عشر حكومات في أقل من عشر سنوات، ما يعكس جانباً من أكبر الأزمات التي تشهدها إسرائيل راهناً، والتي باتت تعرف بـ(أزمة القيادة)!

المعركة الانتخابية… وبرامج الفصل العنصري (ديمقراطياً)

بدأت المعركة الانتخابية للكنيست التاسع عشر للتو، وبعد العدوان الواسع الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة مباشرة، والذي اصطف خلاله معظم الجمهور الإسرائيلي ووسائل الإعلام وراء العسكر… فقد رأى معظم الإسرائيليين مشاهد الدمار الشامل واستهداف المدنيين الآمنين في قطاع غرة (رداً ملائماً) على الهجمات الصاروخية التي تطلقها المقاومة الفلسطينية، عقب الانسحاب الإسرائيلي من طرف واحد عام 2005. أما الحصار الذي تلا ذلك وقضية اللاجئين التي لم تحل، واستمرار أعمال العنف الإسرائيلية، وبناء المستوطنات، فقد تركت جميعها خارج النقاش العام. والشعور السائد حالياً في الداخل الإسرائيلي هو الرغبة في الانتقام من الشعب الفلسطيني ومقاومته وسلطته التي رسمت لها صورة (شيطانية).

وتؤكد معظم الأحزاب والكتل السياسية الإسرائيلية، مدفوعة بنزعة عسكرية واسعة الانتشار ضرورة (الصلابة والتشدد)، وذلك على حساب مناقشة القضايا الساخنة المتعلقة بالمجتمع، مثل تفشي الفساد الذي أطاح بوزير الخارجية ليبرمان، والتطبيق السريع لسياسات اقتصادية نيوليبرالية، واتساع الفجوات الاجتماعية والاقتصادية على نحو مثير للجدل، والكساد الاقتصادي المنتظر، وأزمة التعليم والصحة والتأمينات الاجتماعية.

لقد أصبح (الأمن) هو التعبير المخفف المستخدم كناية عن معظم التدابير المناهضة للشعب الفلسطيني (صيغت بعبارة: المناهضة للعدو)، والتي طغت على القضايا الأخرى كلها، كما هي العادة في المجتمعات القائمة على التمييز العرقي. فـ(الأمن) يمكن أن يبرر الآن كل تدبير يمس الشعب الفلسطيني مثل (حواجز طرق، أموال الضرائب العائدة للسلطة، الاغتيالات والاعتقالات، التوسع الاستيطاني)، كما أن استخدامه مبرراً، أدى إلى كشف طريقة عمل نظام (الفصل العنصري) الزاحف على جانبي (الخط الأخضر)، فقد استخدمت هذه التدابير وسائل متعددة كي تتلاءم مع مختلف الأوضاع القانونية للفلسطينيين، وإن كانت تخدم غرض السيطرة العرقية ذاته. إن الفصل العنصري ليس سياسة معلنة أو مجازة قانونياً في إسرائيل، وإنما بشكل سلسلة من الممارسات المتراكمة واللوائح وأعمال العنف التي تستخدم لفصل اليهود عن الفلسطينيين، وللحفاظ على التفوق اليهودي، وهناك معارضة يهودية (من جانب اليساريين والليبراليين) لهذه الإجراءات، لكن يبدو أنها غير قادرة على إحداث تغيير ملموس في مسار الأحداث هذا.

في ظل هذه الأوضاع، أصبح الأمن هو القضية الجوهرية المطروحة للنقاش في حملة انتخابية أحادية البعد، وقد صبّ هذا الأمر في مصلحة الكولونياليين والمتدينين والقوميين اليهود، وذلك على حساب اليساريين والليبراليين… وهذه بعض الأمثلة المعبرة:

ينقسم الجسم السياسي الإسرائيلي إلى ثلاث كتل رئيسية، وذلك على أساس رؤاها المختلفة للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي:

1 – المعسكر الكولونيالي: ويشمل حزب الليكود وإسرائيل بيتنا ومعظم الأحزاب الدينية اليهودية والاستيطانية والعنصرية الأخرى. وتعارض هذه الأحزاب حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وحق العودة، وإقامة الدولة المستقلة، وتؤيد الاستعمار الجاري للضفة الغربية، وترفض تقسيم القدس، أو الإقرار بأن القدس الشرقية هي أراض فلسطينية احتلت عام 1967، وتدعو إلى (يهودية الدولة) وتعميق الطابع اليهودي لإسرائيل، وربما تقفز حصتها في هذه الانتخابات من 50 إلى 65 مقعداً من مقاعد الكنيست الـ120، أي زيادة بنسبة 30%.

2 – معسكر التمييز العرقي الشوفيني: ويشمل أحزاب (الوسط)، ولا سيما حزبَا كاديما والعمل، وهذه الأحزاب تؤيد (شكلياً) مشروع (حل الدولتين)، لكن موقفها من المستوطنات في الضفة الغربية ينطوي على تناقض، فهي تعترف بـ(ضرورة إخلاء المستوطنات، لكنها تسعى للاحتفاظ بمعظمها داخل الحدود المستقبلية لإسرائيل). ويرى هذا المعسكر أن إسرائيل (دولة يهودية)، وهو يعمل من أجل تهويد القدس ويرغب في إبقاء فلسطينيي أراضي الـ48 مهمشين. في حين يعلن التزامه بالديمقراطية، وربما يتراجع هذا المعسكر تراجعاً صارخاً من 41 إلى 30 مقعداً، أي تراجع بنسبة 22%.

3 – المعسكر الديمقراطي: ويشمل الحزب الإسرائيلي اليساري الليبرالي (ميرتس)، وكذلك الحزب العربي- اليهودي الاشتراكي، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حداش)، وحزبين عربيين آخرين هما التجمع الوطني الديمقراطي (بلد)، والقائمة العربية للتغيير (الموحدة). وتؤيد هذه الأحزاب قيام دولة فلسطينية مستقلة تماماً على الأراضي المحتلة عام 1967 وبضمنها القدس الشرقية، وتعارض الاستيطان خارج حدود (دولة إسرائيل)، وتنادي بـ(دولة لجميع مواطنيها)، بدلاً من (دولة يهودية)، وتدعم الحقوق القومية وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.

المستقبل، بيروت، 29/12/2012

مقالات ذات صلة