المقالات

معارك إنهاك الأمة ونتنياهو

معارك إنهاك الأمة ونتنياهو

بكر أبوبكر

يواجه السياسي الفلسطيني بحرا متلاطما من الصعوبات التي تراكمت اليوم لتجعل من مهمته شبه مستحيلة في إقليم يعاني من الأمراض، بل ويدمر أمام أعيننا حيث الهدف هو إسقاط أي قوة (أو فكرة) عسكرية أو مؤسسية منظمة، أو حتى معنوية من أمام دولة (إسرائيل)، فنرى بوضوح حجم العبث المقصود والمخطط المرعب لتدمير الأمة العربية التي فقدت جيشها وقوتها من العراق إلى اليمن إلى سوريا، والمستهدف الآن هو تدمير الجيش المصري البطل.

المفاوض الفلسطيني يخوض معركة شرسة ربما من أشرس ما واجهه في حياته السياسية، فهو يسير في بحر هائج من الضغوطات التي من المتوقع (أو المؤمل اسرائيليا) أن تهدّه وتضعفه وتجعله مستكينا ضعيفا ليقدّم ما لا تقدر عليه الجبال من تنازلات، فهو يتحرك ضمن منحدرات وأمواج بل في بركة آسنة أو كما يقول صائب عريقات في المجاري.

إلا أن ما نراه من صلابة المواقف وقوة الإرادة والصرخات الفلسطينية المتكررة بقول ]لا[ من القيادة السياسية والمعارضة معا ، تجعلنا نقول أن قوة وعدالة القضية وإرادة الشعب والقيادة بالتأكيد ستصمد وستتغلب على كل صيغ الضغوط ومحاولات التدمير.

إن تمزيق المنطقة بشكل ممنهج يهدف لإعادة تركيبها ثانية وفق المصالح الكبرى للاعبين الكبار، وإذ تتمحور دول الإقليم ضد بعضها البعض فانه لا يبقى لاعبا رئيسيا في المجال المفتوح إلا المحتل الصهيوني في حقيقة الأمر.

أسقطت سوريا من خريطة التوازنات في ظل نظام شرير لا يرى أبعد من أنفه، وفي ظل قوى تطرف تتمسح بالإسلام تدمر وتقتل بلا رادع من دين أو ضمير أوأخلاق تماما كما يفعل النظام دون أدنى إحساس بالمسؤولية عن الشعب.

وأضعفت إيران وتم ايقاعها تحت مقصلة العقوبات والتهديدات المتكررة بالتدمير والقصف مع فتح شهيتها للهيمنة الإقليمية المحدودة، وأرعبت دول الخليج بفزاعة إيران وكأنها العدو لا غيرها لتصبح (إسرائيل) حليفا لبعض العرب كما قال نتنياهو في دافوس، ما لانظنه ولا نقرّه عليه، فأشقاؤنا هم أشقاؤنا ومهما حاول العدو وضع الإسفين بيننا فلن ينجح أبدا.

حول سوريا اليوم تدور معارك الإنهاك للمنطقة في العراق وتركيا كما في سوريا المنهارة، فإنهاك هذه المنطقة “الشرقية” من فلسطين والتي وصل الإنهاك القبلي والإرهابي والطائفي فيها حدود الكسر يقابله سعي حثيث لإنهاك الجناح “الغربي” لفلسطين في مصر حيث تحالف الشياطين من المتطرفين المخمورين بفكرهم اللااسلامي الذين استبدلوا (بيت المقدس) في فلسطين بالقاهرة والإسكندرية والعريش والسويس التي وجههوا لها سهام الحقد والقتل باستعداء الجيش المصري والشعب العظيم.

وها هي تتكشف النوايا بهدم أركان عملية التفاوض، أو هدف إقامة دولة فلسطينية باشتراطات نتنياهو المتتالية التي منها ما يسميه “اليهودية” ، وكأن المذهب أوالديانة أصبحت “قومية” لمتعددي القوميات من سكان الكيان اليوم كما يعتقد، في سعي حثيث لانتزاع اعتراف الضحية برواية الجلاد التاريخية المكذوبة، فالأرض لنا كانت وستظل مهما كان من سكنها اليوم أو شاركنا فيها.

وما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي من رفض إخلاء أي مستوطنة في الضفة الغربية وفي الأغوار دلالة أخرى تزيدنا إصرارا على رفض العنجهية والتعنت التي تعانقت مع تلك الدعوات اليمينية لإقامة ما يسمى الهيكل المزعوم (الذي هو تاريخيا إن وجد فهو في فضاء جغرافي بعيد عنا ولمملكة انقرضت كليا كما أثبت البحاثة والعلماء اليوم)على أنقاض المسجد الأقصى.

إن المحيط الذي تعيشه القضية الفلسطينية متوتر وغير مستقر بل تكاد الأوراق كلها تفلت من أيدي العرب، لولا بصيص أمل يجب السعي له باقامة تحالف عربي يعيد للأمة وحدة أمنها وخطابها القومي، أو وحدة المسار والهدف ما يتوجب أن تصل له الدول العربية الكبرى وعلى رأسها مصر والسعودية والجزائر وكل العرب.

إن تدمير النسيج الاجتماعي والثقافي العربي، والسعي لتجزئة الأمة أكثر وأكثر وإشغالها في حروب طائفية تستبدل العدو الصهيوني بعدو سني ومقابلة عدو شيعي، أو بعدو هو الدولة وليس الحكم -أي دولة- ومقابله فكرة هدم النظام والدولة سيجعل من الأمة أشلاء وأجزاء قد تفوق الثلاثين ما يحقق أحلام الشرق الأوسط المثير والكبير والمدمر تدميرا.

إننا وان كنا نعتقد أن من واجب المفاوض الفلسطيني الكثير من الفعل حيث قلنا في مقال سابق: يجب أن نفكر معا ما يمثل الشعار الحقيقي لأي عمل منظّم أو لأي حوار، والتساؤل الدائم بالبحث عن إجابات “بفتح أقفلة العلم” كما قال ابن سيرين ، وبالعمل الجماعي أو بروح الفريق ما يحقق التساند ويقلص التنازع ويزيد من قوة الأداء وثقة الشخص بذاته وآرائه، فاننا نؤكد -رغم عدد من التحفظات على أداء المفاوض الفلسطيني- أن القضية الفلسطينية لا تقف عند حد وضعها بين يدي قلة، على أهمية عملهم.

المتوجب فيما نراه أن يشرك في حل القضية أوسع القطاعات الفكرية والثقافية والسياسية ، في كل جزئية أوتفصيل ذو صلة ، وجعل الناس تشعر أنها مطلعة ومطلة ومنخرطة في شان مستقبلها، وإلا فما هي النتيجة المتوقعة لتهميشها ؟ كما هو المطلوب أيضا السعي له تجاه العرب بدفع الإقليم لمزيد من التقارب والقضاء على الفرقة وتحقيق الوحدة بأي من أشكالها، وهي المعوّل عليها رفد القضية ودعم السياسي والمناضل العربي الفلسطيني.

إن الفضاء المحيط بنا يهتز، وان لم نسهم في استقراره على الأقل بوحدتنا واعادة ترتيب أوراقنا ورؤية المستجدات الاقليمية والعالمية، حيث تبرز قوى جديدة وآليات عمل جديدة، وفي اكتساب قوى الداخل الحيّة فان خطاب نتنياهو وأشياعه قد يسود لفترة ستطول.

مقالات ذات صلة