المقالات

جولة أوباما ما بين الطرب والترقيع !

جولة أوباما ما بين الطرب والترقيع !

د.عادل محمد عايش الأسطل

أخيراً تحققت الزيارة الرئاسية الأمريكية للمنطقة (المثيرة للجدل) حول إمكانية إتمامها من عدمه، في ضوء البلبلة السياسية التي ظللت إسرائيل، في أعقاب العملية الانتخابية، وما أسفرت عنها من مفاجئات حزبية وسياسية، كان لها الأثر الكبير في قلب الخارطة الحزبية والسياسية في إسرائيل. وفيما إذا كانت تلك الزيارة، تحمل مضامين جديدة وتفتح آفاق مبتكرة، وخاصةً في شأن القضية الفلسطينية. فمنذ أن تم الإعلان عنها، كانت محل خلاف وتساؤلات، بين الساسة والمحللين سواء الفلسطينيين أو الإسرائيليين والأجانب أيضاً وخاصةً الساسة الأمريكيين، فيما إذا كانت تحمل جديداً من عدمه للمنطقة، فقد كثر الحديث حول التأكيد بأن الزيارة أعدت للاستماع فقط، وأنها لا تحمل أية مبادرة سياسية جديدة.

خطأ هؤلاء الساسة أو المحللين في الاتجاهين، لم يكن كثيراً، بحيث لم يؤثِر على درجاتهم ومراتبهم، سواء من حيث مسألة الاستماع فقط، أو من أن الزيارة لن تخلُ من حديث عن مبادرة جديدة محسّنة أو مشروع سياسي مطوّر، يهدف إلى حل القضية الفلسطينية. فقد جاء للاستماع كأولوية لديه، إلى جانب تأكيده على إحياء مشروع حل الدولتين وإن كان (كعنوان) فقط.

إن الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” لم يلتفت بدرجة كافية للمطالب الفلسطينية، التي أُعدّت بعناية، بهدف اطلاعه عليها ووضعها على رأس أجندته، لكن الرجل أبى أن يحمل ما لا طاقة له. فلم يشأ أن يحفل بملف الأسرى أو أن يحتهد ليفهم رسالة ذويهم، ولم يستطع الاستماع إلى أي شيء عن العمليات الاستيطانية المسعورة، ولم يأبه لمسألة تهويد المدينة المقدسة، ولم يشأ رؤية الجدار العازل، وعزف عن مشاهدة المستوطنات المنتشرة في الأراضي الفلسطينية، وأمضى تصميمه برفض الذهاب إلى قبر الراحل “ياسر عرفات”.

بينما أبدى مرونة غير مسبوقة، في زيادة الدعم المالي والأمني لإسرائيل، ومرونة أكثر في مسألة الإفراج عن العميل الإسرائيلي “جوناثان بولارد” المعتقل لدي الولايات المتحدة منذ 29 عاماً. وطاف أنحاء إسرائيل شرقها وغربها، بدءاً بزيارة قبر مؤسس الصهيونية “ثيودور هرتزل” ومروراً بقبر “إسحق رابين” وانتهاءً بالمكوث في مؤسسة (ياد فاشيم- ذكرى الكارثة والبطولة) والنواح داخلها، علاوةً عما أكّده المسؤولون الإسرائيليون منذ اللحظات الأولى من الزيارة، من أنها قد فتحت صفحة جديدة في العلاقات الأمريكية –الإسرائيلية، وصلت إلى حدود وضع المصلحة الإسرائيلية فوق المصالح الأميركية.

حتى قبل هبوطه في (بن غوريون) كان لا يزال مستشاروه يراجعوه فيما حفظه عن إسرائيل – دولة وسياسة وتطورات – ولم يتركوه حتى حفظ عن ظهر قلب، ما يحبه الإسرائيليون ويبغضونه ولو سُئل عن عدد المثليين في إسرائيل، لأجاب دون وضع إصبعه بين أسنانه ومن غير تأتأة.

ربما ما أسرّ الرئيس الفلسطيني “أبومازن” وأثلج صدره، هو ما حرص “أوباما” على طرحه على مسامعه، بشأن سعيهِ الدؤوب في سبيل انجاح مشروع حل الدولتين حتى نهاية 2014، مشدداً على أن من حق الفلسطينيين أن يكونوا شعباً حراً في أرضهم”. ولكن سرعان ما انتفى هذا السرور، والشعور بازدياد الحرارة، حيث بدت أجهزة التكييف بلا فائدة، عندما فتح الضيف فمه من جديد وأردف بتأكيدٍ آخر، وهو ضرورة الاعتراف بدولة يهودية خالصة مخلّصة. وبدى الرئيس “أبومازن” في تلك اللحظة مثله مثل الذي كانت لديه جارية مُنشدةً غنّاء، فكلما أنشدت على هواه، سُرّ سروره وطار فرحاً، حتى يُقطع ثيابه من عظيم الطرب، فإذا ما أنشدت على هواها هي، عاد إلى وعيهِ، وجعل يرقع ما قطّعه.

يهودية الدولة، وربما في هذه المرحلة على الأقل هي (العقدة التي يتوقِف حيالها النجار) حيث ضمّن “أوباما” قوله، بأن وجود دولة فلسطينية مرهون بوجود دولة (يهودية) وزاد كما في كل مرة (آمنة)، لافتاً بأن على الفلسطينيين الاعتراف بها، ومن بعدهم البقية الباقية من الأشقّاء العرب. ومنبهاً، إلى أن إسرائيل هي أقوى دولة في المنطقة وتواصل دعمها أقوى دولة في العالم، وأن ليس أمام العرب إلاّ أن يتّخذوا خطوات جريئة، نحو التطبيع الكامل معها. وجعل بأن الهلاك واقعٌ بهم لا محالة، إن لم يفعلوا ذلك. بسبب أن استقرار ونماء المنطقة اقتصادياً وحضارياً مرتبطٌ بهذا الأمر.

كل ما سبق كان ضمن التصريحات المعلنة واطلع عليها الجمهور، لكن التي لم يكن لأحد الاطلاع عليها، هي الاتفاقات الأخرى التي تمّت بين “أوباما” ورئيس الوزراء الاسرائيلي “بنيامين نتانياهو” في اجتماعهما المغلق، كما أورد التلفزيون الاسرائيلي، والتي كانت مُغايرة تماماً لما هو مُعلن للفلسطينيين، في عديد القضايا التي طرحت للنقاش، وأخرى بخصوص المتطلبات الإسرائيلية وعلى رأسها (يهودية الدولة) من حيث إيجاد السبل الممكنة لوضعها أمام الفلسطينيين لتكون دافعاً لإقدامهم على فعل ذلك، ومن ناحيةٍ أخرى ترسيخ قناعة “أوباما” بأن من غير الممكن حيازة الفلسطينيين للأراضي على حساب الدولة الإسرائيلية، حيث تنمّ قناعته عن موافقة الولايات المتحدة بشكلٍ واضح، حول الرؤية الإسرائيلية، بشأن تسوية الحدود النهائية للدولة، متجاهلة المساوئ والأضرار التي ستنشأ على حساب الفلسطينيين في حال إقرارها. بالرغم من تصريحاته المعلنة منذ وقتٍ سابق، من أن النشاط الاستيطاني الاسرائيلي، غير بنّاء وغير ملائم لجهود إحلال السلام.

وبالرغم من أن هذه الزيارة لم تفِ بالمرغوب الفلسطيني، بحيث يمكن الاعتداد بها، أو الاعتماد عليها، كما أجمع الفلسطينيون وغيرهم، إلاّ أن القيادة الفلسطينية رحّبت بها على عِلّاتها، وأعلنت بأنها (جيدة ومفيدة). لننتظر ونرى.

خانيونس/فلسطين

23/3/2013

مقالات ذات صلة