المقالات

“فتح”، “الجهاد”، “حماس” ثلاثي والنبع واحد

“فتح”، “الجهاد”، “حماس” ثلاثي والنبع واحد

حسن خليل حسين

في بداية الستينيات دبت الحركة في صفوف الشباب الفلسطيي، وكانت النفوس معبأة بالمشاعر الوطنية.. كلها يشدها ويدفعها يميناً ويساراً شعار مقدس يلاحقها ليلاً ونهاراً «لن ننساك يا فلسطين.. يحاول أن يجد اتجاهاً يندفع فيه ليعبر عمليا عن ذلك الشعار الذي تتدفق مفرداته في العروق، فلقد طال الفراق واشتعل الشوق وآن للشعب المشرد أن يعود إلى الوطن المقدس السليب ولا شيء يمكن أن ينسي الشعب الشريد وطنه، وكل شيء يحيط به يذكره بذلك الوطن الذي اغتصبه حثالة البشر وشذاذ الوجود.. ثورات في سوريا التي ينتمي إلى أحضانها هؤلاء المشردون كلها تريد لشعب فلسطين أن تنتهي مأساته ويعود إلى القلب الضائع المسلوب وثورة في مصر قام بها شباب مؤمن جرح في كرامته على يد أحقر خلق الله في ظل قيادة خائنة لاهية لا تعير وزناً لجراحاته، وقد تركته بإرادتها يهزم وتتمرغ سمعته في أوحال الذل والمهانة والعار في معركة كان يحسبها سلهة في متناول يديه، فإذا هو ملقى على رصيف الهزيمة يجتر ألامها بدلاً من صنع النصر الذي يتغنى بأمجاده، كان يريد هذا الشباب المكلوم أن ينتصر لكرامته الذبيحة على أيدي طاغية معتوه تحيط به حاشية فاسدة فأطاح هذا الشباب المؤمن برأس الطاغية فرعون وبحاشيته اللاهية المستهترة عام 1952م ورقص شعب فلسطين فرحاً بقرب تحقيق الحلم والعودة المنشودة إلى الوطن المغتصب، فإذا بعشر من السنوات تمضي ولا شيء من ذلك الحلم المقدس يتحقق ولا تباشير للعودة ونهاية المأساة تلوح في الأفق القريب أو البعيد وتمور بالأحداث ساحات سوريا والأردن والعراق وما زالت الرحلة طويلة طويلة والشباب يتحرق شوقاً لإنهاء المأساة!!

وثورة في العراق وشبه ثورة في الأردن يعقبها خلاص للوطن من الكابوس البريطاني المتمثل في الجنرال جلوب باشا وعصابته مما دفع بحماس الشباب الفلسطيني إلى أن ينفجر كالبركان، لكنه تشظى بقوته معبراً عنها بحركات ثورية جاوزت الثلاثين حتى إذا جد الجد تقلص العدد إلى نحو عشرين، أهمها حركة التحرير الوطني «فتح» بجناحها العاصفة وحركة شباب الثأر وحركة القوميين العرب تحت اسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومنها انسلخت الجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية القيادة العامة والصاعقة والجبهة العربية، وهاتان الجبهتان العربية والصاعقة بنتان للبعث العراقي والبعث السوري مفروضتان على الساحة الفلسطينية، بينما خلت الساحة رسميا من الاتجاه الاسلامي الذي كان يرى نفسه ممثلاً في حركة فتح باعتبارها من نتاج شباب ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، قيل إن قيادة الجماعة في مصر رفضت أن تسمح لهم بإنشاء فصيل فلسطيني مستقل خاص بهم فأسسوا حركة فتح به برئاسة ياسر عرفات الصديق المقرب من الجماعة كما هو صديق مقرب من حركة الضباط الأحرار قادة ثورة 23 يوليو بزعامة البكباش (مقدام) جمال عبد الناصر حاكم مصر الذي استطاع أن يقود تياراً كبيراً من شباب الاخوان في فلسطين، ومن قبل في رئاسة رابطة الطلاب الفلسطينيين في مصر قبل أن تتحول إلى اتحاد الطلاب الفلسطينيين 1959م في عهد زهير الخطيب لتصبح قريبة من البعث أكثر من قربها من جماعة الإخوان المسلمين وعمن برزوا في الرابطة ذات الوجه الاخواني المسلم سليم الزعنون وقنديل شاكر شبير وسليمان أبو كرش وأسعد الصفطاوي والمقرب من الجماعة ياسر عرفات وهو الذي استطاع بوصوله إلى الكويت بعد تخرجه مهندساً إلى أن يوجه معظم أبناء الإخوان إلى حركة فتح وأنصارها وأتباعها ومؤسسيها بزعامة خليل الوزير والحاج يوسف عميره التاجر ابن مدينة يافا مؤسس جماعة الإخوان في غزة والكويت ثم في كل فلسطين والأردن منذ الأربعينيات بعد اتصاله بمؤسس الإخوان المرشد حسن البنا عام 1941، وقد ازداد وهج التيار الإخواني في حركة فتح حين وصل إلى الكويت من غزة صلاح خلف الذي يعتبر بمثابة دينامو شباب الإخوان خريج الأزهر مدرساً للغة العربية في قطاع غزة، حيث أضاف إضافة نوعية متميزة بنشاطها سنة 1957 وقد ساهم مع المهندس ياسر عرفات الذي ينافسه في ديناميته كما نافسه في تألق رابطة طلاب فلسطين في القاهرة، لكنه كان أكثر منه في التمسك بفكر جماعة الإخوان المسلمين ثم في جذب العشرات من شباب الإخوان في غزة إلى حركة فتح، واتفق الاثنان على تغيير اتجاه أو تشكيلة حركة فتح حين سمحا أن ينضم إلى قيادتها السيد فاروق القدومي زميلهما في رئاسة رابطة الطلاب بالقاهرة في أعوام 53، 54، 1955م، وهو بعثي الانتماء ثم فتح باب حركة فتح إلى غير شباب الإخوان مما عرض صلاح خلف وياسر عرفات إلى غضب شباب الإخوان المسلمين وخاصة أسعد الصفطاوي في غزة وحمدان عبد اللطيف في الكويت وغزة، لكن معظم هؤلاء وفي مقدمتهم أسعد الطفطاوي تخلوا عن عدائهم لحركة فتح بمجرد نجاجها في 21/3/1968م في معركة الكرامة وانضموا إلى الحركة وخاصة الطفطاوي وفتحي قاسم البلعاوي الذي كان يكون زعيم جماعة الإخوان في غزة منذ وصل إليها منفياً من القاهرة، حيث رفض الملك حسين دخوله إلى الأردن ليلتحق بأهله في الضفة بقرية بلعا بعد أن ضم الملك عبدالله مدن الضفة الغربية إلى مملكة الأردن عام 1949م. وقد اشتهر البلعاوي الخطيب جهوري الصوت في مراكز جماعة الإخوان بمدن ومخيمات قطاع غزة إلى أن تم اعتقاله لأطول من عامين في سجون مصر بعد عدوان إسرائيل على البوليس الحربي ومحطة غزة وذلك في 28 فبراير 1955م، حيث تزعم البلعاوي مظاهرات ضخمة في المعسكرات الوسطى ومدينة غزة لمدة اسبوع ليتم اعتقاله وليعود إلى القطاع صيف 1957م، وقد خضع القطاع إلى الإشراف الدولي لمدة عشر سنوات وقد انطفأ وهج زعامته للقطاع وبرز كل من صلاح خلف وأسعد الصفطاوي كقادة لشباب قطاع غزة، وبرزت كل من الفترة تيارات وطنية جديدة في قطاع غزة قام بها شباب البعث العربي في ظل قيام الجهمورية العربية المتحدة بزعامة جمال عبد الناصر، وكذلك بروز حركة القوميين العرب بزعامة جورج حبش وقادها في غزة صباح ثابت ومحمد شعبان أيوب واستطاعت الحركة أن تسحب الكثيرين من شباب الإخوان المسلمين.

السبيل، عمّان، 8/2/2013

مقالات ذات صلة