اخبار الوطن العربي

دراسة صهيونية: الحالة الإقليمية السياسية والأمنية القائمة قبل وبعد عملية “عامود السحاب”

دراسة صهيونية: الحالة الإقليمية السياسية والأمنية القائمة قبل وبعد عملية “عامود السحاب”

أفنير غولوب: كان الردع هدفاً مركزياً في عملية “عمود السحاب” وكانت غايته إعادة الهدوء إلى جنوب البلاد، حيث سارع وزير الحرب ووزير الخارجية “الاسرائيليان” إلى إعلان أن العملية أحرزت أهدافها كاملة، لكنهما حينما اتجها إلى تقدير هل سيتم الحفاظ على الهدوء في الجنوب وكم من الوقت، امتنعت جهات مختصة واكاديمية معا عن اعطاء تحليل منهجي واستنتاج واضح.

يكمن سبب ذلك في مشكلة القياس التي تميز الردع. إن هدف الردع هو جعل اللاعب “أ” يغير سياسته ويمتنع عن عملية مخطط لها بسياسة تهديد من اللاعب “ب”. وترمي التهديدات إلى تغيير حسابات الكلفة – الفائدة عند اللاعب “أ”، وأن تؤثر بذلك في قراراته بالفعل. ويتعلق نجاح سياسة الردع بقرار اللاعب المردوع. ولهذا اذا لم يغير اللاعب “أ” قراره وعمل بحسب ارادته فيمكن ان نستنتج ان سياسة ردع اللاعب “ب” قد فشلت، واذا غير سياسته فهناك أساس لزعم أن سياسة الردع قد نجحت، وينبغي أن نفحص أي دور أدته التهديدات في قرار الطرف الذي تم ردعه. ويتضح من هذا أن نجاح الردع يمكن ان يُقاس بالنظر الى الوراء فقط ومن وجهة نظر اللاعب المردوع فقط.

هناك ثلاثة شروط لنجاح سياسة الردع وهي:

1- نقل التهديد: فعلى الطرف الرادع أن ينقل رسالة تهديد الى الطرف الذي يريد ان يردعه.

2- صدق التهديد: يجب أن يُرى التهديد صادقا كي يؤثر في اتخاذ الطرف المردوع للقرارات لأنه اذا رأى الطرف المردوع انه تهديد باطل فلن يؤثر في مسار اتخاذ قراراته. ويتألف هذا الشرط من عنصرين: يجب على الطرف المردوع ان يؤمن بأن للطرف الرادع القدرة على تحقيق تهديده بالفعل وبأن الطرف الرادع مصمم على العمل اذا نفذ الطرف المردوع العمل المحظور.

3- يجب ان يكون اتخاذ الطرف المردوع للقرارات موجها ب “عقلانية استراتيجية” – وهذا مصطلح يصف مسار الفحص عن الاختيارات على نحو منظم بحسب فائدتها وكلفتها، واختيار الاختيار ذي أفضل نسبة بين الفائدة والكلفة. وهذا شرط ضروري لأن تهديدات الطرف الرادع ترمي الى رفع كلفة العملية المحظورة ومضاءلة جدواها بحيث تكون غير ذات جدوى اذا قيست بالاختيارات الاخرى ولا سيما اذا قيست باختيار الحفاظ على الوضع الراهن. وعلى ذلك ينبغي ان نفحص بالنظر الى الوراء أي العناصر في الردع الاسرائيلي لحماس ضعفت أو تداعت قبل عملية “عمود السحاب” وأن نفحص بعد العملية الى أي حد تمت اعادة بنائها. وهذا التحليل لنقطتي الزمان هاتين قبل العملية وبعدها يتم مع حصر العناية في العناصر التي أرادت القيادة في اسرائيل تعزيزها وفي رسائل الردع التي نُقلت من اسرائيل الى حماس وفي محاولة تقدير كيف استُقبلت هذه الرسائل في غزة.

العلاقات بين حكومة مرسي في مصر واسرائيل

– قبل العملية: كان الخوف في “اسرائيل” قبل العملية من ان يفضي تولي حزب “الاخوان المسلمين” للحكم في مصر الى توثيق العلاقات بين حماس ومصر والى المس بعلاقاتها “باسرائيل”. وكان التقدير أنّ حماس تؤمن بأنّ الرد “الاسرائيلي” على تحرشاتها وتحرشات المنظمات الفلسطينية في غزة سيكون ضيقاً بسبب الطموح الاسرائيلي الى الامتناع عن ضعضعة العلاقات بحكومة مرسي في مصر. أي أن حماس توقعت أن يضر الخوف “الاسرائيلي” من المس بالعلاقات بحكومة “الاخوان المسلمين” لمرسي بالتصميم “الاسرائيلي” على تحقيق تهديدات “اسرائيل” وان يكون الثمن الذي ستدفعه حماس عن زعزعة الوضع الراهن على حدود “اسرائيل” الجنوبية منخفضاً ومحتملا.

– بعد العملية: نقل الهجوم الجوي “الاسرائيلي” الكثيف رسالة رادعة الى حماس يبدو أنها أعادت بناء بعض مركب تصميمها فقط: فمن جهة عملت “اسرائيل” في غزة ثمانية أيام برغم المعارضة المعلنة لسلطة الاخوان المسلمين المصرية. ومن جهة اخرى كانت التهديدات المصرية المعارضة لاجتياح بري اسرائيلي لقطاع غزة أداة ضغط مهمة على اسرائيل في اثناء القتال، وينبغي ان نتوقع ان يستمر هذا الضغط في المستقبل القريب ايضا. فقد برهنت مصر على أنها قادرة على ان تضائل كثيرا الرد الاسرائيلي والثمن الذي ستضطر حماس الى دفعه في المستقبل. ويبدو ان حماس توقعت ان يكبل التأثير المصري يد اسرائيل، وبرغم ان هذا التوقع لم يتحقق فانه يبدو ان مصر قادرة على الحفاظ على ان يكون الثمن الذي ستدفعه المنظمة عن تحرشاتها في المستقبل غير مهدِّد لسلطتها في غزة ويُرى بسبب ذلك انه ثمن محتمل.

عالم عربي مختلف

– قبل العملية: “زعمت” قيادة حماس أنّ أحداث “الربيع العربي” غيرت صورة الشرق الاوسط وعززت القوى الاسلامية وزادت تأثير الشعب في اتخاذ النظام للقرارات في دول المنطقة، وفي مقابل ذلك قدروا في “اسرائيل” أنّ حماس توقعت ان تنشأ مظاهرات واضطرابات في الدول العربية المختلفة رداً على عملية “اسرائيلية” في غزة. وان توجب هذه الاضطرابات على الزعماء العرب أن يعملوا على كف جماح الرد “الاسرائيلي” وأنّ يضر ذلك بالقدرة “الاسرائيلية” على تحقيق تهديداتها ومضاءلة الكلفة التي ستضطر حماس الى دفعها عن تحرشاتها.

– بعد العملية: في خلال القتال أفاد المحلل اهود يعاري أن قيادة حماس عبرت عن خيبة أمل من الردود في “العالم العربي” على الهجوم “الاسرائيلي” ونقلت رسالة الى الحكام المختلفين أن عليهم ان يعملوا على صد العدوان الاسرائيلي. وبرغم التنديدات المعتادة من الزعماء العرب والمظاهرات في الضفة الغربية والاردن لم تُحدث الدول العربية ضغطاً كبيراً على “اسرائيل” بل بالعكس فقد أظهر الزعماء العرب وجزء من الجمهور العربي عدم اكتراث ما وفضلوا الاستمرار في حصر العناية في المذبحة التي ينفذها الاسد في شعبه في سوريا. وقد عبر الاعلام العربي عن هذا الاتجاه حينما نشر صور الفظاعة من غزة نتاج القصف الجوي الاسرائيلي لكنه استمر في نفس الوقت يبث صورا قاسية من سوريا ايضا. وهكذا كان اطلاع الجمهور العربي على ما يجري في غزة أقل مما كان في الماضي. ولم يقوى الضغط على أكثر الزعماء العرب بصورة كبيرة وعلى ذلك لم تتغير سياستهم في مواجهة الهجوم الاسرائيلي تغيرا حادا، وكان من نتيجة ذلك ان كان الضغط الذي استعملوه على اسرائيل محدودا. وتشير رسائل خيبة الأمل التي نقلها كبار مسؤولي حماس في اثناء القتال وبعده الى احتمال أنهم أدركوا ان قدرة هذا العنصر على مضاءلة الثمن الذي ستجبيه اسرائيل من المنظمة ما تزال محدودة جدا.

سياسة رد واهية من المستوى السياسي

– قبل العملية: منذ بدأت ولاية الحكومة الحالية نقلت رسالة أنها لا تريد أن تحصر اهتمامها بالتهديد من حماس وأنها ليست مصممة على العمل على مواجهتها – وذلك للحفاظ على جهودها في الساحة الدولية لمواجهة البرنامج الذري العسكري الايراني. وبرغم تهديدات مكررة من مسؤولين كبار في الجهاز الامني، من رئيس هيئة الاركان الى رئيس الوزراء، بأن “اسرائيل” سترد في حزم على كل عمل “ارهابي” موجه على مواطنيها، كان الرد “الاسرائيلي” بالفعل مكبوحاً. وكانت حكومة اسرائيل في الاشهر الاخيرة مستعدة ايضا لاحتمال اطلاق عدد من القذائف الصاروخية كل يوم على بلدات غلاف غزة من قبل المنظمات الارهابية الفلسطينية في القطاع. وكان الرد الاسرائيلي في الأكثر “اصابة رمزية” للبنى التحتية للمنظمات. وبعد أن بدأت حماس ايضا تعمل علنا في مواجهة الجيش “الاسرائيلي” كان الرد الاسرائيلي ضيقا ولم يكن يرمي الى الاصابة الشديدة للمنظمة ورجالها. وكانت نتيجة ذلك ان استطاعت قيادة حماس ان تستنتج ان صدق التهديدات الاسرائيلية ليس عاليا وان الثمن الذي ستضطر حماس الى دفعه عن ضعضعة الوضع الراهن ليس كبيرا. فكان هدف عملية “عمود السحاب” ان تقوي صدق التهديدات “الاسرائيلية”.

– بعد العملية: أثبت رئيس الوزراء ووزير الحرب “الاسرائيليان” قدرة على الرد بقوة على اطلاق الصواريخ على “اسرائيل” وعلى تحقيق تهديداتهما بذلك، فقد جبت العملية ثمناً باهظاً من حماس هو: اغتيال رئيس الذراع العسكرية للمنظمة أحمد الجعبري؛ والاضرار الشديد بالمنظومة الاستراتيجية للمنظمة وتدمير بعض بناها التحتية في القطاع. ونقلت اسرائيل رسالة أنها غير مستعدة لأن تتحمل زمنا طويلا نشاطا موجها على مواطنيها وجنودها الموجودين في داخل اسرائيل وان الثمن الذي ستضطر حماس الى دفعه عن سياستها سيكون باهظا. لكن لا تستطيع هذه العملية ان تعيد بناء عنصر الردع هذا كليا. فقد تلقت حماس ضربة شديدة في الحقيقة لكن القتال مكّنها من الحصول على انجازات وتنازلات من اسرائيل لم تكن مستعدة لاعطائها في الماضي مثل الموافقة على التسهيلات في الحواجز. وهكذا كانت الرسالة “الاسرائيلية” الى جانب الثمن الباهظ هي ان التصعيد يعطي حماس وسائل ضغط ومكاسب كبيرة.

إن سياسة “اسرائيل” بعد العملية وردودها على الاعمال “الارهابية” من قبل المنظمات “الارهابية” الفلسطينية في قطاع غزة في الفترة القريبة ستحدد صدق هذا العنصر: فهل الحديث عن سياسة جديدة تحقق التهديد بجباية ثمن باهظ عن كل عملية “ارهابية” أو هل الحديث عن عودة الى السياسة التي ميزت حكومة اسرائيل بعد عملية “الرصاص المصبوب” والتي سلمت في الحقيقة ل “تقطير” الصواريخ من غزة. والخلاصة النهائية هي: هل الثمن الذي ستدفعه حماس عن عملياتها في المستقبل حتى المحدودة منها سيكون أعلى مما كان في الماضي؟ وسيكون هذا السؤال في مركز تقديرات حماس حينما تتجه الى تقدير صدق الردع “الاسرائيلي” في الاشهر القريبة.

انتخابات في “اسرائيل”

– قبل العملية: قدّرت جهات أمنية في “اسرائيل” ان الردع “الاسرائيلي” قد ضعف في الفترة الاخيرة بسبب الظل الذي ألقته انتخابات الكنيست في “اسرائيل”، هذا فوق عدم التصميم “الاسرائيلي” في السنوات الاخيرة. وذلك برغم ان عملية “الرصاص المصبوب” ايضا قد بدأت في موعد قريب من الانتخابات في سنة 2009. وهم يؤمنون بأن قادة حماس قدروا بأن القيادة “الاسرائيلية” الحالية، بخلاف حكومة اولمرت في 2009 تريد الامتناع عن عملية عسكرية كبيرة في غزة حتى الانتخابات في “اسرائيل” خشية ان تجبي العملية ثمنا سياسياً باهظاً يترجم الى فشل في الانتخابات. وفرضت حماس بحسب هذا التوجه انه برغم تهديدات كبار المسؤولين “الاسرائيليين” المكررة بأنه يُحتاج الى رد حازم على اطلاق الصواريخ من غزة والنشاط الارهابي قرب الجدار حتى في الفترة التي تسبق الانتخابات في اسرائيل، فان استعداد متخذي القرارات في اسرائيل لتحقيق هذه التهديدات سيكون ضئيلا.

– بعد العملية: نقلت “اسرائيل” رسالة واضحة أنها لا تمتنع عن عملية في غزة قبل الانتخابات. وقد نقلت اسرائيل هذه الرسالة في الماضي كما قلنا آنفا – بواسطة عملية “الرصاص المصبوب” – لكن يبدو ان الرسالة الاسرائيلية الى حماس هذه المرة هي ان اسرائيل مستعدة لأن تحقق بعض تهديداتها على الأقل حتى في موعد قريب من الانتخابات، قد نُقلت بصورة أكثر فاعلية. وأشارت تصريحات وزير الخارجية ليبرمان بأن على “اسرائيل” ان تمتنع عن عملية واسعة في القطاع الى ما بعد الانتخابات، الى ان اسرائيل مستعدة للعمل بصورة محدودة لكنها غير مستعدة لتحقيق تهديدات أشد صدرت وان تعمل بصورة شاملة على اسقاط سلطة حماس قبل الانتخابات في اسرائيل. وكانت الرسالة “الاسرائيلية” مرة اخرى هي ان “اسرائيل” مصممة على ان تجبي من حماس ثمنا أكبر مما قدّرته قبل العملية بسبب تحرشاتها لكنها غير مصممة على اسقاط الحكم في قطاع غزة وجباية ثمن باهظ جدا من حماس.

منظومة استراتيجية تهدد الجبهة الداخلية “الاسرائيلية”

– قبل العملية: بنت حماس طوال سنين منظومة صواريخ بعيدة المدى قادرة على الوصول الى أكثر منطقتين ازدحاما بالسكان في اسرائيل لم تُجربا قبل ذلك تهديد الصواريخ منها وهما منطقة دان ومنطقة القدس. وكان التقدير الاسرائيلي ان حماس علقت آمالا كبيرة على المخزون الذي حشدته، لأنها آمنت بأنها اذا عملت اسرائيل في مواجهتها فانها تستطيع ان تطلق صواريخ على هاتين المنطقتين وان تحرز بذلك شيئين: الاول أنها ستصيب الروح المعنوية في الجبهة الاسرائيلية الداخلية اصابة شديدة من المؤكد ان تكون ضغطا على متخذي القرارات في اسرائيل لوقف القتال. وتشير تصريحات كبار مسؤولي حماس قبل القتال الى ان المنظمة آمنت كما يبدو بأنها تستطيع ان تحد من الرد “الاسرائيلي” بل ربما أن توجد توازن ردع ثنائيا يمنع اسرائيل من ان تجبي من حماس ثمنا باهظا عن تحرشاتها. والثاني ان تل ابيب والقدس هما رمز في نظر الجمهور الفلسطيني والعربي. والحديث عن الجبهة “الاسرائيلية” الداخلية الأكثر ازدحاما وقابلية للاصابة. وهم يرون أن تهديد هذين المركزين يعني تهديداً كبيراً لدولة اسرائيل ولهذا فان استعمال المخزون الاستراتيجي قد يُعظم صورة حماس بصفتها منظمة فلسطينية ذات قدرات تستطيع تحدي دولة اسرائيل القوية. وبحسب هذا المنطق لن تنجح حماس فقط في ان تضائل الثمن الذي تريد اسرائيل ان تجبيه منها عن سياستها بل تستطيع ايضا ان تزيد مزاياها الاستراتيجية من ضعضعة الوضع الراهن لاحداث واقع جديد مع اسرائيل ومع المجتمع الفلسطيني والعربي.

– بعد العملية: إن التقدير في جهاز الامن “الاسرائيلي” اليوم هو أن حماس فوجئت بقوة اصابة مخزونها الاستراتيجي في مرحلة بدء العملية، وبنجاعة منظومة القبة الحديدية التي اعترضت أكثر من 80 في المائة من الصواريخ التي كانت ترمي الى اصابة المراكز السكانية وبالمنعة التي أظهرها السكان الاسرائيليون في المناطق التي تعرضت لتهديد الصواريخ لأول مرة. ويجب على حماس بسبب قدرتها الضئيلة على المس بالجبهة “الاسرائيلية” الداخلية ان تفهم ان تأثيرها في اتخاذ القرارات في القدس محدود. ولهذا فان قدرتها على مضاءلة الثمن الذي ستدفعه عن التحرشات في المستقبل القريب ستظل منخفضة جدا الى ان تنجح في تجديد مخزونها الاستراتيجي. وحتى لو أعادت قوتها فان جولة القتال قد نقلت الى حماس رسالة فحواها أنها لن تستطيع “أن تخفض سعر” سياستها كما قدرت، كما يبدو، قبل عملية “عمود السحاب”. ومن جهة ثانية فان الردود في العالم العربي على إظهار قدرة حماس على تهديد تل ابيب والقدس تشير الى ان حماس ربما أحرزت مع كل ذلك تحسينا لصورتها باعتبارها قادرة على تحدي اسرائيل بتحديات لا تستطيع مواجهتها من غير ان تصيب الصواريخ المدن الاسرائيلية بالفعل، فقد كان يكفي ان اضطر السكان في غوش دان وفي منطقة القدس الى دخول المجالات المحمية. ويتبين من كلام مسؤول حماس الكبير محمود الزهار بعد انتهاء القتال انه نشأ من وجهة نظر حماس وضع أصبح فيه مجرد تهديد تل ابيب والقدس انجازا ووسيلة معنوية مهمة. وحتى لو كانت حماس قد خاب أملها لفشلها في مضاءلة الثمن الذي ستجبيه اسرائيل منها في المستقبل عن ضعضعة الوضع الراهن فانه تأكد لها مرة اخرى انه توجد ميزة استراتيجية كبيرة في القدرة على تهديد العمق الاسرائيلي دونما تعلق بنجاحها في إحداث ضرر حقيقي.

التحدي من منظمات ارهابية صغيرة في القطاع

– قبل العملية: كان أحد التفسيرات لسلوك حماس المتحرش قبل عملية “عمود السحاب” الضغط الذي استعملته عليها منظمات ارهاب فلسطينية اخرى في قطاع غزة. وقد عملت هذه المنظمات موجهة عملها على مدنيين وجنود اسرائيليين وثارت علنا على محاولات قيادة حماس احباط نشاطها والحفاظ على التهدئة. وصُبت على حماس جامات النقد لأنها تفقد شرعيتها بأنها تمنع نشاطا موجها على اسرائيل. ويبدو ان حماس لأنها قدرت ان الثمن الذي ستضطر الى دفعه عن ضعضعة الوضع الراهن مع اسرائيل لن يكون باهظا فانها “جُرت” وراء المنظمات الارهابية الفلسطينية.

– بعد العملية: ان سائر المنظمات الارهابية الفلسطينية، تلقت اصابة شديدة، مثل حماس وتم القضاء على عدد من كبار مسؤوليها وقُصفت بناها التحتية ومخزونات سلاحها، ولهذا يبدو ان باعث هذه المنظمات على العمل الموجه على أهداف اسرائيلية والضغط على حماس لتحدي اسرائيل سيكون منخفضا في الاشهر القريبة. لا يعني هذا ألا يحاول قادة معينون في هذه المنظمات العمل غير ان الحجم المتوقع لهذه النشاطات سيكون أصغر كثيرا من حجمها في الفترة التي سبقت عملية “عمود السحاب”. ولهذا يتوقع ان يكون الثمن الذي تدفعه حماس في داخل غزة عن سياسة الانضباط أقل مما كان قبل العملية.

الخلاصة

يؤيد هذا التحليل زعم ان بعض الردع الاسرائيلي قد أُعيد بناؤه نتاج عملية “عمود السحاب” لكن الحديث الى الآن عن ردع غير مستقر. وتوجد بضعة عوامل ستكون حاسمة للحفاظ عليه في المستقبل القريب:

– أولا، يمكن أن نرى أن اخفاق الردع الاستراتيجي المركزي لاسرائيل في الفترة التي سبقت عملية “عمود السحاب” قد نبع من فشلها في نقل التصميم “الاسرائيلي” على جباية ثمن لا يحتمل من حماس. ويبدو ان رسائل وزير الخارجية ليبرمان والتردد الاسرائيلي في استعمال القوات البرية في عملية “عمود السحاب” ستضر ضررا ما بصورة التصميم الاسرائيلي في المستقبل ايضا. فيجب على اسرائيل ان تطور منظومة صادقة موحدة لنقل رسائل ردع الى حماس وامتحانها من آن لآخر من وجهة نظر الطرف المردوع، أي حماس.

– ثانياً، قد تحتاج القيادة “الاسرائيلية” في الاشهر القريبة الى الرد على تحديات غير سهلة من قبل منظمات الارهاب الفلسطينية التي ستريد ان تفحص عن سياسة الردع الاسرائيلية. إن استعداد الحكومة لضبط النفس بازاء “تقطير” القذائف الصاروخية وراجمات الصواريخ على المواطنين، أو بازاء نشاط تخريبي قرب الجدار الحدودي مع غزة قد يضعف الردع الاسرائيلي سريعا. يجب على دولة اسرائيل ايضا ان تمنع قدر المستطاع تسلح المنظمات الارهابية الفلسطينية في القطاع بصواريخ قادرة على تهديد المراكز السكنية في اسرائيل. ويكمن في هذا العنصر ميزة استراتيجية مهمة من وجهة نظر حماس. ولهذا ينبغي العمل على مضاءلة قدرة المنظمة على استعمال هذه المنظومة اذا احتاجت اليها. وتستطيع اسرائيل بالحفاظ على ثمن باهظ عن النشاط “الارهابي” وبمضاءلة مزايا حماس ان تحافظ على تقديرات الكلفة – الفائدة الحالية عند المنظمة وان تقلل استعدادها لضعضعة الوضع الراهن مع اسرائيل.

ونقول في الختام ان التحليل يُبرز نقطة للتفكير فيها. كانت منظومة القبة الحديدية وسيلة ردع بالمنع ضاءلت قدرة حماس على التأثير. لكن ألن تكون القبة الحديدية على مر الوقت سيفا ذا حدين وقد أصبح الحديث عن حسابات الردع؟ انها من جهة تقلل قدرة حماس على احداث ضرر بالجبهة “الاسرائيلية” الداخلية وهي في المقابل “تخفض السعر” الذي تحتاج حماس الى دفعه عن تحرشاتها، لأن الضرر الذي تُحدثه محدود جدا. وستكون شرعية عمل اسرائيل على مجابهة محاولات اطلاق “فاشلة” منخفضة تتحدى قدرتها على الحفاظ على توازن الردع الحالي مع حماس، ويجب على القيادة في اسرائيل ان تأخذ هذا في حسابها وأن تُعد استراتيجية تلائم تحديات الاشهر القريبة، أي ان هذه الاشهر ستكون مقررة كما قلنا من قبل.

معهد أبحاث الأمن القومي الصهيوني

مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية، ملحق 2728، 6/2/2013

مقالات ذات صلة