اخبار الوطن العربي

زيت زيتون أم سموم سرطانية؟.. أيُّ زيت زيتون تأكلون؟

«خلّي الزيت بجرارو حتى تجيك أسعارو». مقولة ما عادت تنطبق في لبنان، حيال ما يشهده زيت الزيتون من غشّ وتزوير واحتيال. فبعدما كان يعمد بعض التجّار إلى استخدام زيت «جفت» الزيتون وخلطِه بمادة الهيكسان وبمواد بترولية قبل تكريره لتعديل حموضته، بات يتفنّن آخرون في إضافة ملوّنات ومنكّهات، أشبه بسموم سرطانية، إلى عبوات زيت الصويا، مع كمّية ضئيلة من زيت الزيتون، مما يُفقده خصائصه الغذائية. أمّا آخر الأساليب، بالتزامن مع تزايد أعداد النازحين السوريّين، فهو دخول زيت الزيتون السوري المهرّب على الخط.

لم تنتبه الحَجّة رحاب إلى ملامح البائع الذي رغّبها في شراء عبوة زيت الزيتون وهي تمرّ في أحد شوارع برج حمود المكتظة. “شو بدّك يا ستّي أحلى من الزيت البلدي؟”. كلمات معدودة كادت توقع بهذه السيّدة في فخّ التاجر، وأكثر ما شجّعها ثمن العبوة الذي لا يتجاوز خمسة آلاف ليرة.

إقتربت رحاب تتفحّص الزيت على الرفّ، فلاحظت أنّ العبوة بلاستيكية ولا ملصق أو أيّ هوية عليها، وغير مقفلة بإحكام، وسرعان ما فاحت رائحة نتِنة حين رفعت الغطاء. ولمّا بادرت للإستفسار عن المصدر، قاطعها البائع متحدّثاً بلهجة سوريّة، “ألم أقل لك بلدي!”

أساليب الغش والتزوير

تَكثر ضروب الإحتيال التي تُحاول النَيل من سمعة زيت الزيتون اللبناني، ويبقى اللجوء إلى التحاليل المخبرية أصدق مؤشّر. بعد جولة ميدانية قامت بها “الجمهورية” على عدد من نقاط البيع، أخذنا خمس عيّنات إلى مختبرات RBML المتخصّصة في كشف التلوّث الجرثومي في الغذاء والمياه.

وفي حديث مع مدير المختبر الدكتور رامي خضر، يتوقّف عند عينتين تبيّن أنّهما مزوّرتان، قائلاً: منتج زيت الزيتون (ر.) مزوّر، فهو عبارة عن زيت نباتي تمّ سكبُه يدويّاً في عبوات زجاجية مع إضافات كيميائية وتلوينات، مع الإشارة إلى غياب ذكر الجهة المصنّعة وتاريخ الإنتاج”.

أمّا العيّنة الثانية، التي كانت قد تفحّصتها رحاب، فيصعب على خضر تصنيفها بين الزيوت، فيقول: “هو زيت صناعيّ مكرّر سبق إستخدامه، وداخله إضافات. يمكن وضع هذا المنتج نحو 10 أيام في الشمس من دون أن يتأثّر”.

ويوضح خضر: “في الحالات الطبيعية، زيت الزيتون البكر على حرارة 4 درجات تتكثّف المواد الدهنية فيه من كوليسترول ومشتقّاتها، لتظهر للعيان بشكل رواسب قطنية بيضاء في أسفل الوعاء، وعند إعادة هذه العيّنة إلى حرارة طبيعية (25 إلى 36) درجة، تختفي هذه المواد، وهذا ما لم يتمّ اختباره فعلياً في العينة الثانية، أمّا في الأولى فقد ظهرت ترسّبات، ولكن بكمّية قليلة جدّاً، ما يظهر خليطاً في الزيوت”.

تلاعب في المحتوى

ويوضح خضر أسلوب التلاعب في زيت الزيتون، قائلاً: “تتمّ هذه العملية من خلال مزج زيت الصويا بمادة الكلوروفيل الصناعي لإضفاء اللون الأخضر، ثمّ تحفظ في مكان مُظلم إلى حين يُثبّت اللّون، وبعدها تضاف مادة البيتاكاروتين، لإضفاء الطعم المشابه لزيت الزيتون”.

ويتابع: “إنّ التحاليل التي نجريها على هذه العيّنات تُظهر الخصائص الكيميائية ذاتها لزيت الزيتون، ولكنّ عملية الغش لا تظهر إلّا بعد تحليل مواد الدهون المشبعة، مع الإشارة إلى أنّ كلفة هذا التحليل باهظة تحول دون التشدّد في المراقبة.

في الآونة الأخيرة ولمنع كشف الغش في زيت الزيتون بات يعمد البعض الى إضافة مادة التريولين، وهي مادّة متلازمة للدهون الثلاثية المعروفة بالتريغليسيريد، على نحو بات معه اكتشاف التلاعب أصعب”. ويذهب خضر أبعد من التلاعب في الزيت قائلاً: “صحيح أنّ العيّنات الأخرى الثلاث تطابقَ زيتها والمعاييرَ العالمية، إلّا أنّها وقعت في أفخاخ أخرى:

• إعتماد الزجاج الشفاف عوض الداكن، ما يعرّض الزيت إلى كمّية كبيرة من الضوء وإلى أشعّة الشمس، فيفقده جودته. كذلك في حال استخدام عبوات بلاستيك، تتفاعل هذه المادة كيميائياً وترحّل جزيئيات صغيرة منها إلى المحتوى.

• الملصق الخاص بالمحتوى الغذائي، معظم المنتجين يعمدون إلى طبع أعداد هائلة من الملصق عينه، كأنّه مجرّد نسخة عن محتوى منتج آخر أو مأخوذ عن الانترنت، أو في أفضل الحالات يعود لعيّنة قديمة أرسِلت منذ سنين إلى مختبرات أجنبية، وعلى أساسها تمّ تدوين محتوى الملصق.

مواد سرطانية

أيّ تأثير للإضافات الكيميائية على صحّة المستهلك؟ كيف يمكن التخفيف من تداعياتها؟… وغيرها من الأسئلة المقلقة توجَّهنا بها إلى الدكتور عماد إلياس (طبيب صحّة عامة).

يميّز د. إلياس بين التلاوين المسموح استخدامها في الأكل، وبين أخرى مضرّة، فيقول: “بعض الصبغات والتلاوين مسموح استخدامه ضمن كمّيات محدّدة، خصوصاً في الحلويات. إلّا أنّ ذلك لا يمكن أن ينسحب على زيت الزيتون الذي يعمد البعض إلى تلوينه بمواد مركّبة ليكتسب اللون الأخضر الداكن أو الأصفر، المؤسف في الأمر أنّ تلك المواد المصنّعة تُفقد الزيت خصائصه الغذائية، فهي أشبه بسموم سرطانية تفتك بجسم الإنسان تدريجاً”.

ويحذّر د. إلياس من العوارض التي قد تُصيب المستهلك، مثل: “تصلّب في الشرايين، إرتفاع في نسبة الكولسترول والتريغليسيريد، تزايد مخاطر التعرّض لنوبات قلبية وجلطات… وأكثر ما يزيد الوضع تدهوراً بحسب إلياس “ان المطبخ اللبناني في أساسه دسِم، لذا فإنّ العدد الأكبر من اللبنانيين يعاني وراثيّاً من أمراض في القلب وضيقٍ في قطر الشرايين”.

7 محاولات تزوير في 2013

على الرغم من التفاؤل الذي يبديه مدير مصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد فؤاد فليفل، في حديثه عن مكافحة الغش في زيت الزيتون، سرعان ما يتّضح أنّ عين المديرية بصيرة ولكن… فيوضح فليفل لـ”الجمهورية”: “تمكّنا العام المنصرم من ضبط 7 محاولات تزوير للزيت، حُوِّل المتواطئون إلى القضاء، وذلك بعد تحليلٍ قمنا به شملَ 37 عينة عشوائية من نقاط بيع متنوّعة”.

تلاعب في التسمية

في ضوء عمليات التزوير التي رصدتها المديرية، يحذّر فليفل من أساليب الاحتيال المتكرّرة، قائلاً: “أكثر المخالفات شيوعاً، عدم تطابق بين المكتوب على ملصق المنتج وبين المحتوى، على سبيل المثال، بعض التجّار ابتدع تسمية “زيت زيتون صافي، أو زيت زيتون بلدي إكسترا”، لجذب انتباه المستهلك، لكن لا صحّة لهذه العبارات، إمّا أن يكون زيت الزيتون بِكراً ممتازاً، أو بِكراً، أو فقط زيت زيتون (عادي)، لذا نخشى كثيراً من عمليات غشّ قد تسيء إلى جودة زيت الزيتون اللبناني”.

ويحذّر فليفل من تأثيرات ظروف التخزين في جودة الزيت، قائلاً: “لا نتدخّل في ظروف العرض ونوعية زجاج المُنتج، أكان شفّافاً أم داكناً، لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الزيت قد يخسر جودته وتفسد صلاحيته في غضون 6 أشهر أو سنة، وذلك بحسب ظروف تخزينه وعرضه، خصوصاً إذا كان معرّضا لأشعّة الشمس”.

ما هي أقصى عقوبة قد يلقاها المزوّرون؟ يجيب فليفل: “دفع غرامة ماليّة تصل إلى 75 مليون ل.ل. والسجن. لكن في لبنان، لم يعاقَب أحد من المزوّرين حتى اليوم بالسجن، ربّما لأنّه لم تتمّ الإضاءة على هذا الملف بشكل جيّد”.

159 مراقباً فقط

وعن خطة المديرية لمكافحة زيت الزيتون السوري المهرّب على أنّه زيت زيتون “بلدي”، يوضح فليفل: “تُشرف وزارة الاقتصاد على عملية إدخال الزيوت عبر المعابر الرسمية، أمّا إدخال الزيتون فمن مسؤولية وزارة الزراعة، للتأكّد من مواصفاته.

لكنّ الزيوت المهرّبة، التي لا تدخل عن طريق الجمرك، أو أيّ معبر شرعي، تصعب مكافحتها وحماية المواطن من تداعياتها، لذا فإنّ مسؤوليتنا تتركّز على ما يعرَض على الرفوف”.

ويبقى السؤال، كم عدد المراقبين على كامل الأراضي اللبنانية؟ يجيب فليفل: “159 مراقباً، قد لا يكون العدد كافياً، لذا لا بدّ من أن يكون المواطن هو المراقب والخفير على السلعة”.

لا نيّة في الغش ولكن…

“هناك زيت مغشوش في السوق، أكيد. كيف يُباع؟ كيف يُصنّع؟ لا أعلم. على المستهلك معرفة ماذا يختار”. بهذه العبارة يختصر نقيب أصحاب الصناعات الغذائية منير البساط موقفه من واقع الحال، نافياً في الوقت عينه وجود أيّ نيّة غشّ لدى الصناعيّين المنتسبين للنقابة.

ويوضح البساط في حديث لـ”الجمهورية”: “في لبنان نحو 760 مؤسّسة غذائية، تضمّ النقابة 140 عضواً. لا إمكانية للغشّ في هذا القطاع، ليس فقط لأنّنا نَشجب هذه الأساليب، ولكن لأنّ هذا القطاع يعتمد على السمعة الحسنة والتصدير بنسبة 60 في المئة”.

بنبرةٍ واثقة يتحدّث البساط عن منتجات المنتسبين إلى النقابة التي تتصدّر رفوف السوبرماركت. ولكن سرعان ما تخفت ثقة البساط حين نسأله عن زيت الزيتون في نقاط البيع الصغيرة والدكاكين، فيقول: “أعرف أنّ هناك من يضيف التلاوين للزيت النباتي، ويبيعه على أساس أنّه زيت زيتون، أعتقد أنّ ذلك رائج أكثر في المطاعم الرخيصة ونقاط البيع الشعبية، حيث تتراخى الرقابة وتتلاشى روح المسؤولية لدى التاجر”.

ويتابع مستغرباً: “عندما يتراوح سعر صفيحة الزيت بين 100 و120 دولاراً، وتُعرض بقيمة 50 دولاراً، “شو حاطّين فيها؟”… من يسترخص عليه توقّع الأسوأ، وعلى المستهلك التنبُّه لنوعية الزيت”.

وعن دور النقابة في حماية زيت الزيتون المحلّي من الزيت السوري المهرّب، يؤكّد البساط “أن لا سيطرة للنقابة عليه”، متسائلاً: “هل يتمّ فحصه فعلياً، هل هو مطابق للمواصفات؟ كيف يدخل عبر المعابر الرسمية؟ أم له خطّ عسكريّ؟”. ينهي البساط كلامه متأسّفاً: “في كلّ الحالات، عدد المراقبين المعتمد رسميّاً يكاد لا يكفي لرصد زيت الزيتون في محافظة بيروت، فكيف بالحري على كامل الاراضي اللبنانية؟”.

ناتالي إقليموس | الجمهورية
2014 – كانون الثاني – 27

زيت زيتون أم سموم سرطانية؟.. أيُّ زيت زيتون تأكلون

مقالات ذات صلة