اخبار الوطن العربي

قلوب مليانة أم صراع تاريخي بين الأحباش والمجموعات الوهابية؟

خاص “ليبانون ديبايت” – ربيع دمج:

لا يزال مسؤول جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية الشيخ عرسان سليمان في حالة حرجة داخل غرفة العناية المركزة في مستشفى حمود الجامعي بصيدا بعد تعرّضه لمحاولة إغتيال بينما كان يسير في الشارع الفوقاني للمخيم أثناء عودته من واجب التعزية بالناشط الاجتماعي طارق الصفدي حيث كمن له مسلح واطلق عليه أربع رصاصات إخترقت إحداها رأسه.

ولا يزال جو التوتر والإستنفار العسكري يسيّطرا على مخيّمي عين الحلوة والمية المية، فيما جماعة “أنصار الله” سيشيعون قتيلهم شادي خالد سليمان في مسجد الفرقان في منطقة سيروب (شرق صيدا) ظهر يوم الجمعة، إلى جانب إقامة حفل تأبيني للمسعف طارق الصفدي ظهراً في قاعة بلدية صيدا، والذي قتل خلال قيامه بواجبه الإنساني داخل مخيّم المية ومية.

الاشتباكات التي فاجأت الجميع، اندلعت أساساً في مخيّم “المية ومية” بين مجموعتين، الأولى تنظيم قوي ومسلح جيدا يعرف باسم “أنصار الله” ويتزعمه جمال سليمان المدعوم مادياً ومعنوياً وعسكرياً من “حزب الله”، أما المجموعة الثانية تعرف باسم “كتيبة العودة” ويترأسها فلسطيني سوري يدعى أحمد عدوان وملقب بـ”أحمد رشيد”.

وأتت هذه المعركة التي لم يُعرف حتى الساعة سببها وهدفها، بعد أيام قليلة فقط من توقيع القوى والفصائل الفلسطينية بمختلف تنوعاتها واتجاهاتها ميثاق مبادرة الوحدة، الذي ينص على عدم اللجوء الى إستخدام السلاح وتحريمه في معالجة اي خلاف او اشكال داخل المخيمات او خارجه والإبقاء على المخيمات هادئة بعيداً عن التوترات الأمنية.

عمليات التصفيات الجسدية داخل المخيّمات بين الفصائل الفلسطينية المتنازعة لن تنتهي بهذه السهولة لعدة أسباب سياسية وعسكرية. فكل طرف يرمي التهمة على الآخر وكل جهة تؤكد أن الجهة الثانية تسعى لرمي الفتن وتوتير الإستقرار داخل المخيمات.

العبارات والتنديدات الروتينية ذاتها نسمعها في كل حادثة مشابهة، فمنذ أسابيع قليلة إندلعت معركة طويلة في الحي الغربي المحاذي للمدينة الرياضية بين جماعة فتح وجماعة شاكر البرجاوي. وها هي انتقلت المعارك إلى مخيم المية مية ثم إلى عين الحلوة، وطبعا هي ليست المرة الاولى، وربما هذه المخيمات تحتاج إلى خطة أمنية على غرار ما حصل في طرابلس ويحصل في البقاع.

وبحسب مصادر فلسطينية قالت لموقع “ليبانون ديبايت” أنّ “سيطرة أنصار الله على مخيم المية ومية يزيد من إمساك حزب الله بالمنطقة بشكل كامل، فهو يقع على هضبة مشرفة على مخيم عين الحلوة من جهة وعلى مدينة صيدا من جهة أخرى”.

وبحسب المصدر الفلسطيني “ما حصل في مخيم المية ومية كان جرس انذار بحدوث أعمال أمنية في مخيم عين الحلوة الذي تُسلّط عليه الأضواء مؤخرا لأنّه، يشكل عائقاً أمام خطوات الإمساك بصيدا بالكامل”.

من جهة أخرى، أكّد المسؤول الإعلامي في جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية عبد القادر فاكهاني أن “محاولة إغتيال الشيخ عرسان سليمان هو مخطط فتنوي من داخل المخيمات لضرب الجمعية كونها تمثّل خط الإعتدال الطائفي والوطني، والبعض لا يريد هذا الإعتدال، ولكن مهما حاول الآخرين ضربنا فمحاولتهم لن تجدي نفعاً لا بل ستعطينا القوة أكثر”.

الفكهاني لا يستبعد أن تتطور الأمور إلى الأسوأ داخل المخيمات في حال لم تهدأ الفصائل الفلسطينية، طالباً من الفصائل ومن الجهات الأمنية أن تعمل جدياً في التحقيق من محاولة إغتيال سليمان.

حادثة إغتيال الشيخ عرسان سليمان تعيد إلى الذاكرة حادثة إغتيال رئيس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية ( التابعة للأحباش) الشيخ نزار الحلبي، الذي لقي حتفه بعدة رصاصات يوم 31 أب من العام 1995، حين نزل من منزله في شارع حمد في الطريق الجديدة عند الساعة الثامنة صباحاً، وكان برفقته ابنه الصغير. ووجهت أصابع الإتهام إلى “عصبة الانصار” (وهي حركة أصولية فلسطينية)، وتم إعدام منفذي جريمة قتل الحلبي، وهم ثلاثة.

ولهذا الصراع التاريخي بين الأحباش والمجموعات الوهابية باعاً طويلاً نشأ مع ولادة حركة “الأحباش” التي أسسها عبدالله الهرري الذي قدم من أثيوبيا لنشر تعاليمه الدينية في لبنان و بلاد الشام، بحسب ما يقول اتباعه.

ومنذ قيام عقيدة الاحباش (مسلمون سُنّة) في العام 1983، وهم يضعون نصب أعينهم محاربة ما يسمونهم “الوهابيين” وكل ما له علاقة بالتطرف الديني السعودي بحسب زعمهم. فجميع محاضراتهم الدينية تصب في خانة محاربة الفكر الوهابي، والذي بات معروفاُ اليوم بصفة “التكفيري”.

حاول عدد من أتباع المذهب الجديد الدخول إلى دول الخليج لنشر التعاليم هناك، إلا أن السلطات في الكويت والبحرين والسعودية لم تسمح لهم التمادي والإمتداد، ما أدّى إلى توسيع فجوة الكراهية بين الأحباش والأطراف الدينية في الخليج.

كان الأحباش ولا يزالون من داعمي النظام السوري، كما انهم تمتعوا بإمتيازات سياسية وعسكرية أثناء الوجود السوري في لبنان، إذ اعطيت لهم التراخيص بحمل الأسلحة، وتحديداً قرب مركزهم الرئيسي في محلة برج أبي حيدر حيث لديهم مسجدهم الخاص والذي شهد توترات أمنية كبيرة بين شباب مسلحين من الاحباش وجماعة من حزب الله خلال شهر رمضان في العام 2010، وقد اندلعت هذه الإشتباكات بالتزامن مع وقت الإفطار حيث امتدت من محيط مسجد برج أبي حيدر النويري والشوارع المتفرعة منه وصولاً إلى المزرعة، وادت المعركة إلى مقتل 3 أشخاص، منهم مسؤول حزب الله محمد فواز وعنصر

آخر علي محمد جواد و الشاب أحمد عميرات (نجل المختار جمال عميرات وهو من الأكراد) وثلاثة جرحى من حزب الله.

وتتمتع جمعية “المشاريع الخيرية”، بقوة مادية كبيرة جدا، وتمتلك سلسلة من المدارس والثانويات تحت اسم “مدارس وثانويات الثقافة الاسلامية” اضافة الى مجمعات رياضية وكشفية منتشرة في بيروت وضواحيها، صيدا، طرابلس، بعلبك والبقاع الغربي وبعض المخيمات الفلسطينية.

ما يحصل اليوم داخل المخيمات وخارجها من صراع ديني وسياسي ليس إلا إمتدادا لتاريخ طويل من المصالح الخاصة والمشتركة، فلبنان عبارة عن قالب حلوى الكل يريد إقتسامه، وكل عصابة تريد تناول الحصة الاكبر منه. اما ضحية هذا النزاع هم الناس البسطاء الذين لا يفقهون في الحياة سوى إطاعة المرشد والمشي خلفه، ومن ثم كيفية الحصول على لقمتهم آخر الليل.

ربيع دمج | ليبانون ديبايت

2014 – نيسان – 11

مقالات ذات صلة