اخبار الوطن العربي

سامي كليب: هناك من يريد أن يكون "قناة الجزيرة في لبنان"

خاص “ليبانون ديبايت” – رأفت حرب:

من آستديوهات قناة الجزيرة سابقا إلى قناة الميادين، سنوات طويلة قضاها سامي كليب في العمل الإعلامي والصحافي. يستغل كل فرصة للتذكير بوجوب عودة الإعلام إلى الموضوعية، مع الإلتزام بعدم الحياة في مسألتين: العداء لإسرائيل وللإرهاب، والقضية الفلسطينية.

حوار اجراه موقع “ليبانون ديبايت” مع الاعلامي سامي كليب، وحديث مطوّل حول آخر التطورات على الساحتين اللبنانية والعربية، وقراءة في واقع الإعلام العربي.

_ كيف تقيّمون ما يحصل مؤخرا في وسط بيروت؟

لا شك أنّ ما يطالب به المتظاهرون هي مطالب محقة لشعبٍ يتعرض للفقر والفساد من عصابة تتقاسم جبنة البلد. بل انا أستغرب كيف لم تبدأ هذه المظاهرات قبل اليوم، في لبنان طبقة سياسية فاسدة منذ ثلاثين عاما.

الجزء الأكبر من هذا التحرك هو عفويّ، هو غضب أدى إلى إنفجار، ولكن لا يمنع أن تكون بعض الأجهزة المشبوهة تعمل لكي تستغل هذا الحراك، من أجل تصفية الحسابات مع أخصامها في الداخل اللبناني. نشعر مثلا أنّ هناك تشجيع من السفارة الأميركية لما يحصل، كما أنّ هناك عناصر تدخل في الحراك، تدربت على أيدي منظمات كالأوتوبور والكانافاس، شهدنا مثلها في مصر واليمن وليبيا.

هذا لا يمنع ولا يلغي أحقية مطالب الناس وصدقهم، ولكنني أفاجئ أن يسبق تحركَ العماد عون هذا التحرك المطلبي، وأن تتزامن مظاهرات الناس مع الإشتباكات العنيفة في عين الحلوة ومع آخر مراحل المعركة العسكرية في الزبداني. هناك أطراف يمكن أن تستغل فقر الناس لتُحرك الشارع ضد حزب الله أو ضد عون.

بالمقابل حزب الله وحلفاؤه عرفوا كيف يتلقفون الشارع الغاضب ويدعمون مطالبه، وأنا أتذكر أن حزب الله والتيار الوطني الحر كانوا قد رفعوا لواء المطالب الشعبية قبل فترة قصيرة. أنا أجزم أن ما حصل تخطى كل الأحزاب والتيارات وعبّر عن توجهات تشمل الجميع. حرام أن نشكك بغضب الناس وصدقهم حتى لو حاولت بعض الأطراف أن تستغل الأمر لمآربَ أخرى.

_ هل شعرتم بسلوك إعلامي أثناء تغطية التحرك، مشابه لما حصل مع بداية الربيع العربي؟

التغطية الإعلامية للحراك المطلبي في بيروت تحملني على المديح والأسف معا. أولا هناك حرية في نقل ما يجري في الشارع، هذا غير موجود في بلدان عربية أخرى وهو نقطة تُحسبُ للبنان. بالمقابل، شهدنا آنقسام وسائل الإعلامي اللبنانية، بين من يريد أن يكون “قناة الجزيرة في لبنان”، ومن يريد أن يصوّر التحرك على أنّه ناجم عن “زعران”. في الحالتين هناك مشكلة. والمشكلة أيضا، أنه في حين أنّ الشعب يتظاهر ضد الطبقة السياسية الفاسدة، رأينا في اليوم الأول ونصف اليوم الثاني، أنّ الفاسدين أنفسهم يحللون الوضع على الشاشات. في المحصلة الشاشات كانت متناقضة، ومن السهل أن نعلم مَن مع ومَن ضد.

_ إستطرادا أسألكم عن البرومو الأخيرة لبرنامجكم “لعبة الأمم” على قناة الميادين، حيث ظهرت صورة السيد نصر الله يتصدر طاولة الحوار الوطني في مشهد يُذْكر فيه أمراء الحروب، مما أشعر الجمهور بأنّ السيد مشمول مع غيره بهذا الوصف. كيف تفسرون الأمر؟

تم إيقاف البرومو بعد فترة. حصل خطأ تقني ولم أضطلع على البرومو قبل خروجها للعلن. أنا شخصيا أعتبر السيد نصر الله سيدا على حركات المقاومة العربية وبالطبع هو بعيد كل البعد عن وصف “أمراء الحروب”.

_ لقد عبرتم في مقال سابق لكم بعنوان “يا صحافيي العالم إستيقظوا” عن رغبة لديكم بترك مهنة الصحافة. هل الأمر جدّي؟ هل وصل الحال إلى ما لا يُطاق؟

بعد سنوات طويلة، كل من يمارس هذه المهنة يفكر بالتفرّغ لمجال إعداد الكتب، وأنا لم أحب يوما بهرجات الإستديوهات والتلفزيونات، ولا الأمجاد الوهمية ، وما زلت أعتبر الصحافة المكتوبة هي أرقى أنواع الصحافة. للأسف الإعلام العربي أنتج وجوها إعلامية أسوء من داعش على الأرض، تدعو للقتل والذبح كما يفعل أسوء دعاة الإرهاب، ولا أزال أدعو إلى ثورة أخلاقية إعلامية تعيد لهذه المهنة أخلاقها الأساسية.

_ مؤخرا حصل حادثان يتعلقان بالوضع الإعلامي. الدعوى التي رفعتها السفارة السعودية على جريدة الأخبار والإستياء الذي أبداه السفير السعودي من بث تلفزيون لبنان لمقابلة السيد حسن نصر الله. كيف ترون هذين الحدثين؟

في الواقع نحن في خلاف بين إعلامٍ يناصر المقاومة وإعلام يقف مع المحور اللآخر. بشكل أساسي، الأول تمويله إيراني والثاني سعودي. أنا لا أُفاجئ بأن أرى صحيفة لبنانية قريبة من المقاومة تتعرض للسعودية أن تتعرض لهجمة من السعودية وهذا طبيعي في ظل الصراع الحاصل. أتمنى أنا شخصيا في أي خلاف يحصل، أن يكون هناك قضاءُ نزيه يحسم المسائل. وطبيعي لا أحبذ لغة القدح والذم من أي طرفٍ وأدعو إلى مواجهة ومحاسبة الخصم من خلال المعلومات.

_ في التسريبات الأخيرة لويكيليكس برزت السعودية كدولة تعمل على السيطرة المالية على الإعلام حتى في أماكن بعيدة عن المنطقة. لماذا كل هذا التأثير على الإعلام من قبل الجهات الممولة؟

أنا لا ألوم الدول التي تشتري إعلاما. دور الدول أن تروّج لسياستها وطبيعي أن تحاول شراء ذمم الإعلاميين. هناك شركات يهودية متخصصة في الإعلان في أميركا تروج للكثير من الدول العربية مقابل المال. أنا ألوم الإعلاميين الذي يقبلون أن يُشتروا ويُباعوا كالعبيد في سوق النخاسة. للأسف رأينا في لبنان والخارج، صحافيين ينتقلون من طرف إلى آخر، او إلى الطرف الضد تماما، لأجل المال.

_ بعد كل ما حصل ف

ي السنوات الأخيرة، هل يمكننا القول أنّ الإعلام بات جزءً من صناعة السياسة وليس فقط مواكبا لها؟

أعتقد جازما أنّ الإعلام كان ولا يزال مطيّة للمشاريع السياسية وليس العكس، هذا ما عبرت عنه في مقالٍ بعنوان “صحافيون لا أبواق”. قيل أنّ قناة الجزيرة هي التي صنعت الرأي العام في الربيع العربي، ما حصل أنّ هذه القناة عبرت عن مشروع سياسي لدولة قطر ومشروع أقرب للأخوان المسلمين.

_ إلى أي حد تنصحون الناس بتصديق الإعلام اليوم؟

هناك بالتأكيد إعلامٌ نزيه وإعلاميون شرفاء، لكن للأسف أعتقد أنّ وسائل الإعلام التقليدية تثير الشكوك حول مصداقيتها أكثر مما تُعْلِمْ الجمهور بما يجري، وهو ما يجب أن يكون الهدف الأول للوسائل الإعلامية، لا أن تغلب الآراء على المعلومات. مع ذلك، هناك محاولات جادة للحفاظ على قدر من الموضوعية دون حياد في القضايا العربية الكبيرة، وربما لذلك فكرنا أن نؤسس قناة الميادين.

_ قلتم في مقالكم أيضا، “أتحدى أن يكون 90% من عارضي وعارضات الأزياء على الشاشات، أي مذيعوا العصر، قد قرأوا كتابا عن قضية يعالجونها”. هل الأمر مقصود من المموّلين أن يتم تقديم الشكل على المضمون، فيختارون من هم أقل ثقافة لكي يبقوا خاضعين لآعتبار المال؟ وآستطرادا علمنا أنّكم شخصيا في قسم الأخبار في قناة الميادين تُجبرون الصحافيين على قراءة الكتب دون توقف وتخضعونهم لما يُشبه الإمتحان حول ما يقرأون وأيضا عن المعلومات العامة. هل هذا صحيح؟

نعم هذا صحيح. يقرأون الصحف والكتب وآخر الدراسات. واحد من فواجع الإعلام العربي هي قلة القراءة التي قد تقتصر على بعض الصحف. وكلما آزداد جمال المذيعة كلما قلّت ثقافتها، فهي تشعر أنّها ليست بحاجة لأكثر من هذا الجمال. وهناك من الغباء الإعلامي ما يدفعنا للحديث عن فاجعة إعلامية حقيقية. الوطن العربي تحكمه الغرائز أكثر من العقل، وآختيار مذيعات بجمالهنّ الجسديّ يخاطب هذه الغرائز. مع ذلك، هناك وسائل إعلام بدأت تنحو نحو إعلاميين مثقفين ولو بخجل. بدأ هذا الوضع يتغيّر، نحن في الميادين نذهب بهذا الإتجاه.

_ هل تظنون أنه فعلا سيأتي ربيع إعلامي حقيقي كما تمنّيتم في مقالكم؟

الإعلامي العربي اليوم يمر في أسوء مراحله، لكن المشاهد ليس غبيا، وصار يحاسب ويلجأ إلى وسائل التواصل الإجتماعي ليعبر عن رأيه ويفضح. وأنا أشعر وألاحظ عبر صفحاتي على وسائل التواصل الإجتماعي أن الناس تريد خطابا موضوعيا معتدلا وحياديا. الناس ملّت من الإعلام الذي ينطق بآسم أحزاب وجماعات متناحرة.

_ ما هو نصيب الإعلام العربي من الدماء العربية التي سُفكت في السنوات الأخيرة؟

الإعلام العربي مسؤول فعلا عن جزء من هذه الدماء، حين يكذب ويحجب الحقائق ويوجه الناس نحو الفتنة، او يحين يروج لقاتل. لكنني لا أعتقد أنّ الإعلام يتحمل مسؤولية بشكل عام أكثر من القتلة الميادنيين أنفسهم في سفك الدماء. نعم هناك إعلاميون كانوا أسوء من القتلة في الترويج للعنف. كما ألاحظ مثلا أنّ الإعلامي صار يستخدم عبارات مبتذلة وهو أمر طارئ على إعلامنا العربي. في عز الشرخ بين العرب، لم تٌستخدم هذه اللهجة في الإعلام، أما الآن فعبارات الذم والشتائم أصبحت عبارات إعلامية يتم تناولها بشكل عادي ومتكرر.

_ ماذا عن نشر ثقافة الحقد في الإعلام؟ كيف تقيّمون هذا الأمر الذي تطور بشكل ملحوظ مؤخرا؟

أنا لا ألوم صحافيا مبتدئا ينشر الحقد، هذا غباء. أنا ألوم إعلاميين كبارا، ينفثون الحقد بسبب سياسة أو مذهب أو طائفة طرف معيّن. وبدأنا نرى بدعة جديدة في الإعلام العربي وهي ان يحتل إعلامي ساعتين على الهواء ليشتم هذا ويمدح ذاك. هذه هرطقة إعلامية لا تمت للمهنة بشيء. من يريد أن يسخّر الإعلام ليطلق آراءه السياسية، فلينتقل إلى العمل السياسي وليُرِح هذه المهنة منه.

_ هل تشعرون أنّ الجمهور يتعامل مع قناة الميادين على أنها وسيلة إعلام موضوعية؟

أظن أنّ الميادين قد أحدثت فعلا إختراقا في الإعلام العربي، وفتحت المجال لكل الأطراف للتعبير عن رأيها، ما عدا إسرائيل والإرهاب. أتحدى أيا كان أن يقول أننا فبركنا خبرا منذ تأسيس هذه القناة. نعم قد نخطئ أحيانا لكننا لا نفبرك. ولم نكن يوما حياديين بمسألة فلسطين والمقاومة وانتمائنا العروبي.

رأفت حرب | ليبانون ديبايت

2015 – آب – 28

مقالات ذات صلة