المقالات

سورية.. تدخل عسكري لغاية استراتيجية واسعة وليس عملية عقاب

سورية.. تدخل عسكري لغاية استراتيجية واسعة وليس عملية عقاب

عاموس يدلين وافنير غولوب

حتى نشر الانباء عن أن جيش الاسد نفذ هجوما واسعا بسلاح كيميائي في ضاحية شرق دمشق، لم تفكر واشنطن بجدية في التدخل العسكري في سورية. في ضوء استنتاجات محافل الاستخبارات الغربية بان الاسد مسؤول عن استخدام السلاح الكيميائي، كما ينعكس من تصريحات وزير الخارجية الامريكي جون كيري ـ بحثت الادارة الامريكية في امكانيات الرد العسكري المناسب. الرد العسكري لا يقف بحد ذاته ويستوجب تعريف ما هي الغاية الاستراتيجية للولايات المتحدة عند استخدامها القوة العسكرية في سورية.

الهدف الامريكي المعلن هو معاقبة الرئيس الاسد على استخدام السلاح الكيميائي، وردعه من استخدام مكثف آخر لهذه الوسيلة. هدف امريكي غير معلن ولكنه مهم بقدر لا يقل عن الاول، وهو العمل على تقليل الاحساس بالامن لدى الرئيس السوري وتغيير فهمه عن قدرته على البقاء، واحلال وقف للمذبحة بما فيها ‘التقليدية’، لابناء بلاده وانهاء الحرب الاهلية فيها.

من أجل تحقيق هذين الهدفين على الرئيس الامريكي ان يعيد بناء قوة الردع الامريكية. الرئيس الامريكي الذي أعلن على الملأ عن ‘خط احمر’ اجتيازه سيجر رد فعل، امتنع عن العمل حتى الان. وعزز كبح الجماح الامريكي احساس الامن لدى الاسد وشجعه على توسيع حجم نشاطه ضد الثوار وضرباته الواسعة للابرياء. كما أن كبح الجماح الامريكي عزز التقدير في موسكو بان دعمها للاسد سيثبت للعالم ولاءها لحلفائها ووقوفها عند مبادئها خلافا للولايات المتحدة، التي تترك حلفاءها لمصيرهم وتتردد في الوقوف عند مبادئها.

مصلحة امريكية مهمة جدا هي اضعاف المحور الراديكالي ايران، سورية وحزب الله لان الانجازات التي سيسجلها لصالحه ستكون علامة سيئة للقيم التي تؤمن بها الولايات المتحدة ومصالحها. فالامتناع الامريكي عن القيام بعمل في سورية، شجع حزب الله على التدخل في ما يجري في سورية، الامر الذي نجح في تغيير الزخم في الحرب الاهلية هناك في صالح الاسد. وسجل المحور الراديكالي انجازا في مواجهة الضعف البارز في المعسكر الغربي المعتدل. وعزز التردد الغربي روسيا التي واصلت الدعم الوثيق لنظام الاسد، والمنظمات الجهادية، التي تعززت كلما امتنعت الولايات المتحدة عن العمل. المنظمات التي بقيت الاضعف، هي بالذات المنظمات العلمانية المؤيدة للغرب، المهمة جدا لمستقبل سورية وقدرتها على اقامة نظام ديمقراطي وليبرالي في اليوم التالي لسقوط الاسد. فمصلحة امريكية هي محاولة تغيير الزخم في صالح هذه المنظمات.

وسيؤدي اضعاف محور طهران دمشق بيروت والمنظمات الجهادية الى تقليص الخوف من هز الاستقرار في الحدود السورية مع تركيا، الاردن واسرائيل حليفات الولايات المتحدة في المنطقة. ومن شأن استمرار ميل عدم الاستقرار الحالي ان يؤدي الى توسيع دائرة العنف الى مزيد من الدول في المنطقة.

ويوجد احيانا توتر بين الالتزام الاخلاقي للدولة ومصالحها، ولكن في الحالة السورية لا يوجد للولايات المتحدة مثل هذا التوتر. فمن الناحية الاخلاقية واضح للجميع بانه لا يمكن المرور مرور الكرام على حقيقة ان جيش الاسد نفذ هجوما كيميائيا واسع النطاق. وليست هذه حالة منعزلة، بل هي استمرار لسياسة لا تتردد في ذبح المواطنين، من خلال استخدام مكثف لسلاح غير دقيق ومدمر وباستخدام السلاح الكيميائي. وقد جبت هذه السياسة حياة اكثر من 110 الاف نسمة حتى الان، وحولت الملايين من المواطنين السوريين الى لاجئين. وازدادت جسارة الاسد كلما انكشف التردد الامريكي في الرد على اعمال الذبح التي ارتكبها. وازدادت جسارة منظمات الثوار ايضا كلما وسع الاسد اعمال الذبح.

في هذا الوقت لا خيار عسكريا يمكنه أن يوقف فورا المذبحة الجارية في سورية، حمل الاسد على الرحيل وضمان نظام معتدل وديمقراطي في الدولة. وعليه فان كل الخيارات القائمة، وعلى رأسها استمرار كبح الجماح الامريكي هي خيارات غير سليمة، بل حتى سيئة. وفي ضوء الفهم بان انعدام الفعل هو الاستراتيجية الاسوأ غير أخلاقية وتمس بالمصالح الامريكية، ثمة حاجة الى فحص امكانية ‘الاستراتيجية السيئة الافضل’.

ان التدخل في الحرب الاهلية في سورية يتعارض والتطلع الامريكي الى وضع حد لحروب العقد الاخير في الشرق الاوسط، وهو يمس بإرث الرئيس اوباما الذي يتبنى ‘اعادة جنودنا الى الديار ويطرح التخوف من حرب اخرى في دولة اسلامية، حرب تشبه تلك الحروب التي انهاها اوباما في العراق وفي افغانستان’.

التخوف الاساس هو ان عملا أمريكيا سيجر ‘آثارا غير متوقعة’ توسع نطاق الحملة العسكرية في سورية ومدتها. فمثلا، حملة عسكرية حيال الاسد كفيلة بان تعزز المنظمات الجهادية. التدخل العسكري من شأنه ان يجلب واشنطن الى مواجهة مباشرة مع موسكو، وكذا من شأنه ان يجر رد فعل من السيد الايراني للاسد ويفتح جبهة اخرى حيال ايران وحزب الله، الذي بات منذ الان مشاركا في القتال في سورية.

نقدر ان ليس لكل هؤلاء اللاعبين مصلحة في تصعيد الازمة، بل في احتوائها والحفاظ على الزخم الذي حصل عليه الاسد بعد الانتصار في القصير. ومع ذلك، لما كان الرأي العام الامريكي يعارض بشدة هجوما بريا واسع النطاق، فاننا على قناعة بان امكانية حملة عسكرية واسعة، بما فيها اجتياح قوات برية ليس مطروحا على طاولة المباحثات في البيت الابيض.

ومع ذلك فان على الطاولة ست استراتيجيات، ليست هجوما شاملا (على نمط العراق 2003). رئيس الاركان الامريكي الجنرال مارتين دامبسي تناول هذه البدائل في رساله الى الكونغرس في 19 آب/اغسطس 2013 قبل يومين من الهجوم الكيميائي في دمشق. وعليه، فمعقول ان تكون هذه البدائل هي الموجودة على الطاولة وتدرس قدرتها على تحقيق الغاية الاستراتيجية حيال المخاطر.

وهاكم تحليلا للنتائج المتوقعة لكل بديل والمخاطر التي فيها:

‘ خيار ما كان وما سيكون: تعزيز التدريب والمساعدة بالسلاح للثوار، تدريب قوات الثوار خارج سورية، المساعدة في اقامة سلسلة قيادية ناجعة، وارسال سلاح مهم، في ظل اخذ المخاطرة في أن يصل السلاح المتطور الى منظمات الارهاب في سورية. رغم ان الرئيس الامريكي سبق أن اعلن ان الولايات المتحدة ستسلح الثوار، فان هذه السياسة لم تطبق بكامل حجمها بعد، ولكن ايضا القرار بالتطبيق الكامل للتصريح الرئاسي لن يشكل في هذه المرحلة علامة مقنعة على تغيير السياسة الامريكية وتصميمها على تغيير ميزان القوى في سورية. ورغم أن هذه الاستراتيجية كان بوسعها ان تتناسب والظروف التي سادت حتى ما قبل بضعة اشهر، فانها لا تشكل جوابا مناسبا في هذه النقطة الزمنية.

‘ هجوم ‘عقابي’ موضعي: الهجوم سيوجه بحجم محدود وموضعي وفي وقت قصير ضد الوحدات التي شاركت في الهجوم الكيميائي الاخير او الهجوم على أهداف عسكرية او ذخائر للحكم السوري. ويشكل هذا الخيار تغييرا في السياسة الامريكية، فمع انه سيعزز مصداقية الولايات المتحدة، الا ان فرصه في أن يعيد قوة الردع الامريكية ليست عالية. فالحديث يدور عن فعل عقابي محلي لا يغير الواقع في سورية بشكل ذي مغزى. بوسع هذا الخيار ان يمنع استخداما واسعا للسلاح الكيميائي، مثلما حصل الاسبوع الماضي، ولكن هناك شك كبير في أن يؤثر على اعتبارات الاسد في مواصلة المذبحة بحق شعبه.

“الاعلان عن منطقة حظر جوي اNo Fly Zone”، مع امكانية ادخال عناصر من اللاحركة اNo Moveب ضد المدفعية، الدبابات والراجمات السورية: هذا الخيار يبقي الولايات المتحدة في هامش الصراع الداخلي السوري وينقل القرار الى ساحة الاسد ذ هل سيفحص التصميم الامريكي. فالمس بحرية العمل الجوي للاسد كفيل بان يشكل عقبة مهمة في خطته الحربية، لانه يتمتع في هذه الساحة بتفوق مطلق حتى الان.

فالحظر على اطلاق نار المدفعية، الدبابات والراجمات في اماكن معينة كفيل بان يضرب مستوى آخر للاسد فيه تفوق مهم (قوة النار) ويقلص الضرر بالسكان المدنيين السوريين. مناطق حظر الطيران او حظر الحركة تحتاج الى تعزيز على مدى الزمن ذ الامر الذي يتطلب استثمارا كبيرا نسبيا بالمصادر. للولايات المتحدة الجيش الاكبر والاكثر تقدما في العالم. وحتى لو عملت لوحدها فان بوسعها ان تنفذ هذه المهمة بواسطة قواتها في المنطقة فقط. واذا تمكنت من اشراك حلفائها، فان النقيصة الاساس في هذا الخيار ستتقلص جدا.

‘ الاعلان عن مناطق مجردة من السلاح قرب الحدود مع تركيا والاردن وأروقة انسانية: هدف هذا الخيار هو خلق مأوى للسكان المدنيين بهدف تقليص المذبحة في سورية، وامكانية خلق أروقة لتوريد المساعدات الانسانية للعناية بالسكان الذين تضرروا منذ الان.

ومثلما في الخيار السابق، ففي هذا الخيار ايضا مطلوب تعزيز وحماية للمناطق، موضع البحث، كما انه يتطلب ادخال قوات برية. اذا ما تم الاخذ بهذا الخيار ينبغي التأكد من أن القوات التي تنفذ الحماية للمناطق المجردة من السلاح والاروقة الانسانية لن تكون قوات امريكية. فجنود اتراك يحرسون الاروقة بجوار الحدود التركية وجنود اردنيون يحمون المناطق بجوار الحدود الاردنية. كما يمكن تنسيق التعاون مع منظمات معتدلة من الثوار السوريين لحماية المناطق داخل سورية.

‘ هجوم جوي مستمر ضد أهداف عملياتية، تسمح للاسد بادارة القتال ضد الثوار، كالقيادات وقواعد السلام: في سيناريو الهجوم واسع النطاق سيكون ممكنا شن هجوم على قوات برية، جوية وبحرية وعلى السلاح المتطور. هذا خيار حديث وذو مغزى يؤثر على موازين القوى بين الاسد والثوار وينقل رسالة تصميم امريكي، من شأنها ان تغير احساس الامن في اوساط رجال النظام السوري. هذا الخيار يدخل الولايات المتحدة في بشكل مباشر في الحرب الاهلية في سورية، ويضع الاسد في وضع جديد وصعب. في هذا الخيار خطر اجتذاب الولايات المتحدة الى داخل الحرب الاهلية عال نسبيا.

‘ السيطرة والتدمير للسلاح الكيميائي في سورية: هذا الخيار هو الاكثر نجاعة حيال التهديد باستخدام السلاح الكيميائي من جانب الاسد او من جانب الثوار. ولكن السيطرة والتدمير للمخزون الكيماوي الكبير لدى سورية، هي حملة تتطلب استخدام قوات خاصة وادخالها الى سورية لفترة طويلة حتى يتم التدمير لكل المادة الكيميائية. وفي هذا السيناريو ينبغي فحص كم يمكن تقليص استخدام السلاح الكيميائي، من خلال تعزيز قوة الردع الامريكية بواسطة أحد الخيارات الاخرى وايضاح التصميم الامريكي للعمل في حالة استخدام آخر للسلاح الكيميائي.

خلاصة وتوصيات سياسية

تحليل الخيارات ذات الصلة لدى الرئيس اوباما يشير الى الحاجة الى استراتيجية تدمج الخيارات الثالث، الرابع والخامس لتدخل امريكي مباشر وتدريجي.

وستغير هذه الاستراتيجية اقواعد اللعبب في سورية، تتجاوز العقاب والردع للاسد عن استخدام آخر للسلاح الكيميائي. ان استراتيجية التدخل المتداخل والتدريجي ستتضمن هجوما على اهداف استراتيجية منتقاة كفعل عقابي على الهجوم الكيميائي في ضواحي دمشق، والاعلان عن منطقة حظر جوي اNo Fly Zoneب. ويمكن للولايات المتحدة في الخطوة الثانية ايضا ان تعلن عن مناطق مجردة من السلاح وأروقة انسانية وتهاجم ذخائر الحكم اذا ما صعد الاسد ردود أفعاله.

لقد صمم الرئيس اوباما سياسة الامن القومي، التي لا تبادر بالتدخل الا عندما تكون المصلحة القومية العليا في خطر وفي اطار شرعية واسعة قدر الامكان. ويبدو أن التقدير في واشنطن هو أن آخر أعمال الاسد تهدد المصلحة الامريكية العليا. على الادارة ان تحث خطوة عسكرية مشتركة في أوسع اطار ممكن ـ في مجلس الامن، وفي ظل الفيتو الروسي ـ في اطار التعاون مع حلفائها واشراكها في خطواتها في المنطقة: تركيا (التي أعلنت عن تأييدها للخطوة الامريكية)، السعودية، قطر، الاردن واسرائيل مع امكانية اشراك مصر ايضا، من أجل تحسين العلاقات بين الدولتين. وينبغي للتخطيط الامريكي أن يتضمن ايضا ردا سياسيا على الاعتراض الروسي واستعدادا لردع ايران وحزب الله من توسيع ميدان المعركة.

وكما زعم، فان خطوة عسكرية امريكية كهذه لن تحل النزاع السوري، ولكنها البديل الاقل سوء من بين الخيارات السيئة والى جانب مبادرة لتسوية سياسية، يمكنها باحتمالية عالية أن تقدم الى الامام الغاية الاستراتيجية لتغيير نظام الاسد، الحاق هزيمة بالمحور الراديكالي، ترميم الردع والمصداقية الامريكية حيال ايران وتعزيز الاستقرار وتحالفات الولايات المتحدة في الشرق الاوسط.

نظرة عليا 30/8/2013

القدس العربي، لندن، 31/8/2013

مقالات ذات صلة