المقالات

الفساد الزبوني || عماد خالد رحمة

من أخطر أنواع الفساد ، الفساد الفكري ، لأنه البيئة المناسبة لنمو الفساد الأخلاقي والسلوكي ، والذي يتمثل في هذا الزمن المُرَمَّد من النفايات الفكرية التي تبث عبر الفضائيات والشاشات الكبيرة ، والشاشات الزرقاء على الشبكة العنكبوتية ( الموبايلات ) وعلى أوراق الصحف الصفراء والتي تؤدي إلى انحرافات فكرية خطيرها ،هدفها تدمير الفرد والمجتمع ، وتحطيم العقائد والأديان وزرع الخلاف والتسلّط ، والاستغلال .وبالتالي يشمل الفساد المعنوي والفساد المادي ، وفساد النفوس وتدنّي الأخلاق الإنسانية السامية وانهيار القِيَم والمُثُل التي نعتز بها . وانتشار الخبث الذي قد يتم إطلاقه على النجاسات الحسية. من هنا فإنَّ الفساد الفكري مشكلة خطرة تواجه الدول التي تعتمد في وجودها على القوانين والتشريعات الناظمة ضمن مؤسسات رسمية لها مهامها الفاعلة لأنَّ هذا النوع من الفساد ينال من هيبة الدولة ويضعفها ويؤثر في دورها ويقِّلل من أهميتها في بناء المؤسسة ونمو حاضرها ومستقبلها .

وطيلة الثلاث عقود الماضية من تسلُّط الإعلام النيوليبرالي، وانتشار القاموس السياسي بمصطلحاته ( التبعية ) و( الإلحاق ) ، كان ثمة متغيران (إصلاحيان) ينتشران معاً في الهرم التقليدي للدولة العربية المعاصرة : اشتداد التكلُّس بل التحجر السلطوي للأنظمة الحاكمة، وإفراز بطانة فاسدة للسلطة تعمل لصالحها اقتصادياً ضمن ما بات يُعرَف بالفساد الزبوني، بحيث تستطيع هذه البطانة التي تم تعيينها بدقة ، تشكيل شريحة من هرمية طبقية عمودية موازية لهرمية المجتمع التقليدي الأفقي ، مكوَّنة من فئة الأثرياء الكبار الجدد، والكمبرادور وهي طبقة البورجوازية التي سرعان ما تتحالف مع رأس المال الأجنبي الوافد تحقيقاً لمصالحها الشخصية بعيداً عن مصالح الوطن ، وللاستيلاء على السوق الوطنية تحت شعارات البناء والتطوير والتحديث، وتلحق بهم مجاميع من طبقة وسطى، مؤلَّفة من موظفي ومستخدمي مؤسسات النخبة الغنية وشركاتهم المستحدثة بقرارات خاصة وموافقات إستثنائية . هذه الهرمية الثانية الموازية، قد تُمنح مظاهر حريات طافية على سطح المجتمع الأصلي المتمترس خلف ركام من الإحباط وغارق في ركوده وعاهاته التقليدية. كما أنَّ الدولة قد تبني كذلك لذاتها أجهزة إدارة بملامح تحديثية تطويرية وعملياً هي أجهزة تطويعية وإخضاعية ، وتقع على مسافة من الأجهزة القديمة المهترئة والمتروكة لبلاياها المتأصلة فيها .

من هنا كنا قد أدركنا تمام الإدراك أنَّ الفساد الفكري هو القوة الضاربة والمدمِّرة للاقتصادات الوطنية ومدمِّرة لخطط البناء والتنمية والتحديث والتطوير ، فضلاً عن ذلك يؤدي بمردوداته ونتائجه السبية والخطيرة إلى تخلّف البلاد لأشواط كبيرة عن ركب التقدم الحضاري العالمي، خصوصاً عندما تكون القرارات الرأسية وصناعتها بيد السلطة الحاكمة فاسدة لاتفقه سوى لغة الاستحواذ والسيطرة وعقد الصفقات والجلسات المريبة من وراء الأبواب وخلف الجدران دون علم الشعب بهدف استنزاف ما يمكن استنزافه من موارد الشعب وطاقتهم وقوتهم ومصادرة حتى مصادر عيشهم وحياتهم اليومية .

بقلم :عماد خالد رحمة

مقالات ذات صلة