المقالات

أميركا تستعد لتدخّل برّي في سورية

ثمة خوف أميركي حقيقي من التدخل في الحرب الأهلية في سورية، يعكسه الجدل الذي نشب، مؤخراً، بين الولايات المتحدة ودول اخرى حول استعمال نظام الاسد السلاح الكيماوي. فادارة اوباما لا تخشى فقط التأثيرات المحتملة لعملية عسكرية لابطال مخزونات السلاح الكيماوي بل من الصعوبات التي تقترن بتنفيذ المهمة نفسها.

حينما أُثير أول مرة خطر السلاح الكيماوي في نقاش عام في اسرائيل قبل نحو من سنة، تحدث رئيس هيئة الاركان، بني غانتس، في لجنة الخارجية والأمن عن نوعين ممكنين من العمل: عملية واسعة تحتاج الى استعمال وحدات برية كبيرة في سورية أو هجوم جوي مُركز على قوافل تحاول تهريب هذا السلاح الى “حزب الله” مثلا. وأشار غانتس الى أنه سيسعى في حال الضرورة الى النوع الثاني.

اذا لم تكن اسرائيل معنية بعملية واسعة فكيف تكون الولايات المتحدة التي لا تريد ذلك؟ إن عملية كبيرة تحتاج الى “حذاء عسكري على الارض” – إرسال قوات برية يكلف خسائر – وهو بالضبط نفس خطة العمل التي يريد الرئيس براك اوباما الامتناع عنها في وقت ما زالت الولايات المتحدة تلعق فيه جراحها من حربين دبرهما سلفه، جورج بوش، في أفغانستان والعراق.

في التوجيهات التي قام بها موظفون في الادارة الأميركية، مؤخراً، لممثلي الاعلام الأميركي سُمع تقدير بأنه سيُحتاج من أجل عملية شاملة لابطال التهديد الكيماوي في سورية إلى نشاط بري واسع يشارك فيه 75 ألف جندي على الأقل من الولايات المتحدة وبمساعدة دول أخرى كما يبدو.

يدور الحديث في الأساس عن أناس في وحدات صاعقة منتخبة وقوات استخبارات وخبراء لإبطال مفعول مواد الحرب الكيماوية. ويقولون في الادارة إن الغرب يعرف عن 18 موقعاً على الأقل يحفظ فيها النظام السلاح الكيماوي. وقد أمر الأسد في عدة حالات بنقل مجامع السلاح الكيماوي والبيولوجي من مناطق دار فيها قتال مع المتمردين الى مناطق تعتبر أكثر أمناً بقليل من أجل الصيانة.

سيُحتاج لهذه العملية الى معلومات استخبارية دقيقة بدرجة لا مثيل لها. ومن المنطق ان نفترض أنها ستكون مقرونة ايضا بمقاومة عسكرية من النظام، لحماية المواقع وبقصد عرض الحرب على نحو كان من الصعب على الأسد ان يعرضها عليه منذ أكثر من سنة بأنها مؤامرة مشتركة بين الغرب و”القاعدة” اللذين ثارا على النظام المستنير في دمشق لإسقاطه. خبراء الاستخبارات منقسمون في تقديراتهم حول مسألة هل تتدخل في هذه الحالة إيران و”حزب الله” ايضا؟ لكن هذا سيكون بدء الصداع الأميركي فقط لأنه سيكون من الواجب تركيز السلاح في أرض وربما يُنقل الى خارج سورية لابطال مفعوله ودفنه أو القضاء على المنشآت التي حُفظ داخلها. هذه مهمة عظيمة سيطول الاشتغال بها شهورا طويلة وإن انتهى الجزء الاول من العملية بسهولة أكبر من المتوقع. وكل هذه اسباب جيدة تدعو الادارة الأميركية الى الامتناع عن عملية قدر المستطاع.

إن عدم حماسة واشنطن لعمل عسكري جديد يلاحظ في سورية وفي التباحث الطويل مع اسرائيل في سؤال كيف يجب علاج التهديد الذري الايراني. لكن إيران على الأقل تبدو تحدياً يرى عدد من الخبراء أنه يمكن التغلب عليه بعملية جوية مُركزة قد تطول أياما معدودة. ولا توجد أوهام عند أحد بأن عملية تنحصر في السلاح الكيماوي السوري يمكن إنهاؤها بصورة مشابهة. ومع كل ذلك يستعد الأميركيون كعادتهم استعدادا منظما لهذا الامكان العملياتي. وتقول وسائل الاعلام العربية إن قوات صاعقة من الولايات المتحدة والاردن تستعد للمهمة منذ عدة أشهر. وجاء من الاردن، مؤخراً، تقرير أثار عاصفة سياسية كبيرة في المملكة قال إن الأميركيين أرسلوا الى الاردن قوة متقدمة من 200 شخص، وهم ناس مقر قيادة من فرقة مدرعة استعدادا لتدخل في سورية في المستقبل. وأثار النبأ مظاهرات احتجاج في عمان.

هيّج رقصة الأشباح الحالية قول رئيس قسم البحث في شعبة الاستخبارات العسكرية، العميد إيتي بارون، إن اسرائيل تُقدر انه استُعمل غاز السارين في الحرب في سورية. وتلوت الادارة الأميركية يومين تنكر ذلك واتهمت اسرائيل الى ان اضطرت الى الاعتراف بأنها تقبل تقدير شعبة الاستخبارات العسكرية ايضا. ومنذ ذلك الحين تحاول اسرائيل ان تُعاود التقليل من الظهور. وفي الايام الاخيرة طلب ديوان نتنياهو كعادته كل اسبوعين الى الوزراء ألا يصرحوا بشيء يتعلق بالوضع في سورية. واستمر مسؤولون كبار في واشنطن حتى بعد ان اضطروا للموافقة على الموقف الاسرائيلي، على إظهار تفسيرات مخفِّفة، فقد أُثيرت من جملة ما أُثير احتمالات ان يكون السلاح الكيماوي قد استُعمل بالخطأ، وأنه لم تكن هنا عملية قتل متعمد من قبل النظام.

فسّر العميد بارون في محاضرة في معهد بحوث الأمن القومي الحذر في الغرب بصدمات الاستخبارات من فترة عمليات الحادي عشر من ايلول والحرب في العراق حينما حثت معلومات خاطئة عن وجود سلاح إبادة جماعية في الدولة الغزو الأميركي والبريطاني. وفيما يتعلق بالسيناريوهات المحتملة في الحرب الأهلية، توقع بارون استمرار انتقاض عُرى سورية باحتمال أعلى من صعود نظام بديل قوي بدل نظام الاسد.

يُضاف تشخيص بارون هذا الى التحليل الأميركي. فحسب تقرير في صحيفة “نيويورك تايمز” في نهاية الاسبوع فانه ليست المعارضة في سورية منقسمة فقط بل التي تؤثر فيها هي منظمات جهادية متطرفة. وتزعم الصحيفة انه لا توجد اليوم منظمة علمانية ذات شأن تقاتل الاسد وان المجلس العسكري الأعلى، وهو الجسم الذي يوحد المنظمات التي تقاتل النظام، “مليء بقادة يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية”.

عاموس هرئيل

“هآرتس”، 29/4/2013

مقالات ذات صلة