المقالات

فلسطين الخاسرة من الأزمات

Jun 22, 2017

قلناها مرارا.. الفلسطيني متهم دوماً حتى إثبات براءته. قد يقول أحدٌ، أن في هذا الكلام مبالغة، ولكن لنأخذ الأحداث التالية: في غزو العراق للكويت وما تلاه، ارتدّت النتائج عكسيا، ليس من خلال طرد معظم

دكتور فايز رشيد
دكتور فايز رشيد

الفلسطينيين العاملين في الكويت فحسب، وإنما على الكثيرين منهم في كل دول الخليج.

طُرد الفلسطينيون من العراق ومن ليبيا أيضاً (نتيجة غضبة للمرحوم القذافي) إلى الحدود الصحراوية للبلدين مع الأردن ومصر. في زمن ما في عهد السادات طُرد جزء كبير من الطلبة الفلسطينيين من مصر. تكرر الأمر في إحدى المراحل في العراق. في الصراع السوري، طرد أهالي المخيمات الفلسطينية في معظمهم من بيوتهم، خاصة المخيم الأكبر، مخيم اليرموك.

في الحرب الأهلية اللبنانية وبعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت عام 1982، جرت مذبحة صبرا وشاتيلا على أيدي الكتائب اللبنانية بإشراف شارون، ومن قبلها مجزرة مخيم تل الزعتر. في بداية اللجوء الفلسطيني إلى الدول العربية المجاورة، اتُّهم الفلسطينيون من قبل إخوانهم العرب، بأنهم باعوا أراضيهم ورحلوا. لم يكلّف المتهِمون أنفسهم عناء قراءة المجازر التي ارتكبت على أيدي العصابات الصهيونية، ولا عن التهجير القسري لهم.

لا يعرف المرء، كيف ينفذ النافذون في تحميل أسباب الأزمات العربية في أحد جوانبها إلى الفلسطينيين؟ افترضوا ـ إخوتنا العرب ـ لو لم يكن بينكم فلسطينيون، فهل كانت الأوضاع العربية «عال العال»، ولساد الوئام وطننا العربي من أقصاه إلى أقصاه؟ ألم تكن لتحدث الأزمات العربية الحالية؟ نخشى ما نخشاه أن يجري تحميل أحد أسباب الأزمة الحالية، عندما يتم حلّها ويعود الوئام والتصالح للعلاقات بين الأطراف المختلفة (وهذا ما نتمناه ونأمله) إلى الفلسطينيين. نقول ذلك، وقمم الرياض الثلاث خرجت بنتيجة أن «حزب الله» «إرهابي»، و»حركة حماس» حركة «إرهابية»! أمعقولٌ هذا الأمر؟ حماس جزء أصيل من حركة التحرر الوطني الفلسطيني.

قد يكون لكل واحد منّا طن من الملاحظات على حماس، لكن هذا لا ينفي مضمون هذه الحركة. ألم يسأل الحاضرون والموافقون على النتيجة، عمّن تسبب في المآسي الفلسطينية منذ ما قبل عام 1948 وحتى هذه اللحظة؟ ألم يسمعوا بالمذابح الصهيونية القريبة والبعيدة؟ ألم يسمعوا عن فتاوى الحاخامات اليهود؟ ألم يسمعوا عن مصادرة الأراضي في الضفة الغربية من أجل الاستيطان؟ ألا يستمعون إلى تصريحات نتنياهو التي تستفز كلّ عربي؟ ألم يقرأوا ما قاله يوماَ «إن إسرائيل المسالمة تعيش يبن غابة من الوحوش»! ألا يقرأون عن مستويات العنصرية الصهيونية؟ أنسوا التاريخ اليهودي في بداية العهد الإسلامي؟ للعلم، هاجر كثير من اليهود الأوروبيين من الظلم الذي مورس بحقهم (لأسباب كثيرة) إلى عدالة الدولة العربية –الإسلامية في الأندلس، التي أنجدتهم واحتضنتهم وأسعفتهم، ومنذ تلك اللحظة ،هناك حتى الآن، حارة باسم اليهود في كل مدينة أندلسية.

تكرر الأمر ذاته، عندما ابتدأت موجات هجرة اليهود الأولى إلى فلسطين في عشرينيات القرن الماضي، واحتضنهم شعبنا إلى أن انكشفت حقيقة أهدافهم، فقاتلهم! ألا تستحق الدولة الصهيونية وصفها الحقيقي، بأنها دولة الإرهاب المنظم في العصر الحديث؟

وفي تأويل الأسباب يجري ليّ عنق الحقائق؟ يُتهم الفلسطيني وأصبح يجري استبعاد الكيان الصهيوني! وفي مرحلتنا الرديئة هذه لا تتهم إسرائيل، بل تسير العلاقات معها على أفضل وجه (تابعوا ما تنشره الصحف الصهيونية بشكل يومي عن الانفراج الكبير في العلاقات الإسرائيلية مع العالم العربي، كما تصريحلت المسؤولين الإسرائيليين) وفي هذا الصدد نتذكر مجازر دير ياسين، قبية، اللد والرملة، الطنطورة، وكفر قاسم وغيرها، وصبرا وشاتيلا في بيروت عام 82، ومجزرتي قانا في جنوب لبنان، ومجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل. إن الحكم على شدمي الضابط المسؤول عن مذبحة كفر قاسم عام 1956 كان بتغريمه قرشا واحدا. قاتل الطفل الشهيد محمد أبو خضير معتل نفسيا، بمعنى لا تجوز محاكمته. ولا نزال نتذكر ما نشرته صحيفة «فولكسكرانت» الهولندية في 26 نوفمبر 2010، في مقابلة لها مع المخرج الهولندي اليهودي جورج سلويتسر، وتناقلته في ما بعد وكالات الأنباء، من أنه «شاهد بأم عينيه ارييل شارون وهو يقتل بمسدسه طفلين فلسطينيين، على مدخل مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في لبنان عام 1982». وفي رد فعله على مجزرة الأطفال في قانا الأولى، قال بيريز: «إنهم بضعة أطفال وللحرب ضحاياها». ليتذكر البعض مجزرة الصنايع في بيروت عام 1982 ومجزرة دوما الفلسطينية عام 2015.. والحبل على الجرار.

من جرائم الكيان أبضا، اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية والعربية، والكفاءات العربية في بيروت، تونس، بغداد، غزة ودبي وغيرها في العواصم العربية والعالمية. دفن الجنود المصريين أحياءً في سيناء عام 1967. ضرب المشروع النووي العراقي، اختطاف طائرات مدنية عربية وتفجير إحداها في الجو، تسميم الرئيس الراحل عرفات. هذا غيض من فيض جرائم الدولة الصهيونية. رغم كل الجرائم الصهيونية الحالية، فإن الخبر الفلسطيني تراجع في الإعلام العربي (إلا من رحم ربّي) إلى درجة متأخرة، والخبر الأول دوما عن الأزمات العربية وهي متتابعة ومتلاحقة، لا ولن تنتهي.

مما لا شك فيه، وفي خضم الخلافات والأزمات البينية العربية، أننا كأمة عربية نمر في هذا العصر (خاصة بعد أحداث الربيع العربي) بمرحلة من التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، تُلزمنا قراءة الأطر المنهجية المعمّقة في فهم المجتمعات العربية، والعلوم والمعارف، والبنية الاجتماعية، والاجتماعية- السياسية العربية (وهي التي تناولها الفيلسوف ابن خلدون في مقدمته) ما يساعدنا على تمييز العوامل الموروثة والمستقرة في البنى المجتمعية والثقافية والسياسية للمجتمعات العربية في طورها الجديد، كما العوامل الجديدة والمستحدثة، المتمثلة في أحد جوانبها في وجود وتغذية عوامل الصراع المنهجي في دواخلنا، أفراداً ومجتمعات، كمرحلة أولي لانتقال الصراع مع الدولة العربية الأخرى. إلا أن الهيئات الحاكمة العربية، كما نخبنا الثقافية وجماهير أمتنا، أبعد ما تكون عن إدراك أسس العقد الاجتماعي، الذي تحدثت عنه فلسفة العلاقة بين الحكم والدولة والشعب، باعتبارها الميثاق، الذي يحاول تفسير نشوء المجتمعات وتطور الإنسانية، التي تبحث بشكل أساسي في علاقة الدولة والسلطة بالشعب والجماعة، بمعنى أن الدولة والسلطة هي نتاج اتفاق عقدته الجماعة على تشكيل هذه الدولة، وهي التي ستدير حياتهم، وتقدم لهم الخدمات، وتفض النزاعات بينهم وتحميهم من الأخطار الخارجية والداخلية. لكن الحاصل، أن النزاعات داخل الدولة الواحدة تتفاقم، الأمر الذي يفرض تداعياته الصراعية على العلاقة مع الأخ المجاور في الدولة الأخرى.

لا نخترع كلاما جديداً، بل هي نظريات في بنية الدولة وسياساتها، لثلاثة مفكرين جمعتهم قواسم مشتركة عديدة في تفسيرهم للوجود الاجتماعي، وهم جون لوك، وجان جاك روسو، وتوماس هوبز. وقد استعرضَ وشرحَ وطوّر هذه النظريات فيلسوفنا العربي ابن خلدون. وقد أضاف إلى النظرية ثلاثة أبعاد مهمة للدولة من أجل تجنب الصراعات: البعد التاريخي باعتباره عنصر إبداع في الامم الحية، وهذا، لا يمكن القضاء عليه، فالمعنى التاريخي هو عنصر من التعارضات المنطقية، إذا اردنا أن نفهم أصول الظاهرة الصراعية، ثم، البعد الفعلي، باعتباره النموذج الحي للدولة، وأخيرا البعد العقلي الذي يربط كل المفاهيم ويوحدها في منظومة فكرية شاملة. يا ترى لو سألنا أين أمتنا من هذه الأبعاد الثلاثة؟ حينها سيتضح السبب في نشوء الأزمات البينية العربية.

كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة