المقالات

إسرائيل الوحيدة المؤيدة لقيام دولة الأكراد

يرفض قادة إقليم كردستان، كافة المقترحات العراقية والعربية والدولية إلغاء الاستفتاء على إقامة دولة كردية مستقلة. هذا الذي أمر بتنظيمه مسعود بارزاني رئيس الإقليم. بالطبع المقصود به هو خطوة الانفصال عن العراق، رغم تأكيد بارزاني على أن الاستفتاء في حالة الموافقة عليه من الشعب الكردي، لن يعني الانفصال مباشرة.

من قبل قال الزعيم الكردي في تصريح له «إن ما حدث في العراق خلال السنوات الماضية خلق واقعاً جديداً وعراقاً جديداً، وأن الأحداث، أكدت أن الشعب الكردي عليه أن يغتنم الفرصة الآن ويحدد مستقبله»، فضلاً عن التصريحات العلنية

دكتور فايز رشيد
دكتور فايز رشيد

الأخرى، وما أكثرها، التي تكشف عن نوايا انفصالية عن جسد الوطن الأم. معروف أن الجيش الكردي استغل ما جرى ويجري في العراق، لتعزيز سيطرته على مدينة كركوك الغنية بالنفط، وعلى كافة المواقع المُختلف عليها مع الحكومة المركزية في بغداد.هذه المواقع ينادي الأكراد بإضافتها إلى مدينة كركوك، ومن ثم ضمها إلى إقليم كردستان.

لقد أعلن مسعود بارزاني أيضاً، أن المادة 140 من الدستور العراقي سقطت، وهي التي تنص على إجراء استفتاء شعبي في المدينة – المقصود كركوك – لتخيير سكانها بين الانضمام لإقليم كردستان، أو البقاء مع الحكومة المركزية في بغداد ومع العراق. (كان مقرراً للاستفتاء أن يجري عام 2007 لكن ظروفاً عديدة حالت دون ذلك).

إبقاء هذه المادة يعني عدم إجراء هذا الاستفتاء، وبارزاني يعرف تمام المعرفة، أن غالبية سكان هذه المدينة هم من العرب، إضافة إلى بعض الأقليات التركمانية والكردية والأصول الإثنية الأخرى. ما يؤكد الهدف الرئيسي لبارزاني في الانفصال عن العراق، أن جيش إقليم كردستان، توقف عند السيطرة على المناطق التي ينوي الأكراد ضمها إلى إقليم كردستان. لم تشارك البيشمركه في مساعدة القوات العراقية التي أخذت المبادرة لاستعادة المناطق التي احتلها «داعش». أيضاً، إن كردستان تقوم بتصدير نفط الإقليم إلى بعض الدول، عن طريق أنابيب تمتد إلى تركيا، ومنها ما تردد من أنباء عن تصدير شحنات مستمرة إلى الكيان الصهيوني. هذا ما كشفته أيضاً الصحف الإسرائيلية.

الكيان الوحيد الذي يهلل لانفصال إقليم كردستان عن العراق، كما هلل لانفصال جنوب السودان عنه، وتأسيس دولة، أول خطوة قامت بها هي الاعتراف بإسرائيل، التي تساعد دويلة جنوب السودان عسكرياً، خاصة بناء جهاز أمني. نتنياهو أعلن في تصريح له «دعوته الأكراد لإعلان دولتهم» ووعد بالاعتراف بها وسريعا، كذلك فعل إيلي شاكيد ونفتالي بينت وليبرمان.

العلاقات الكردية – الصهيونية تمتد إلى ستينيات القرن الماضي. فقد زار الملاّ مصطفى بارزاني (والد مسعود وأول من طرح انفصال إقليم كردستان عن العراق) الكيان في إبريل عام 1968، واجتمع مع القادة الصهاينة آنذاك، خاصة مع القيادات العسكرية. الأخيرون مع السياسيين نصحوه «بالانفصال وتأسيس دولة مستقلة». الزيارة بقيت سرية إلى أن تطرقت لها كتب صهيونية كثيرة، كذلك العلاقات مع الأكراد كشفتها كتب كثيرة، لعل من أبرزها، كتاب اليعازر تسافرير الذي تولى رئاسة الموساد في شمال العراق أوائل السبعينيات، وكتاب الصحافي الإسرائيلي شلومو نكديمون بعنوان»الموساد في العراق ودول الجوار». الكيان الصهيوني أمدّ الأكراد بالأسلحة والخبراء أثناء ما سموه بـ«الثورة في مقاتلة الجيش العراقي» في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ولم تنقطع العلاقة بل تطورت ونمت كثيراً بعد الاحتلال الأمريكي للعراق.

العراق وعن طريق قادته العسكريين كان قد طلب في عام 1967، معاونة الأكراد في التصدي لعدوان ذلك العام، وقد كان على وشك الوقوع. أجابهم الملاّ مصطفى بارزاني (وفقاً لصحف إسرائيلية وغربية عديدة) بأنه على عبد الناصر إعادة فتح خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية، وعند احتلال الكيان لباقي أجزاء فلسطين وأراضي من دول عربية لم يخف بارزاني الأب شماتته بعبدالناصر. أيضا، فإن دعما كبيرا يبديه نتنياهو وقادة الكيان لتصريحات مسعود بارزاني. هذا الموقف هو مزيج من نظرية ديفيد بن غوريون القائلة، «بضرورة إقامة تحالفات مع الأقليات في المنطقة ودول الطوق الثالث»، أي الدول التي ليس لديها حدود مشتركة مع دولة الكيان، لكن تجمعها مصالح مشتركة معها. فالتعاون الكردستاني- الصهيوني ليس جديدًا. حاليا، وكما تؤكد مصادر إسرائيلية، فإن مئات الشركات الإسرائيلية متواجدة في إقليم كردستان، كما أن مراكز للموساد، وكثيرين من ضباط المخابرات الإسرائيلية، ممن يتدخلون فعليا في توتير وإشعال النزاعات الطائفية والإثنية العراقية – العراقية، يجدون في أرض الإقليم مرتعا خصبا لهم.

بالنسبة لتقسيم العراق، فقد كان قد دعا إليه جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي الحالي، مبكراً، وبُعيد الاحتلال الأمريكي للبلد العربي، وقد كان حينها عضواً في مجلس الشيوخ، دعا إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات على أساس كونفدرالي. هذا الحل هو الاسم الحركي لتقسيم العراق. لكن الولايات المتحدة رسميا، وبديماغوجية كبيرة، تطالب بارزاني بإلغاء الاستفتاء أو تأجيله.

ما يجري في العراق حالياً من صراعات هو بفعل التأجيج الأمريكي- الصهيوني للمذهبية والطائفية والإثنية في بلد الرافدين. العراق اعتبر لسنوات طويلة عمقاً استراتيجياً عربياً في الصراع العربي – الصهيوني. تفتيت العراق وتقسيمه يخدم الأمن الإسرائيلي. هذا ما تحدث عنه صراحة خبراء عسكريون استراتيجيون إسرائيليون وأمريكيون. من جهته قال الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية تسفي بارئيل – في مقال له في صحيفة «هآرتس» (15 /9/2017) إن الأكراد يطلبون مساعدة إسرائيل لإقامة دولتهم المستقلة.

وأشار بارئيل إلى أن الأكراد باتوا يعتقدون، أن العراق دولة فاشلة، تجبر العديد من مواطنيها على أن يعيشوا فيها في مستقبل غير مضمون، وأكد أنهم يرون أن الانفصال عن العراق هو الخيار الوحيد. وكشف الخبير الإسرائيلي عن زيارة في الأيام الأخيرة قام بها عدد من المسؤولين الأكراد الكبار، إلى الولايات المتحدة، وكان من بينهم شيرزاد مامسني ممثل اليهود في وزارة الشؤون الدينية بإقليم كردستان العراق. والتقى الوفد بممثلين عن اللوبي اليهودي في العاصمة الأمريكية، وطلبوا الاستعانة بالعون الإسرائيلي لإسناد مطالبهم، في ظل ما يراه الأكراد من قدرة واضحة لليهود وإسرائيل على إقناع صناع القرار الأمريكي. وأشار إلى جملة من خطوات التقارب بين الأكراد وإسرائيل، من بينها ما شهدته عاصمة الإقليم أربيل من احتفال لإحياء ذكرى المحرقة اليهودية، التي وقعت في الحرب العالمية الثانية من قبل الألمان، وقد شهد الاحتفال للمرة الأولى ارتداء اليهود قبعاتهم الدينية. كما قرر إقليم كردستان بصورة غير مسبوقة تأسيس دائرة جديدة في وزارة الأديان خاصة بأتباع الديانة اليهودية، أسوة بباقي الطوائف والديانات.

هذا ليس منعزلا عن اعتماد أحزاب كردية سورية، النظام الفيدرالي في شمال سوريا في إقليم «روج أفا». وكما أكد القادة الأكراد، فإن هذه الخطوة تشكّل مقدمة لطرح نظام فيدرالي في كامل الأراضي السورية، باعتباره «الحل الأمثل» لمستقبل سوريا، كما يتصورون. وتم الإعلان عن الإقليم، خلال اجتماع شارك فيه أكثر من 150 شخصية من شمال سوريا، بينهم أكراد وعرب وسريان وآشوريون وتركمان وأرمن، في رميلان في محافظة الحسكة، إضافة أيضا إلى تبعية مناطق في محافظة حلب إليه، بحيث تبدأ حدود الإقليم الكردي، حسب الخريطة التي أعدّها مركز «ياسا» الكردي للدراسات والاستشارات القانونية، من قرية «عين ديوار» التابعة لمدينة «ديريك» في محافظة الحسكة، وتمتد بمحاذاة الحدود التركية، لتصل إلى أقصى الشمال الغربي عند لواء إسكندرون.

إقليمياً فإن موانع تركية وسورية وإيرانية وعراقية تهدد جديا قيام دولة كردية مستقلة، وحتى لو أُعلن قيام هذه الدولة، فمن المحتمل مهاجمتها عسكريا، وإعلان حرب جديدة في المنطقة. إننا مع إعطاء الأكراد في العراق وسوريا كافة حقوقهم، بعيدا عن التدخل الصهيوني ـ الأمريكي ـ الغربي، وعلى أرضية وحدة الأراضي العراقية والسورية، فالانفصال عن جسد الدولة العربية، سواء في العراق أو سوريا، وفي هذه الظروف تحديداً، يصب في مجرى المؤامرات متعددة الأطراف، خاصة الصهيونية، الهادفة إلى تفتيت الدولة القطرية العربية الواحدة. لا نريد دولة كردية تشكل قاعدة صهيونية جديدة في العمق العربي.

٭ كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة