المقالات

الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي غير قابل للحل

تتصارع حركتا تحرر وطنيتان منذ أجيال على البلاد التاريخية ذاتها – بلاد اسرائيل. تقول الحركة الصهيونية: كلها لي. هذه مُلك آبائي واجدادي، وعدنا بها الرب الذي في السماء، اما الحركة الفلسطينية فتدعي: هذا مُلك لنا منذ الأزل، وأنتم الاحتلال الاجنبي الذي يستولي عليها بقوة الذراع.

خلافاً لقضية “اثنين يمسكان بخرقة الصلاة”، التي تعنى بمُلك منقول، فان الصراع على البلاد المقدسة هو على مُلك ثابت ليست الملكية الرسمية هي التي تقرر حق امتلاكه، بل الايمان الديني. وها هو، للمرة التي لا ندري كم، يبدأ الطرفان الصقريان بالحديث على تحديد خط التقسيم والسيطرة على الأرض. لا يدور الحديث عن خوض مفاوضات، لانه في الصيغة الحالية لا يبدي أي من الطرفين الاستعداد لاعطاء اي شيء. الاستعداد هو فقط للأخذ. وعليه فمن المهم أن نفهم بأن هذه الاحاديث لن تؤدي الا الى باب فولاذي مغلق مفتاح قفله الصدئ القي به منذ زمن بعيد الى قعر البحر.

في هذه الاثناء يوجد الطرفان في مرحلة الاحاديث الاولية التي يمكن في بعضها الوصول الى توافق، مثلا في اي مكان تجرى اللقاءات، في اي ساعة تبدأ الجلسة، وربما أيضا يتفق على لون الملابس التي سيرتديها المندوبون الذين يجلسون حول الطاولة، وربما ايضا يتحقق تفاهم على تعديلات حدودية طفيفة في مناطق ليست لها أي اهمية. ولكن عندما تأتي لحظة الحقيقة والمواضيع على الطاولة تكون وهي ما درج على تسميته “المواضيع الجوهرية”، فان التوافق لن تقوم له قائمة، كون الطرفين يريدان بالضبط الشيء ذاته.

الموضوعان المركزيان هما صخرة الخلاف الحقيقية بين الطرفين. خلاف غير قابل للجسر. الفلسطينيون يريدون دولة خاصة بهم، عاصمتها القدس، وأن يعود كل لاجئي 1948، مع أنسالهم وأبناء أنسالهم إلى املاكهم المهجورة. بتعبير أبسط، يجري الحديث عن “تقسيم القدس” وتحقيق “حق العودة”.

من الجانب الاسرائيلي الرد على هذين المطلبين قاطع لا لبس فيه: لا، ومرة اخرى لا. لن يكون هذا أبدا. التفسير لهذا الرفض الذي لا لبس فيه يقول على النحو التالي: الدولة لا يمكنها أن تتقاسم مع كيان أجنبي الملكية على عاصمتها التاريخية، العاصمة التي كانت رمزا للاماني الوطنية على مدى ألفي سنة. الموضوع الثاني ملموس أكثر بكثر وكله مبنيّ على فهم معنى الكلمات. الفلسطينيون يسمون هذا “حق العودة”، بينما اسرائيل تتعامل مع هذا الادعاء بتعبير “المطالبة بحق العودة”.

إذا ما تحققت هذه المطالبة، فان دولة اسرائيل لن يكون بوسعها أن تعيش ككيان سيادي مستقل، وفي الارض التي بين نهر الاردن والبحر ستكون دولة يكون فيها الاسرائيليون أقلية. وستكون هذه أقلية مطاردة تُذبح وتُقتل. وتحقيق مثل هذه المطالبة تسمى بالعبرية “انتحارا”. اسرائيل لن توافق ابدا على التنازل في هذين الشرطين، ولا حتى عن صفر طرفهما. وبالتالي فان مصير الحديث المتجدد الجاري بين الطرفين هو السير في الطريق ذاته وشطب محاولة حل “النزاع” عن الخريطة عن الخريطة.

ثمة مثل عربي عتيق يقول: “ما لا يسير بالقوة يسير بمزيد من القوة”. وكإعادة صياغة لهذا القول يمكن القول إنه بعد تفجير المحادثات سيحاول الفلسطينيون تحسين المثل والايضاح هنا بتهديد مبطن بان “ما لا يسير بالاقوال يسير بالقوة، وما لا يسير بالقوة يسير بمزيد من القوة”. والمعنى العملي لمثل هذا التهديد ينبغي أن يكون واضحا لكل من يسعى الى مواصلة رؤية اسرائيل وطنا له. الانتفاضة الثالثة على الطريق. انتفاضة أكثر عنفا، أكثر اجراما. ولكن كون الارادة الوطنية الاسرائيلية غير مستعدة لان تعود الى صفحات التاريخ السوداء للكارثة من الواضح أننا ايضا سنعرف كيف نتغلب على مثل هذه الانتفاضة.

“معاريف”، 22/8/2013

الأيام، رام الله، 23/8/2013

مقالات ذات صلة