المقالات

مؤتمرات الشتات هل هي انتفاضة أم انقسام أم بديل؟

جاد الله صفا
جاد الله صفا

تبلورت فكرة عقد مؤتمرات بالشتات منذ بداية القرن الحالي، وجاءت كردة فعل على إهمال وتهميش الشتات الفلسطيني من قبل منظمة التحرير الفلسطينية بعد التوقيع على اتفاق أوسلو، حيث عُقدت العديد من المؤتمرات الشعبية بالقارات الثلاثة أوروبا والامريكتين، إلا أنها لم تأخذ جدلاً بأوساط التجمعات الفلسطينية كما يحصل بهذه الأيام على خلفية مؤتمر إسطنبول.

إهمال قيادة المنظمة كلياً لدور وأهمية التجمعات الفلسطينية بالشتات بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو، ترك فراغاً كبيراً على العلاقة بين هذه التجمعات ومنظمة التحرير التي استبدلت مشروعها بمشروع آخر لم يلقَ تأييداً شعبياً فلسطينياً، حيث رفضت التجمعات الفلسطينية بغالبيتها اتفاق اوسلو، وعبّرت عن استيائها لهذا الإهمال المتعمد، فشهدت القارات الثلاثة الأوروبية والأميركتين مؤتمرات عقدت كمبادرة من فلسطينيي الشتات، الذين أكدوا على انتمائهم والتحامهم بالوطن والشعب، والسعي لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية التي همشتها أوسلو والسياسة التفريطية التي اتبعتها القيادة على مدار العقدين الماضيين.

يصعد الكيان الصهيوني في هذه الفترة من اجراءاته بحق شعبنا على كل المستويات، وتراجعت القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي، مما حدا بشعبنا إلى الصراخ عالياً مستشعراً بالخطر الذي تمر به القضية الفلسطينية، ورغم ذلك صمت القيادة اذنيها ولم تبدِ أي اهتمام، ولكن لماذا القيادة اهتمت أخيراً بمؤتمر إسطنبول؟

المؤتمرات التي عقدت، لم تلاقِ أي اهتمام ودعم ورعاية، لا من منظمة التحرير الفلسطينية ولا من فصائلها، واقتصرت المشاركة الفصائلية فقط على الحضور كضيوف لالقاء الكلمات، وهنا لابد من التأكيد أن عقد المؤتمر ليس إشكالية معقدة، ولكن المعضلة هو الاستمرارية بعقد المؤتمرات ضمن الأصول، لتشكل الضمانة الحقيقية لتنظيم التجمعات الفلسطينية والنهوض بأوضاعها وربطها بالوطن وحقها بالانتماء للشعب الفلسطيني.

استبدال المنظمة بسلطة حكم ذاتي مقيدة باتفاقيات أمنية وإدارة مدنية دون حقوق سياسية ووطنية، خلقت جدلاً بأوساط التجمعات الفلسطينية حتى الأقرب إلى هذا النهج ومن كانوا معه قبل التوقيع على اتفاقيات أوسلو، حيث رفض أداء السلطة وقيادتها الذي دافع عنها دائماً، هذا الجدل دار حول دور الشتات وعلاقته بالعملية النضالية وحقوقه الوطنية والشرعية، ففي الوقت الذي يعلن “ابو مازن” بالتزاماته الأمنية وتنازله عن حق العودة وتبادل الأراضي والانتقاص من السيادة على الأراضي الفلسطينية، واستمرار الكيان بمصادرة الأراضي وبناء المزيد من الوحدات السكنية وتهويد القدس والاعتقالات اليومية وتشديد العقوبات والاجراءات على المعتقلين بالسجون الصهيونية وتشديد الحصار على قطاع غزة وغيرها من الممارسات، واستمرار الانقسام، رأت تجمعات شعبنا أنه لا يمكنها أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام كل ما يجري.

مؤتمر اسطنبول جاء نتيجة حالة الاحتقان عند تجمعات شعبنا ورفضها لمجمل سياسة ابو مازن وعجز منظمة التحرير وتهميش مؤسساتها، جاء مؤتمر اسطنبول مستفيداً من رغبة التجمعات الفلسطينية بالتعبير عن مواقفها بشكل جماعي اتجاه القضية الفلسطينية، رغم التفاوت السياسي ووجهات النظر المختلفة والمتعددة عند المشاركين، فمنهم من دافع عن المنظمة، ومنهم من يطمح للوصول إلى أهداف أخرى، قد لا تكون هذه الاهداف بمتناول اليد اليوم أو لم تكن على رؤية واضحة حيث الغموض كان سائد عند بعض الأطراف المشاركة بالمؤتمر الشعبي.

ليست تجمعات شعبنا بالشتات هي المطالبة بتحديد موقفها من منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، ولكن منظمة التحرير بقيادتها الحالية هي المطالبة بتحديد موقفها من تجمعات شعبنا ودورها وأداءها وأهميتها، فشعبنا الفلسطيني لم يتخلَ عن حق العودة والحقوق الفلسطينية كاملة، فهو متمسك بها، فأين المنظمة قبل مؤتمر اسطنبول؟ القيادة المتنفذة وعلى رأسها ابو مازن يخشى من عقد أي مؤتمر يتضمن بيانه الختامي إدانة لأوسلو، والتنسيق الأمني، ويخشى أن يتضمن البيان الختامي رفضه للمفاوضات العبثية، وغيرها من السياسات المرفوضة والمدانة من قبل شعبنا وتجمعاته بالشتات، هل توافق السلطة الفلسطينية على مؤتمر يدين سياساتها وتوجهاتها؟.

من الطبيعي أن تستفيد أطراف فلسطينية أخرى، تشّكل طرفاً آخراً وبديلاً لمنظمة التحرير بالبرنامج والسياسة والتوجهات والمشروع، كحركة حماس، أن تؤكد دعمها لمؤتمر اسطنبول، وترفض أن تعلن وقوفها خلف انعقاده أو أنه يجري برعايتها، ليس المطلوب منها أن تعلن عن ذلك، وإنما المطلوب أولاً هو أن تتسع الفجوة بين الجماهير ومواقفها الوطنية والقيادة المتنفذة والمفرطة بسياستها وتنازلاتها واستهتارها بالشعب الفلسطيني، ليس بالضرورة ان تعلن حماس عن وقوفها خلف انعقاد هذا المؤتمر، ولكنها بامكانها أن تفرغ خيرة كوادرها دون الاعلان عنها رسميا لتشارك بالجدل والنقاس والاستفادة من هذه الفجوة وتدافع عن رغبة الجماهير ومطالبها وترفع راياتها، ليس من الضروري أن تعلن حماس عن رعايتها ووقوفها وراء انعقاد المؤتمر، فهي تراهن أن المستقبل سيأتي بهذه الجماهير وهذه التجمعات إلى مشروعها وبرنامجها بعد أن تصل الحالة بينها وبين المنظمة إلى نقطة اللا عودة، والتجمعات نفسها من خلال مؤتمراتها ستعلن ذلك وليس حركة حماس.

أمام استمرار سياسة “ابو مازن” والتزاماته للكيان الصهيوني، وإهماله لتجمعات شعبنا، كيف يمكن لهذه التجمعات أن تعبر عن مواقفها؟ وأن تجد لها مرجعية وطنية فلسطينية أو قومية عربية؟ أعتقد أن الفصائل الفلسطينية الأخرى مطالبة أن تكون بالحد الأدنى على نفس الخط لمواقف التجمعات إن لم تتمكن أن تكون بالصفوف الامامية قائدة لها، الفصائل مطالبة بمراجعة علاقاتها مع النهج المهيمن على القرار، وأن تتحلل من السياسات التفريطية والتنازلات التي تبديها هذه القيادة، وأن تنحاز الى توجهات الجماهير ومواقفها وتجمعات شعبنا قبل فوات الآوان.

جاد الله صفا

01 مارس, 2017

مقالات ذات صلة