المقالات

عباس والمحادثات ونهاية الطريق،

عباس والمحادثات ونهاية الطريق،

بقلم رائف حسين

الجميع يتساءل ما كان هدف محمود عباس ومن حوله من لعبة التخفي والتنكر في الأشهر الماضية؟ صباحا ومساءاً طلع علينا ناطق بإسم شخصية فلسطينية رفيعة من الديوان الرئاسي، وما اكثرهم، ليستنكر ما يبثه الاعلام عن قرب بداية المفاوضات بين سلطة فتح وسلطة الاحتلال. ما راقبه المواطن الفلسطيني من تقديم سيء لقيادة سلطة فتح انما هو واقع الحال لهؤلاء وليس سهوة او انزلاق، بل ان كلامهم عن عدم العودة الى طاولة المفاوضات في الاشهرالاخيرة وربطها بشروط كوقف الاستيطان وما الى ذلك من الكلام، الذي يباع في الاعلام كما في مزاد علني، هو دلالة على سلم التنازلات التي يمكن ان يقدمها عباس وتلفيقات إعلامية لا اساس لها من الصحة. كما ان عباس ومن حوله في سلطة فتح يدركون ان قرارهم وبكل المجالات انتزع من ايديهم منذ سنوات وما هم الا دمى في ايدي من يمولهم ويحركهم، وكان الامر كذلك- قبل اسبوعين حين التقت الوفود التحضيرية في واشنطن لترتيب اللقاء الاكبر او ان أردتم التحضير للتنازل الفلسطيني القادم.

عباس ونتانياهو كلاهما اصبحا يجلسان في قارب واحد. كلاهما بحاجة الى زورق الإنقاذ المسمى “مفاوضات” ليخرج من محنته السياسية التي تكاد تجهض عليه. عباس ، وهذا ما يهمنا في هذه المقالة، في ورطة متشعبة ومعقدة تبرز ملامحها في الآتي:

• لقد اعلنت السلطة إفلاسها ولم يعد بمقدورها دفع أجور موظفيها ناهيك عن قدرتها في تقديم أية استثمارات لتدعيم الوضع الاقتصادي المنهار ولم يعد لديها مخرج لجمع المال لسد حاجتها سوى التفنن في رفع الضرائب وإثقال كاهل الشعب. العودة الى مائدة المفاوضات تعني عودة السيولة وتدفق أموال الدول المانحة التي تسهر على مصالحها في المنطقة وامن الاحتلال ليس الا. وبالمال كانت سلطة فتح قد اشترت ضمائر كثيرة وليس فقط من أبناء الحركة وهي الان بأمس الحاجة له.

• الانقسام ما زال يخيم على فلسطين المحتلة وينهش في جسدها، والمسؤول عن هذه المصيبة ليس فقط حماس بل أيضاً فتح وعباس وقد طال الانقسام المستمر من شعبية الطرفين. في ظل هذا الوضع السياسي القائم فان مصير حركة فتح على كف عفريت خصوصا بانعدام الشخصية القيادية الكرزماتية، وعليه فإنهم يعتقدون ان تحريك ملف المفاوضات والإعلان عن تحرير بعض الأسرى قد يرطب الأجواء الشعبية ويوقظ آمالا إيجابية لدى المواطنين ويبعد نظرهم ولو لفترة وجيزة عن المصيبة الوطنية، أي الانقسام.

• عباس لا يملك أصلا الشرعية للتحدث باسم حتى القسم الاصغر من شعب فلسطين الذي يعيش تحت الاحتلال. ناهيك عن ان يتكلم ويفاوض على مصير الشعب بكامله! لقد انتهت دورته الرئاسية منذ فترة طويلة وهو يرأس برلمانا انتهت شرعيته منذ سنوات. الهروب الى الامام متمثلا بالعودة الى مفاوضات هدفها ان تنسي الشعب الذي يتساءل عن الشرعية عن طرح الامرعلنا، ويشغله بدوامة وعود المفاوضات وترقب ما قد تفضي اليه.

• منذ النجاح الكبير في الامم المتحدة والحصول على العضوية المراقبة لدولة فلسطين في الجمعية العامة والتي تسمح لفلسطين ان تكون عضوا فاعلا في عدد مهم من المؤسسات الدولية، ينتظر الشعب الفلسطيني الخطوة القادمة من القيادة الفلسطينية لرفع وتيرة الضغط السياسي على الاحتلال. عباس ومن حوله يدركون اهمية هذه الخطوة وهم يماطلون باستعمال هذا السلاح الزهري بايعاز من بعض الدول المانحة والتي تدعم كيان الاحتلال. الشعب الفلسطيني والقوى الصديقة تتساءل وبحق: اي فائدة نرجو من هذا الجهد وهذه الخطوة ان لم يتم السعي قدما بها للوصول الى الهدف؟ العودة الى المفاوضات الان تشكل مخرجا مؤقتا لعباس من هذا المأزق الحرج ومن الاجابة عن اسئلة الشعب المحقة ليس الا.

• المفاوضات في هذا الوقت العصيب تحيد النظرعن اسئلة محرجة اخرى على سلطة فتح ان تجيب عليها وتطلع الشعب عن نواياها وعن استراتجيتها، ان كانت اصلا تملك إجابات لها، فهي لم تجب حتى الان عن جدوى التنسيق الامني مع قوات الاحتلال والكل يعرف ان هذا التنسيق ليس الا خدمة مجانية للاحتلال وسلاح ضد المقاومة باشكالها. في جو المفاوضات يصبح هذا العمل المشين، على الاقل داخل الاروقة السياسية، خطوة لتعزيز اوزار الثقة بين طرفي الصراع وليس عملية تواطؤ مجانية ومحرجة.

• يضاف الى ما سبق ان سلطة فتح لم تعلل للشعب ولقوى التضامن العالمية عدم اتخاذها اي اجراءات ضد رؤوس الاموال الفلسطينية التي تستثمر مئات الملايين في اسرائيل وايضاً في مستعمرات الاحتلال في فلسطين المحتلة في الوقت ذاته الذي تطالب فيه السلطة وممثليها دول العالم بمقاطعة كيان الاحتلال. وهؤلاء الدينوصاورات الاقتصادية يعيقون وبكل الحيل محاولات مقاطعة البضائع الصهيونية وبمالهم استطاعوا تحييد السلطة الفلسطينية من هذا النضال بينما نطالب العالم بالقيام بمقاطعة اسرائيل.

• وعد سلام فياض وعباس الشعب والعالم ببناء مؤسسات الدولة خلال سنتين! مرت الان اكثر من خمس سنوات على هذا الوعد وما زالت منهجية المحسوبية والرشوة على حالها ومن يقف خلف هذا العمل المشين لم تتم مسائلته. الاجهزه الامنية قامت ببناء سلطة موازية وتعبث على الارض كما تشاء دون محاسب او رقيب. فياض تنحى عن عرشة واتى من بعده حمد الله الذي تنحى ايضاً بعد اسبوعين وها هي دولة فتح دون حكومة شرعية ودون رئاسة شرعية ودون برلمان شرعي ويتم دوس الدستور الذي اودعوه وقسموا بالله ان يدافعوا عن كرامته, بالاقدام دون محاسبة! ان المفاوضات تعطي لهؤلاء بعض الشرعية الكاذبة في وقت سحب الشعب منهم الشرعية الحقيقية.

من يدرك حال اسرائيل السياسي الداخلي والعزلة الدولية التي تعيشها ومن يدرك التخبط السياسي الفلسطيني يستنتج وبدون جهد، ان هذه المفاوضات ما هي الا اضاعة للوقت لدى الطرف الفلسطيني وكسبا له لدى كيان الاحتلال.

* مدير معهد الدراسات الاستراتيجية للشرق الاوسط – هانوفر/ المانيا

مقالات ذات صلة