المقالات

المخيمـات الفلسطينية وإدارة الأوضـاع الداخليـة

المخيمـات الفلسطينية وإدارة الأوضـاع الداخليـة

30-04-2013

المخيمات الفلسطينية انطلاقاً من الواقع معنية بإدارة أوضاعها الداخلية، وتأمين الامن الاجتماعي، والتغلب على مصاعب البنية التحتية، ومواجهة الاشكاليات اليومية التي تحدث عادة في المخيمات وفي المدن والقرى والأحياء. خارج المخيمات توجد سلطلة لبنانية اما داخل المخيمات فإن الدولة ذاتها تعتمد في تلبية هذه الاحتياجات على مكونات الشعب الفلسطيني السياسية ، وهذه المكونات مرجعيتها منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ولا شك أنَّ مكانة المنظمة تعززت بعد توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة، واعتراف الجميع بها. المؤسسات الحيوية للمنظمة هي التي تقوم بالدور المنوط بها على الصعيد الأمني، والشعبي، والتربوي، والاجتماعي، والسياسي، وأبرز هذه المؤسسات والتشكيلات هي قيادة الفصائل الفلسطينية ، وهي الجهة الأساس التي تمتلك حق اتخاذ القرارات المُلزمة للجميع، إضافة إلى اللجان الشعبية الموجودة في مختلف المخيمات والتجمعات الفلسطينية، وهي قاعدة من قواعد منظمة التحرير الفلسطينية ولها نظامها وتركيبتها الخاصة، وهي بطبيعة تكوينها تضم ممثلين عن مختلف الفصائل الفلسطينية إضافة إلى عددٍ من المستقلين، ومن الضروري أن يتمثل فيها من يمثل الاتحادات الفاعلة كالعمال والمرأة والطلاب والمعلمين، إضافة إلى طبيب الاونروا، ومدير المخيم، ومن يتم الاجماع عليه لتعزيز دور هذه اللجنة الشعبية، وتمكينها من تشكيل اللجان الأساسية كاللجنة الاجتماعية، والصحية، والبنية التحتية، والتربوية وغيرها.

كل ما تقدم من تشكيلات يحتاج إلى أداة تنفيذية تكون قادرة على تنفيذ قرارات هذه المؤسسات، وضبط الاوضاع الامنية الداخلية، ووضع حد لكل من يتعدى على حرية الآخرين، ولكل من يشكل خطراً على أمن وسلامة الآخرين سواء أكانوا أفراداً أم جماعات. في السبعينات لغاية بداية الثمانينات كان الكفاح المسلح الفلسطيني هو المعني والمكَّلف بحفظ الامن داخل المخيمات، وبموافقة رسمية لبنانية نتجت عن اتفاق القاهرة الذي تمَّ توقيعه العام 1969 بحضور الجانبين اللبناني والفلسطيني ورعاية مصر جمال عبد الناصر آنذاك.

بعد أن أخذت الدولة اللبنانية إثر الاجتياح الاسرائيلي والصمود الذي حدث في بيروت قراراً بإلغاء آتفاق القاهرة من طرف واحد، لم يعد لمؤسسة الكفاح المسلح الصفة الرسمية التي تؤهلها لممارسة دورها كاملاً بالتواصل مع الدولة اللبنانية، وتحوَّل الكفاح المسلح إلى مؤسسة تعمل داخل المخيم فقط، ويتم التنسيق مع الدولة بالذي تريده الدولة، ويعزز سيادتها من جهة، ويحفظ أمن المخيم من جهة ثانية كتسليم الذين يرتكبون جرائم قتل، أو تجار المخدرات، أو من يقوم بعمليات السلب والسرقة في المخيم أو خارج المخيم. إلاّ أنه وقبل سنتين أخذ قرار على صعيد الأمن الوطني مركزياً بدمج كافة مكونات القوات، وأصبحت موحَّدة في إطار تشكيلات عسكرية، وغاب اسم الكفاح المسلح، علماً أنَّ هذا الاسم له قيمته وتاريخيته في كافة المناطق في حفظ الأمن والاستقرار، وكانت معظم الاطراف تتعاطى مع الكفاح المسلح بارتياح. لكن بعد غياب هذا الاسم من واقع المخيمات، وهذا طبعاً لاقى استحساناً عند الدولة اللبنانية لأنها كانت ترى فيه استفزازاً لها من عدة جوانب.

غياب الكفاح المسلح كمؤسسة جعل الجميع أمام ضرورة اختيار البديل، ومن هنا جاءت عملية تشكيل القوة الامنية ، وهي من المفترض ان تكون مُشكلَّة من مختلف الفصائل إلاّ أن بعض الفصائل تعتذر عن المشاركة بما هو مطلوب لأنها لا تمتلك عناصر كافية، ولذلك اضطرت حركة فتح أن تدفع بأكبر عدد من أعضائها في جسم القوة الأمنية لتغطية الاحتياجات الضرورية للدوريات، ولعمليات توقيف المشبوهين والمتورطين، ولحل الاشكاليات والنزاعات، ولمنع الفوضى والاعتداءات على المؤسسات.

لكن الذي يجب قوله هو أنَّ الفصائل الفلسطينية كافةً سواء فصائل “م.ت.ف” أو فصائل التحالف قدّمت الغطاء السياسي للقوة الأمنية، وأصبحت القوى الأمنية تمارس دورها بدعم واضح من الجميع، وذلك بسبب قناعة مختلف الأطراف بأنَّ هذه القوة الامنية ضرورة وطنية وأمنية وإجتماعية.

الذي كانت تفتقر إليه القوى الامنية حقيقة هو الدعم اللوجستي الذي يساعدها على الحركة بل وسرعة الحركة، وأيضاً العدد المطلوب من العناصر المفرَّغة لهذه المهمة، خاصة أن راتب الجندي متدنٍ وهو مضطر من أجل تحصيل قوت أولاده للذهاب إلى العمل في أوقات معينة حتى يستطيع أن يحصل على لقمة العيش بسبب حالة الغلاء.

في مثل هذه الظروف الصعبة تضطر القوى الأمنية أن تمارس دورها المُعقَّد خاصة أن الدولة اللبنانية لا تُعطي الغطاء الكامل لهذه القوى الأمنية؛ لأنه لا يوجد إتفاق رسمي بشأنها، وانما عليها أن تمشي بين النقاط، وكثيراً ما يُطلب قادتها وكوادرها إلى التحقيق بسبب عمليات التوقيف، أو المعاقبة، أو أي خطأ يحدث من قبلها، علماً أن القوى الأمنية تقوم بدورها الأمني المطلوب، وتسلِّم المطلوبين للتحقيق في قضايا أخلاقية، أو سرقات، أو اعتداءات، أو عمليات قتل، والقضايا التي تُحَل داخل المخيم يتم حلها، وتُبلّغ الدولة بذلك ، المشكلة الأساسية التي نعاني منها هي أن القوى الأمنية مطلوب منها الحسم في القضايا الأمنية، والتصدي للاشكاليات، وفض النزاعات ولكن في الوقت نفسه غير مسموح لها أن تقوم بهذا الدور رسمياً من قبل الدولة إلاّ إذا تحملت هذه القوة الأمنية المسؤولية الكاملة عن ما تقوم به حتى من ضربة كف، أو توقيف مطلوب في مقر القوة الأمنية، أو حتى التحقيق مع هذا المطلوب، أو سجن أشخاص معنيين للضرورة الأمنية، وبالتالي يصبح أي شخص من هؤلاء الذين يتم توقيفهم من حقهم رفع دعوى على مسؤول القوة الامنية، وعلى أعضاء القوة الامنية، ويُقدَّم هؤلاء إلى المحكمة ويُحجزوا، ويُحكموا. وهذه مشكلة تُحطِّم الجانب المعنوي لدى قيادة القوة الامنية. أي أن شخصاً سرق، أو اعتدى وبدلاً من أن يُحاسَب يصبح في موقع مَن يُحاكِم الصغير والكبير، ويجر هذه اللجنة الأمنية إلى المحاكم والسجون. أليس هذا العمل مُحبطاً لأفراد ومسؤولي القوى الأمنية ومعرقلاً لنشاطهم المطلوب؟ نحن بحاجة إلى غطاء واضح لهذه القوة الأمنية حتى تقوم بواجباتها، وإلاّ فإنَّ أوضاع المخيمات الأمنية ستبدأ تعاني من التردي والانحلال، وغياب الملاحقة والمساءلة، وهذا ما يسعى إليه الكثير من أصحاب السوابق، والمستفيدين من الفوضى وانتشار الرذائل. هذه قضية حسَّاسة وجوهرية ومُستعجلة وعلى الجميع تبني طرحها من أجل تعزيز القوة الامنية في المخيمات وتحقيق الاستقرار والطمأنينة، وإلاّ فإنَّ عوامل التخريب والتعطيل كثيرة ولا تخدمنا، ولا تخدم أمننا ولا أمنَ الجوار، ولا يمكن أن تستقيم المجتمعات دون عقاب أو قصاص تصديقاً لقوله تعالى:” ولكم في القصاص حياةٌ يا أولي الألباب”. صدق الله العظيم.

إن قيادة الفصائل وهي مرجعية القوة الأمنية من واجبها أن تختار الأكفأ والأقدر على قيادة هذه المجموعات الأمنية، وضرورة أن تراقب وتتابع عملها، وتبحث دائماً عن الصيغة الأمثل والوضع الأفضل لأن المسؤولية كبيرة، وعليها يتوقف الفشل أو النجاح. كما أن أعضاء هذه المجموعة الأمنية يجب أن يتم اختيارهم من ذوي كفاءة عسكرية، وأن يكونوا على مستوى من الدراية والخبرة في هذا المجال، وكيفية حل المشاكل، وكيفية التعاطي مع أبناء المجتمع، وأن تكون لديهم تعليمات واضحة حول مهمتهم منعاً لحصول الإرباكات والمضاعفات.

كما أنه من الضروري تعزيز موقع اللجنة الأمنية اجتماعياً، ودعمها سياسياً، وتطوير قدراتها، ومضاعفة عديدها، وتوسيع صلاحياتها، وتوفير ما يلزم لإنجاح عملها. ويكون دور القيادة باستمرار وبشكل يومي الاطلاع على الملفات، ودراسة التقارير المرفوعة من قبل مسؤول اللجنة الأمنية ومعالجتها من كافة النواحي، وعلى ضوء لمعالجة يتم إعطاء تعليمات واضحة خطية من أجل تحمُّل المسؤوليات، وهذا يعني ضرورة التعاطي بمهنية كاملة لتوفير أعلى نسبة من النجاح في بناء مجتمع مستقرٍ أمنياً، متعاونٍ من أجل مستقبلٍ أفضل.

وهنا نحن لا نطلب الحرية المطلقة دون ضوابط، وانما نتفهم أصول التعاطي مع مثل هذه القضايا، وندرك ضرورةَ أن يكون هناك تعاون موضوعي يخدم الطرفين، واذا ما كان هناك خلل في أية قضايا تتم المعالجةُ من قبل قيادة الفصائل، وتوجيه التعليمات الضرورية. نحن ندرك تماماً أننا لسنا مكان الدولة، ولا نقبل أن نتجاهل الدولة، لكن هناك حالة قائمة تستدعي التعاون والتواصل لضمان أمن المخيم والجوار.

إنَّ ما أثار الجدل، ودفعنا لطرح هذه القضية التي أصبحت ظاهرة للعيان، وأصبحت تضع الجميع أمام الامر الواقع الذاهبِ بالاتجاه الاسوأ نظراً للتبعات والتداعيات، ومن هذه التداعيات تشجيعُ من ليس له مصلحة في الأمن الاجتماعي لإستغلال الظروف المحيطة، وتأزيمها.

ويهمنا كحركة فتح أن نوضح بأننا نتفهَّم ردودَ الفعل التي تحصل احياناً من قبل ذوي من يتأذى من عملية التوقيف ، ومن حقهم الاستفسار والمتابعة والتدقيق للوصول إلى الحقيقة، ولمعرفة الاسباب التي أدت إلى التوقيف أو إلى ما آلت إليه عملية التوقيف، وهذا حق الأسرة والعائلة، ولكن لا يجوز عندما يتفهم الأمر اقربُ الناس إليه، وعندما تتضحُ كل نتائج التقارير الطبية ـ وهي موجودة بحوزة الأهل والنيابة العامة ـ لا يجوز للكثيرين تحت مسميات من هنا وهناك توتيرَ الامر ورفع نسبة التحريض والتشهير ضد ابناء القوة الامنية وحركة فتح، والقيام باستفزازات قد تجرُّ إلى ما لا تُحمد عقباه، وبذلك تثور الفتنة، لأن المقاتل في مكتبه أو موقعه لن يرضى بالإهانة، ويُضطر للدفاع عن مكتبه وعن نفسه وعن كرامته، وهذا ما يعرفه من يدفعُ الأمور باتجاه التوتير والتحريض على فلان أو فلان من قيادات حركة فتح، وهو يعرف مسبقاً الحقيقةَ كلها، ويعرف أن حركة فتح لن تسمح بالتمادي عليها وعلى مواقعها ومكاتبها، لأنَّ هذا خط احمر، خاصة ان هيبة القوة الامنية من هيبة حركة فتح، وهيبة الفصائل الفلسطينية. نحن نقدِّر ردود الفعل الآتية من أسرة الموقوف أو المتوفَّى في بعض الحالات، في مختلف المخيمات، ونحن نقدر مواقف الأهالي ونحترمها، ونسجِّل إعجابنا بهذه المواقف التي تدل على الأصالة الوطنية والأخلاقية والقفز فوق الجراح باتجاه المصلحة العامة، لكننا نرفض ركوب الموجة من قبل اخرين لأسباب شخصية أو سياسية. فالقوة الأمنية عندما تشكلت انما تشكلت بناء على طلب وإلحاح من كافة فعاليات المخيم لضمان حماية بيوتهم وأرواحهم، وممتلكاتهم، وصيانة السلوك الاجتماعي والأخلاقي. إذاً القوة الأمنية تتمتع بغطاء شعبي واسع إضافة إلى الغطاء السياسي من كافة القوى الفلسطينية والتعاون الرسمي بينها وبين الاجهزة الامنية، وهذا المستوى من الغطاء يؤهلها للقيام بالواجب المطلوب، ويمنحها الحصانة وعدم السماح لأحد بالتطاول عليها، لأن التطاول عليها هو تطاول على الجهات التي منحتها الغطاء للعمل في مجال هو من أصعب وأعقد مجالات العمل لأنه يتطلب الإحتكاك بالمخالفين، والتصدي لهم إذا حاولوا الاعتداء، أو الهروب، أو إخفاء الجريمة، إذاً هم يتحركون في مجال عمل اشبه ما يكون بحقل الألغام، والقاعدة تقول كل من يعمل يخطئ، والقيادة تحاسِب، وهذا حقها. ولكننا لا نسمح للاصطياد بالماء العكر، ولا نسمح بممارسة لعبة فرِّق تسد. فحركة فتح عصيَّة، وهي تدرك أهمية دورها، ولا تسمح بنشر الفتنة، ولا بشلِّ عمل القوة الأمنية، ولا تقبل من أيِّ كان أن يُنصِّب نفسه في موقع الذي يوزِّع شهادات وطنية على أبنائها، فحركة فتح هي مدرسة الشهداء والتضحيات، هي مدرسة القادة التاريخيين الذين صنعوا الثورة، وأسسوا مدرسة ياسر عرفات. فعلى أبناء هذه الحركة العملاقة أن يتراصوا ويتكاتفوا، وأن يدافعوا عن وجود حركة فتح لأنها حركة الشعب الفلسطيني، وهي حامية المشروع الوطني الفلسطيني، وهي العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي صاحبة القرار الفلسطيني المستقل، فمن أراد أن يكون في حركة فتح، وان يستمرَّ فيها عليه أن يعي هذه الحقائق. نحن نأمل من أبناء المخيمات في لبنان أن يكونوا دائماً في موقع التعاون مع هذه القوة الأمنية التي وُجِدت لضمان الأمن الإجتماعي، وهي أصلاً من أبناء المخيم، وليس لها ثأر عند أحد، ولا تتعمَّدُ إستهدافَ أحد فهم جنود لخدمة المجتمع، ولكن كما قلنا كلُّ من يعمل يخطئ. وعلينا أن ندرك الحقيقة الكلية وهي أن غياب هذه السلطة المحلية أي القوة الأمنية يعني إنتشار الفوضى، والفساد، والإعتداءات، وهذا ما لا نريد أن نصل إليه لأنه يعني انتشار الخراب والرذيلة والدمار والفوضى وفقدان السيطرة على أمن المخيم وغياب العدالة.

بقلم / رفعت شناعة

مقالات ذات صلة