المقالات

الذكرى 31 لمجزرة صبرا وشاتيلا في زمن المجازر

الذكرى 31 لمجزرة صبرا وشاتيلا في زمن المجازر

مجزرة صبرا وشاتيلا

في زمن عربي مليء بالمجازر اليومية التي لم تعد حكرا على الصهاينة وعملائهم في الوطن العربي الكبير ليس سهلا الكتابة عن مجزرة صبرا وشاتيلا، مع أن ضحايا المجزرة كانوا من جنسيات عديدة، منها الفلسطينية، اللبنانية، السورية، المصرية،البنغلادشية وآخرين. مع العلم أن العدد الأكبر منهم ومنهن كان من اللاجئين الفلسطينيين في المخيمين. وليس سهلا التذكير بمن ارتكبوا المجزرة ونحن نشهد ولادة جماعات ومجموعات كثيرة لا تختلف في الإجرام والوحشية عن الذين ارتكبوا مذبحة المخيمين في منتصف أيلول – سبتمبر 1982 . فالعالم العربي مثكول ومجروح حيث سكاكين وفؤوس الإرهاب والوحشية مازالت تفعل فعلها بجسده.

ما يحدث هذه الأيام في سورية من جرائم خير دليل على استمرار الجريمة وان تبدلت الأسماء والوجوه والأيدي الفاعلة. في النهاية هذه الجرائم والمجازر والمذابح تصب في خدمة الكيان الصهيوني والمشروع المعادي للأمة العربية. مشروع استمرار إبادة وتهجير وإبعاد الفلسطيني عن فلسطين والبلدان المجاورة لها. و قبل الربيع الدموي العربي الذي قدم اكبر الخدمات للكيان الصهيوني، كانت قد حصلت بعد مجزرة صبرا و شاتيلا عشرات ويمكن مئات المجازر الصهيونية في فلسطين المحتلة ولبنان الشقيق. ولم يتمكن اي كان من محاسبة ومحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة ومنهم رؤساء وزارات وجنرالات ووزراء كبار في الكيان الصهيوني. ومن هؤلاء الإرهابي شمعون بيريز المسؤول عن مجزرة قانا الشهيرة في لبنان سنة 1996 الذي اعتبر اليوم في ذكرى مذبحة صبرا وشاتيلا أن ما يجري في سورية هو” عقاب لها على رفضها السلام مع كيانه، وأن الأسد الأب رفض أن يشارك الرئيس المصري الراحل أنور السادات السلام كما شاركه الحرب، الأمر الذي جلب الدمار والمصائب للشعب السوري”.

بكل وقاحة وصلف يعلن بيريز عن حقيقة المشروع الذي يتم فيه استخدام المعارضة السورية والجماعات الإسلامية “المجاهدة” حطبا في هذه المعركة لإركاع سورية وتدجينها وتحويلها الى محمية صهيونية أمريكية أسوة ببقية البلدان العربية المستسلمة والتي صارت منذ سنوات في إسطبل الصهاينة.

يعني المذبحة مستمرة وضحاياها عرب ومسلمون ولا تكلف الصهاينة أي شيء. وفي النهاية سيخرج علينا الصهاينة ليقولوا كمال قال مناحيم بيغن يوم حصلت المجزرة في صبرا وشاتيلا ” غوييم قتلوا غوييم ماذا نفعل؟” يعني غرباء قتلوا غرباء وكأن الصهاينة الذين حاصروا بيروت الغربية لنحو ثلاثة أشهر، وأشبعوها قصفا وقتلا ودمارا، لم يشاركوا في المجزرة، ولم يكونوا هم الذين اجتاحوا بيروت الغربية عقب مقتل بشير الجميل ورحيل القوات الفلسطينية عن بيروت الغربية باتفاقية دولية، لم يلتزم بها ولم يحترمها الصهاينة بقيادة مجرم الحرب الدولي ارييل شارون. فالصهاينة شركاء أساسيين في المجزرة وقواتهم هي التي نقلت المجرمين من عصابات بشير الجميل وسعد حداد وأبو أرز ونمور الأحرار من آل شمعون وغيرهم من الفاشيين الانعزاليين اللبنانيين لتنفيذها، بمساعدتهم وبغطاء ميداني عسكري كبير منهم، إذ أن دباباتهم وقواتهم حاصرت المخيمين وقصفتهما وأنارت ليلهما وجهزت ومهدت الطريق لبدء المذبحة. وكان قادتهم ومنهم شارون يشرفون على المجزرة.

في صبرا وشاتيلا قتل الآلاف بدماء باردة ودونما رحمة وبأساليب عرفها الفلسطينيون إبان احتلال أرضهم وتشريدهم سنة 1948 من قبل العصابات اليهودية الصهيونية. والصهاينة أصحاب خبرة وسوابق في الإجرام والإرهاب ونقلوا خبراتهم لمجرمين محليين في لبنان لا يقلوا إجراما عنهم.

لغاية اليوم لم تتم محاسبة أي مسئول عن مجزرة صبرا وشاتيلا مع أن الكثيرين منهم مازالوا أحياء وبعضهم يمارس أدوارا سياسية وإعلامية ونقابية واجتماعية و يقود أحزابا وحركات وجماعات في لبنان، والبعض الآخر أعضاء في البرلمان اللبناني العتيد. والمدهش والمثير للاستغراب والاشمئزاز والسخرية أن منظمة التحرير الفلسطينية لغاية اليوم لم ترفع دعوى قضائية بحق هؤلاء أو بحق المسئولين عن المجزرة، وبعضهم شركاء في سلام أوسلو العتيد. كما ولم تطلب فتح تحقيق بالمجزرة ومحاسبة مرتكبيها. و حتى الفصائل الفلسطينية الأخرى خارج المنظمة مثل حماس وغيرها لم يفعلوا شيئا لأهالي صبرا وشاتيلا وللعائلات المنكوبة. والأبشع من ذلك كله أن قادة السلطة الفلسطينية في رام الله، ومنظمة التحرير الفلسطينية، مثل رئيس السلطة والمنظمة وفتح محمود عباس الذي التقى بسمير جعجع في بيروت، لم يكلف خاطره زيارة ضريح شهداء المذبحة ووضع إكليل من الزهور على النصب التذكاري. كذلك سلطة حماس أيضا في غزة التي وجهت دعوة واستقبل رئيس وزراءها إسماعيل هنية وقادتها هناك أنطوان زهرة وزميله عدوان وهما كما سمير جعجع من قادة الجماعات الإرهابية الانعزالية التي ارتكبت مجزرة صبرا وشاتيلا. لن نعلق كثيرا على هذا الموضوع لأنه وصمة عار على جبين الطرفين في سلطتي غزة ورام الله. ونترك التعليق لأهالي وأقارب الضحايا في المخيمين.

نعرف مدى صعوبة محاكمة أي مجرم حرب يهودي صهيوني أو أي مجرم آخر متصهين خدم مصالح الصهيونية، في محاكم العالم المنحاز بدوره للجلاد ضد الضحية. لكن هذا لا يبرر لأي فلسطيني عدم رفع دعوات ضد هؤلاء والمطالبة بفتح تحقيق دولي ومحاسبتهم وجلبهم للعدالة. وهذا ينطبق أيضا على المجرمين المحليين حلفاء الصهاينة الذين نفذوا المذبحة ولم يبدوا لاحقا أي أسف على ماقاموا به من إجرام ومجازر في المخيمين.

في الذكرى ال 31 لمجزرة المخيمين التي عشت بعض فصولها وأصبت خلالها وفقدت ساقي وبعض معارفي ورفاقي أحب أن اشكر قناة الميادين التي خصصت حيزا واسعا من برامجها لإحياء الذكرى. ولعل هذه التغطية التي تقوم بها الميادين ستعيد إحياء الأمل بحملة محلية ودولية جديدة لجلب من تبقوا أحياء من المجرمين الى المحاكمة والمحاسبة. وأيضا للفت انتباه السلطات المحلية والمختصين والمسئولين الفلسطينيين واللبنانيين ان مكان النصب التذكاري لشهداء وضحايا المجزرة أشبه بمكب نفايات وان لا احد يلتفت لهذا المكان ولا يعتني به.

أهكذا يكرم ضحايا المذبحة؟
ألا يكفي أنهم قتلوا بلا ذنب؟
ألا يكفي أن القتلة لم يحاسبوا وان حق الضحايا المدفونين تحت ذلك النصب التذكاري لم يؤخذ لغاية اليوم؟…

نضال حمد – مدير موقع الصفصاف*

مقالات ذات صلة