المقالات

زيارة انور عشقي لإسرائيل والمبادرة ‏العربية للسلام

زيارة انور عشقي لإسرائيل والمبادرة ‏العربية للسلام

رائف حسين – المانيا

تعددت وتنوعت ردات الفعل الرسمية والشخصية الفلسطينيه والعربيه على زيارة أنور عشقي السعودي لإسرائيل واجراءه مباحثات مع اعضاء كنيست وسياسيين من أطراف مختلفه.

بعيدا عن الانفعال كردة فعل أولى على الزياره وما تلاها من تصريحات لرجل المخابرات السعودي السابق وسجال من أطراف قريبة وبعيدة عن الحدث، يمكن تقسيم ردات الفعل الى ثلاث فئات:

الفئة الاولى هم هؤلاء اللذون انهالوا منذ الدقائق الاولى للإعلان عن الزياره بحملات نقد واستهجان مفهومه. واستطردوا هؤلاء بنقدهم وتحليلهم للزياره والنتائج المتوخاة عليها واعتبر هؤلاء ان زيارة الجنرال السعودي المتقاعد سوف تفتح باب التطبيع مع اسرائيل على مصراعيه وان هذه الزياره “خيانة لشعب فلسطين وقضيته”. في عنفوان التسارع بالرد والتعليق على الحدث والتسابق بتصعيد حملة الاستهجان للزيارة بين أفراد هذه الفئة، خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي، فات هؤلاء بعض الحقائق التي كان بالإمكان التحقق منها قبل الاندفاع الغريزي بالنقد العشوائي المشحون بدافع ” فش الخلق” بعيدا في اغلب الأحيان عن النقد البناء الموجع للجهة الصحيحه وبعيداً عن التمحيص الجاد في خلفية الزيارة ومأربها الحقيقية.

الحقائق التي لم يتم التدقيق الكافي لها من قبل هؤلاء الزملاء هي:

1. هذه ليست الزيارة الاولى التي يقوم بها أنور عشقي لإسرائيل. المعلومات تبين انها على الأقل الزيارة الرسمية الثانيه، كان بينها زيارة او زيارتين بالسر وبعيداً عن اضواء الاعلام.

2. هذه ليست الزيارة الاولى التي يقوم بها رجل سعودي مهم لإسرائيل. سبقه أمراء من العائلة الحاكمة ورجال اعمال ووفود شبابيه وخبراء عسكريون قاموا في السنوات الماضيه بزيارة اسرائيل ورد الاسرائليون عليها بزيارات عديدة ومتنوعة للسعوديه.

3. هذه الزيارة لم تأتي من خلف ظهر السلطة الفلسطينيه في رام الله بل على العكس تماماً سلطة رام الله كانت على علم مسبق بالزيارة وشاركت بالتخطيط لها وكانت على ادق معرفه بالبروتوكول الرسمي للزيارة. مشاركة الرجوب بالزيارة والمحادثات لم تأتي من محض الصدفه او تداعياً لانزلاق اكبر كما ادعى بعض رجال السلطة في رام الله!

4. هذه الزيارة لن تفتح باب التطبيع مع اسرائيل. فتح باب التطبيع يعني مجازاً ان هذا الباب ما زال حتى لحظة الزيارة مقفل وهذا بحد ذاته خطأ تمحيصي فادح للواقع السياسي في الإقليم. التطبيع مع اسرائيل بدأ منذ حوالي أربعين عام على الأقل ولم ينقطع بتاتا واليوم نجد ان اكثر من ثمانية دول عربيه تربطها علاقات دبلوماسيه او اقتصاديه او مخابراتية عسكرية او سياحية مع اسرائيل. وبعض دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية تتصدر قائمة الدول ألعربيه التي تعمل منذ سنوات وبعدة مجالات علاقات تطبيعية مع اسرائيل.

5. تربط السعودية علاقات وثيقة بإسرائيل وخصوصأ في المجال العسكري والعلمي. اسرائيل حليفاً وٓفِيْ للعائلة المتسلطة في السعودية في حربها على اليمن وحربها في سوريا وحربها ضد المقاومة ونزاعها مع ايران. ولم يعد سرأً على احد ان اسرائيل تشارك القوات السعودية في حربها الجوية على اليمن. ولم يعد ايضاً سراً التعاون العلمي الاسرائيلي الخليجي في مجال الزراعة والبنية التحتية وتحلية المياه وتبادل الوفود الشبابية.

6. والحقيقة الاخيرة والاهم ان شعوب هذه الدول التي تطبع منذ سنوات مع اسرائيل لم تمشي كالقطيع خلف قياداتها السياسية وتستسلم للامر الواقع، لا بل العكس هو الصحيح؛ الشعوب في هذه الدول ما زالت صِمَام الأمان الذي يردع فتح ابواب التطبيع على مصراعيها. هذه الشعوب ورغم كل التنكيل بها ما زالت تؤمن بقداسة القضية الفلسطينيه وما زالت ترى في الكيان الصهيوني العدو الاول في المنطقه. الانتقادات لزيارة العشقي رغم تأييدي المبدأي لها، كانت بأغلبها فشة خلق بعيدة عن الاستراتيجيه البناءة لتقوية الشعوب أفراداً ومؤسسات ضد المؤسسة الحاكمة في دولهم . هذه الطبقة الحاكمة التي وضعت منذ سنوات بيضاتها في العش الصهيوني. ولهذا أتت معظم الانتقادات وللاسف شمولية ودون تفرقة بين الشعب والدكتاتورية الحاكمة.

الفئة الثانية هم هؤلاء اللذون ارتاحوا للزيارة وهم ينقسمون الى قسمين:

القسم الاول من فئة المؤيدون هم الذون دعموها علانية وأيّدوها وخططوا للزيارة مع الاسرائليين مثل السلطة الفلسطينية في رام الله. والقسم الثاني هم من بعض الدول العربية المجاورة التي انتظرت مثل هذه الزيارة لتخطوا خطوات جديدة في التطبيع مع اسرائيل. وهذه الدول تعي تماماً ان التطبيع العلني السعودي مع اسرائيل بمثابة صك غفران لها ولخطواتها القادمة في الاصطفافات القادمة في الإقليم منطلقة من ان السعودية ومركزها بالعالم العربي والعالم الاسلامي له ثقله ووزنه واعتباره المميز. هذه الفئة تدرك تماماً اننا في الإقليم أصبحنا في واقع اخر بعد ان فشل مشروع تقسيم سوريا وبناء الشرق الأوسط حسب الخارطة النيوليبرالية الامريكية وأننا أصبحنا الان امام شرق اوسط جديد له استحقاقات جديدة سأتطرق اليها لاحقاً.

الفئة الثالثة هم اصحاب سياسة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال… “لا شوف ولا سمع”

وهؤلا ينقسمون ايضاً الى قسمين؛ الاول هؤلاء اللذون يروقون للزيارة ولفتح باب الدبلوماسية الهادئة مع اسرائيل للحصول على مكاسب في بنية الشرق الأوسط الجديد وعلى رأس هذا القسم حركة حماس التي لم تعبر عن رأييها بالزيارة لان جمهورها بأكثريته ما زال ” غير حاضر” لتقبل الواقع الشرق أوسطي الجديد وما يعني هذا كله للقضية الفلسطينية. والقسم الثاني الذي يجمع بعض عناصر اليسار الفلسطيني وبعض الدول العربية. هؤلاء لزموا السكوت على الزيارة كونهم لم يتخذوا بعد موقفا واضحاً من الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط والاصطفافات الجديدة التي أصبحت واقع يلقي بظله على السياسة الشرق اوسطية باكملها. هؤلاء فضلوا الانتظار من باب الحيرة الاستراتيجية او من باب الانتهازية السياسية.

تقع أهمية زيارة العشقي لإسرائيل ليس في التطبيع او عدمه، فهذا اصبح وللاسف واقع وأصبح استراتيجية معلنه لبعض الحكام العرب ولو بتفاوت وتسارع مختلفين، أهمية الزيارة كانت في خفايا الأمور التي ابت الزيارة للوصول لها. الزيارة كانت بالون استخباري لردة الفعل الرسمية والجماهيرية قبل البدىء بخطوة غاية الأهمية في الإقليم.

انور عشقي لم يقم بالزيارة دون موافقة ومباركة العائلة الحاكمة في السعودية ولم تأت هذه الزيارة دون اطلاع ” الحلفاء” عليها من قبل. توقيت الزيارة والحملة الإعلامية التي رافقتها كانت مدروسة ومعدة تماماً ولم تكن وليدة الصدفة. تصريحات العشقي عن هدف الزيارة وبرنامجها اثبت ضعفه الدبلوماسي البدائي، مما أحرج الأصدقاء وآثار حفيظتهم.

هدف الزيارة الأساسي كان فحص ردات الفعل على الجهود لاحياء المبادرة العربية التي قدمتها السعودية في مؤتمر القمة في بيروت عام ٢٠٠٢ وإمكانية البدىء بخطوات عملية لتحقيقها بعد فشل المبادرة الفرنسية التي كانت بمثابة غلاف رقيق شفاف للمبادرة العربية. ردات الفعل هذه التي بدأت قبل اشهر وبالتحديد بعد التوقيع على الملف النووي الإيراني وتقدم الجيش العربي السوري مع المقاومة في سحق الارهاب المتاسلم عل الاراضي السورية والعراقية وبداية وضع اللمسات الجديدة للشرق اوسط جديد تكون به ايران اللاعب الإقليمي الأساسي الى جانب حلف المقاومة. ا

اسرائيل والسعودية وحلفاءهم بالمنطقة وفي الغرب قلقون جداً من افشال مشروعهم بالشرق الأوسط وقلقون ايضاً من تعاظم الدور الإيراني المدعوم من حلف المقاومة بالشرق.

اسرائيل والسعودية وحلفاءهم خسروا معركة تركيع إيران بالملف النووي وخسروا معركة الإطاحة بسوريا المقاومة وخسروا من الحد من دورة حزب الله في الإقليم ويقفون الان امام كارثة دبلوماسية وعسكرية في اليمن وما بقي بيدهم الى من الحد من هذا الدور لحلف المقاومة على المستوى الشعبي. هم أصبحوا خلافاً للفئة الثالثة يدركون تماماً اننا أصبحنا امام شرق اوسط جديد به محوريين أساسيين: محور المقاومة بقيادة ايران ومحور الرجعية بقيادة السعودية وإسرائيل. خسر المحور الأخير عموداً فقريا من أعمدته وهي تركيا الاردوغانية ومشروعها العثماني بعد الانقلاب وخروج تركيا من الحلبة لسنوات لتستطيع تضميد جروحها الداخلية وتداعي الفشل الكامل للطموحات الجنونية لاردغان. هذه الخسارة المفاجئة للعمود الثالث في محور الرجعية والاستبداد بالشرق هو الذي عجل الاشهار بالمبادرة العربية والعمل على إقناع اسرائيل بالقبول الرسمي لها. واتت زيارة العشقي لتفحص ردات الفعل الجماهيرية على هذه الخطوة ومدى تقبلها شعبياً.

بعد الخسارة الدبلوماسية والعسكرية امام محور المقاومة لم يعد بحوزة محور الرجعية والاستبداد الا سحب الورقة السياسية الأهم تأثيراً في الأمة العربية والامة الاسلامية والأكثر جذباً للجماهير العربية والإسلامية من محور المقاومة، وهي الورقة الفلسطينية.

ما ترسم له السعودية وحلفاءها الان هو الحد من المد الساحق لمحور المقاومة عبر إنهاء الصراع الاسرائيلي الفلسطيني وإيجاد حل بموافقة الطرفين لكي لا يبقى للمقاومة في لبنان ذريعة في حمل السلاح ولا يبقى لإيران وسوريا رفع راية تحرير القدس بعد ان ألقت بها معظم العواصم العربية واستسلمت لواقع الاحتلال الصهيوني لفلسطين.

البرنامج المعد لهذا السيناريو يتضمن موافقة مبدأية ورسمية من اسرائيل على المبادرة العربية والبدء في خطوات رمزية لتحقيقها مع ضمانة السعودية مباركة السلطة في رام الله لها وتضمن قطر وتركيا من جهتهم مباركة حماس لهذه الخطوة. الخطوة ترى إقامة دولة فلسطينية مبدأياً على الاراضي المحتلة عام ٦٧ تبدأ بدولة كاملة السيادة في غزة وحكم ذاتي ” واسع في مناطق أ بالضفة بالتوازي يتم تعيين ثلاث لجان من خبراء ومستشارين دوليين للبحث في حل للامور المتبقية: لجنة لموضوع اللاجئين ولجنة ثانية لموضوع الحدود والمصادر الطبيعية وثالثة لموضوع القدس. ولا يتم وضع سقف زمني لعمل هذه اللجان لكي تضمن موافقة اسرائيل على هذه الخطوة علماً انه بعد الافلاس المالي والدبلوماسي لكل من سلطة رام الله وسلطة غزة اصبح أمرهما وقرارهما ليس بيدهم بل بيد من يصرف المال عليهم ومن يدعم وجودهم السياسي حاميهم من الانهيار. على مبدأ ” من يأكل من خبز السلطان يضرب بسيفه” .

والحل الذي تسربت بعض معالمه بمراكز الدراسات في الغرب وأمريكا يرى ضم اسرائيل لمناطق المستوطنات الكثيفة خصوصأ في منطقة القدس ونابلس مع تعويض السلطة الفلسطينية عن هذه الاراضي بمناطق بالنقب متاخمة لقطاع غزه وتوسيع نفوذ مدينة القدس ليصل الى اريحا ليتسنى لاحقاً إعطاء السلطة الفلسطينية عاصمة رمزية بهذه المنطقة الذي يطلق عليها ” القدس”.

في ملف الاجئين يرى المشروع إقامة صندوق دولي بمبلغ ٢٠. – ٣٠ مليار دولار لتعويض اللاجئين مع قبول اسرائيل بعودة عدد رمزي من لاجئي لبنان للأراضي المحتلة عام ٤٨ واقناع مصر بإعارة السلطة الفلسطينية أراضي بسيناء تساوي مساحتها مساحة القطاع بمدخل على البحر والسياحة لتقام هناك ثلاث الى اربع مدن فلسطينية تستوعب حوالي مليون لاجيء ممن يريدون العودة وتعويضهم ” السخي” سيتيح لهم بناء اقتصاد خدماتي في سيناء وتواصل جغرافي مفتوح مع بقية القطاع وما يتم تسليمه للسلطة من أراضي النقب. هذا كله سوف يتم بالتوازي مع فتح ممر أمن بين مناطق أ بالضفه وغزة وبناء ميناء في غزة وإعادة إعمار المطار مما يتيح للفلسطينيين الشعور بالسيادة وفرج اقتصادي ملحوظ!

هذا الحل بإخراج سعودي ومباركة فتحاوية وحمساوية ورعاية أمريكية وأوروبية هو ما تبقى لمحور الرجعية والاستبداد لحفاظ ماء وجههم بعد الانتكاسات المتلاحقة في الإقليم وسنرى بوادر هذا الحل في الأشهر القريبة بعد الحسم النهائي في سوريا وبداية سحق ميليشيات الارهاب هناك. والتوافق الامريكي الروسي حول الشرق الأوسط الجديد بالتسليم بالدور الروسي الإيراني هناك هو بداية الشروع بهذا الملف. وروسيا لن تتحفظ على مثل هذا الحل بعد الموافقة الفلسطينية عليه وكيف بها ان تكون “كاثولكياً اكثر من البابا؟”

مقالات ذات صلة