المقالات

حول التناحرات في العالم العربي

بقلم: د. نزار محمود

تعمدت استخدام كلمة” تناحرات” بدلاً من ” صراعات” لأسباب يستنبطها القارىء اللبيب في سياق المقال.

الصراع، وابتداءً بأشكاله الأولية من اختلاف في وجهة نظر الى تنافس واختلاف وخلاف، هو حاجة حتمية ومحرك أساسي لعجلة التطور البشري، حيث ننتهي في كل قضية الى المقولة: لا يصح إلا الصحيح!.

فطالما استمر الإنسان، وهو الكائن الاجتماعي، مفكراً وباحثاً عن حياة أفضل وأكثر سعادة له في جوانبها المختلفة من نفسية ومعنوية ومادية، طالما استمرت وجهات النظر في حوار أو نقاش أو جدال أو نزاع أو تناحر على أمل الانتهاء الى وفاق أو توافق أو رضاً أو تراضي.

وعالمنا العربي له خصوصياته في تاريخه وثقافته واجتماعياته وجغرافيته المكانية والسكانية وموارده واداراته السياسية، إضافة الى خصوصيات نفسية في إنسانه، شكلت ولا زالت أسباباً مضافة لنشوء الصراعات والتناحرات.

فلقد كان العالم العربي، ولا يزال، مسرحاً للصراعات العرقية والدينية والمذهبية والثقافية والمناطقية، من ناحية، والطبقية

والسياسية، والدموية غالباً، من ناحية اخرى.

ان القيم والممارسات التربوية، والتي هي في تفاعل متبادل مع القيم السياسبة والاجتماعية والدينية والثقافية وانماط الحياة المعيشية، تشكل اللبنات الأساسية لنظرة الانسان للحياة ولسلوكه ومواقفه تجاه الآخرين.

فقيم التغالب والاستحواذ على الرئاسات والمشيخات والجاه والثروة واعتبارها مؤشرات عليا للمكانة والنجاح وطريقاً للاستثراء قد شجعت ودفعت الانسان للتنازع والتناحر في عموم مجتمعات العالم العربي.

هذه الاخلاقيات وجدت على ارض الاقتصاد الريعي، سواء موارد طبيعية أو غيرها، هدفها ووسيلتها في التسلط والاستحواذ على السلطة التي يتناحر عليها الكثيرون.

ان مجتمعات عالمنا العربي لا تحكمها مؤسسات دولة بمفهومها الصحيح والمتحضر، ولا تنتج قطاعاتها الاقتصادية القيمة، بل يستهلك ابناء مجتمعاتها قيمها الريعية.

ازاء هذه المعطيات والخصائص تنمو النزاعات وتنتعش التناحرات.

في الختام اقول:

نحن بحاجة الى فهم جديد للحياة، ومؤسسات دولة مدنية، وتشريعات متحضرة، وتعلم الحوار وزرع قيم الاحترام المتبادل ومراعاة مصالح الآخرين واحترام اختلافاتهم، وان نتعلم كيف نأكل من انتاجنا.

نحن بحاجة الى كرامة لا تتحقق الا من خلال حفظ كرامة الآخر، ولا تعيش إلا بالاستعداد للتضحية من أجلها.

وحينها تتحول “صراعاتنا” الى تغالب من أجل تلك الكرامة في تحقيقها وصونها.

ولن يتحقق ذلك دون علم وعمل، دون صبر ومجاهدة نفس، دون وعي وتفهم، دون ثقة بالنفس وتوكل، دون “صراع” ايجابي ونبذ للتناحر.

وعندها سوف لا يدخل الذباب الاسود من نوافذ غرفنا وترتفع في أجسادنا الحمى ونصاب بالضعف والقشعريرة!.

برلين، ٣٠/٨/٢٠١٩

مقالات ذات صلة