المقالات

جنرال الكي والتنظيف والحرب الأبدية

جنرال الكي والتنظيف والحرب الأبدية

نواف الزرو

اطلقوا عليه في المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية منذ عهد شارون اسم: “الجنرال صاحب نظرية كي -حرق الوعي – الادراك الفلسطيني، عبر استخدام المزيد والمزيد من القوة حتى يدرك الفلسطينيون “أن الارهاب- أي العنف- لا يكتمل”، فتاريخه العسكري حافل بالعمليات ضد العرب والفلسطينيين، إذ إنه في كل المناصب التي تقلدها في الجيش كان يعيش بنفس مشاعر الكراهية ضد العرب التي كانت تسيطر عليه عندما كان طفلا يقتل القطط والكلاب.

ومنذ بداياته العسكرية، كان في حرب أكتوبر 1973 يتعمد إطلاق النار على الفلاحين المصريين الذين كانوا يقومون بفلاحة حقولهم، وقد قتل عدداً منهم جراء ذلك، وبعد عام 1973 وعندما التحق بالقوات الخاصة في لواء (المظليين) أصبح القتل مهنة رسمية له، فمن خلال عمله في الوحدات الخاصة عهد إليه قادته قيادة فرق الاغتيال لعدد من قادة منظمة التحرير في أوروبا، وبعد اجتياح لبنان في عام 1982 تخصص في تنفيذ عمليات الاختطاف، حيث قام باختطاف العديد من عناصر كوادر منظمة التحرير الفلسطينية والمقاومة الإسلامية، ومن أشهر عمليات الاغتيال التي قام بها وخطط لها وأشرف عليها كانت في عام 1988، وكانت هذه عملية تصفية خليل الوزير (أبو جهاد) الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك في بيته في العاصمة التونسية.

إنه وزير الحرب الإسرائيلي في حكومة نتنياهو الجديدة، الجنرال احتياط، موشيه يعلون، الذي يعتبر من أشد الصقور تطرفا وعدائية وعنصرية ضد العرب في “إسرائيل”، وكان في عهد شارون جنرال الاجتياحات والتهديم والقتل الجماعي.

فعلى الارض الفلسطينية قاد الجنرال يعلون في عهده كرئيس اركان جيش الاحتلال على مدى سنوات خدمته حرباً شاملة ضد الشعب العربي الفلسطيني في الضفة والقطاع، حملت هذه الحرب اسم “السور الواقي”، أما تطبيقاتها على الارض فكانت تحت عناوين لا حصر لها مثل: الاجتياحات والاغتيالات والاعدامات الميدانية والاغلاقات والحصارات والحواجز الحربية والاعتقالات الجماعية بعشرات آلاف، وشملت ايضا توسيع وتعزيز وتكريس المستوطنات والاستيطان، وإقامة الجدران العازلة ومواصلة حملات الهدم والتجريف والاقتلاع، فكانت نتيجة اجتياحات السور الواقي عمليا: اقتراف جرائم حرب إسرائيلية مروعة مفتوحة اطلق عليها اسم: المجزرة المفتوحة ضد الفلسطينيين..

وتحت عنوان “المواجهة المحدودة” كان الجيش الإسرائيلي عقد مؤتمراً دولياً في تل ابيب شارك فيه نحو (160) ممثلا عن جيوش غربية وملحقون عسكريون، إضافة الى وزير الحرب الإسرائيلي سابقا شاؤول موفاز، والجنرال يعلون اضافة الى مجموعة اخرى من كبار جنرالات جيش الاحتلال، وقال يعلون امام المؤتمر: “إن إسرائيل لها تجربة تربو على 120 عاماً في مجال مكافحة الارهاب” لافتاً الى أنها “احتاجت في السنوات الاخيرة الى بلورة حلول إبداعية لمواجهة الارهاب الفلسطيني”.

فالى أين وصلت افكار ونظريات وحلول يعلون الابداعية آنذاك..؟!!!

كثف يعلون قراءاته الاستراتيجية لـ”المواجهة المحدودة” ولـ “حملة السور الواقي” ولـ “سياسة كي -حرق وعي الفلسطينيين” ولـ”مستقبل الصراع معهم في استخلاصات اساسية استراتيجية عرضها في آخر واهم لقاء إعلامي له قبل إنهاء خدمته العسكرية بيوم واحد مع صحيفة هآرتس العبرية، فقد أعلن: “اليوم.. وبعد سنوات من الحرب ضد الارهاب الفلسطيني لم ننجح حتى بإقناع فتح بالاعتراف بدولة يهودية تقوم هنا الى أبد الابدين”. وأضاف: “لم ننجح بإقناعهم بالتنازل عن احلامهم في مسألة حق العودة، وكل ما نجحنا به هو إقناعهم بأن الارهاب في هذه الآونة لا يكتمل”.

وحول الدولة الفلسطينية استخلص يعلون قائلا “إنهم يتحدثون عن دولة فلسطينية قابلة للحياة، ولكن ليس لدى الجانب الفلسطيني الاحساس بالاكتفاء – أي الى هنا وكفى -، وحتى ضمن حدود 1967 ليس لديه الاحساس بـ “حتى هنا”، فهو يتحدث عن صفد وحيفا وتل ابيب، وايضا من ناحية اقتصادية فإن الضفة الغربية وقطاع غزة ليست مناطق قابلة للحياة”.

وفي ضوء كل ذلك تنبأ يعلون مؤكداً: “سوف يندلع العنف مرة اخرى.. وسيبدأ من الضفة الغربية، وستكون هناك عمليات انتحارية في كل مكان وحتى في تل ابيب والقدس”، وقال: “إن هذه ليست انتفاضة.. ويجب أن نتوقف عن تسميتها انتفاضة.. إنها حرب”، وتنبأ في خلاصة قراءاته لمشهد المواجهة “مستقبلاً اسود لإسرائيل” حينما اكد: “أن حملة كي وعي الفلسطينيين لم تجد، وان قدرنا خوض حرب ابدية” واكد ايضا: “أن أية قوة في العالم لن تتغلب على طموحات الفلسطينيين باحتلال يافا وصفد من جديد”.

وعن رؤيته لعملية المفاوضات والسلام، فقد تفاخر يعلون انه قال عدة مرات عندما كان رئيسا لهيئة الاركان العامة في الجيش الإسرائيلي في اطر مغلقة إنه: “في كل مرة يجلب فيها السياسيون الى هنا حمامة سلام يتوجب علينا نحن في الجيش أن ننظف من ورائها”، ويعترف يعلون أنه يقول إنه “نظف” قاذورات السلام.

فالخلاصة التنبؤية التي يحملها لنا وزير حربهم الجديد، اننا امام حرب وجودية لا نهاية لها، ونظراً لأن نظريات ومعتقدات وتنبؤات الجنرال هي في الوقت ذاته نظريات ومعتقدات وتنبؤات نتنياهو وباراك وموفاز وكبار جنرالات الاحتلال، فإن ذلك يستدعي من الجميع فلسطينيين وعربا إعداد انفسهم لمواجهة حقبة يعلون التي من المتوقع أن تكون حافلة بالمعارك والحروب الالغائية..؟!!!

العرب اليوم، عمّان، 17/3/2013

مقالات ذات صلة