المقالات

إشكالية حاجة العرب إلى الغرب!

بقلم: الدكتور نزار محمود

إنها فعلاً إشكالية وحيرة أن تحتاج لمن لا يضمر لك الخير ولا يحبك ولا يحترمك!

فالغرب حقق خلال القرون الخمسة الماضية قفزات في التقدم العلمي والاقتصادي، وبنى أنظمة سياسية وثقافية عززت له قدرات تفوقه وهيمنته على شعوب وأمم كثيرة، وفي مقدمتها نحن العرب الذين سبتوا كثيراً ولما صحو وجدوا أنفسهم تائهين في إتجاههم متناحرين في ما بينهم.

في بدايات القرن الماضي ضعفت الخلافة العثمانية مقابل نمو قوة كثير من الدول الأوروبية الغربية كبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، من جهة، وبالطبع الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى. وفي ذلك الوقت، وبعد ما انتهت اليه الحرب العالمية الأولى، وبعدها الثانية، من سيطرة مباشرة وغير مباشرة على ثروات ومقدرات الدول العربية المتخلفة والضعيفة بالقياس إلى دول الغرب، لا سيما السياسية منها في التأثير على بناء أنظمتها وتنصيب شخصياتها.

إن هذه الحال قادت إلى أن يكون العرب في حالة تبعية للغرب بسبب حاجات كثيرة، أحاول جمعها بالنقاط التالية:

١- الحماية:

إن أنظمتنا العربية جميعها بحاجة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى حم٣- اية الغرب. ويعود ذلك لأسباب عدة، منها ما تعلق بنا٠ أنظمة وشعوب عربية، ومنها ما فرضته علينا أطماع بعض الجيران ودسائس حتى دول الحماية ذاتها!

٢- الأمن والسلام والحرية:

وأريد بها على وجه الخصوص حاجاتنا نحن العرب النازحين والمغتربين والمهاجرين إلى الأمن والسلام، إضافة إلى تعطشنا للحرية في أشكالها المتنوعة، من سياسية وثقافية واجتماعية وحتى جسدية.

٤- العلوم والتكنولوجيا:

وكما سبقت الإشارة فإن الغرب قد قطع أشواطاً كبيرة في تقدمه العلمي وال٦- تقني، مقابل تخلفنا نحن العرب عن ركب التقدم في هذا المضمار، الأمر الذي يجعلنا بحاجة ماسة إلى تلك الإنجازات إنتاجاً وخدمات وتعلم.

٥- الاقتصاد والمعيشة:

العرب، من ناحية الاقتصاد والمعيشة، في حاجة إلى الغرب بصور متنوعة ومتداخلة. فهناك من هم بحاجة إلى الغرب لاستثمار مواردهم، بغض النظر هنا عن أشكال ذلك الاستثمار ومعناه، وهناك من يعتمد على مساعدات اقتصادية ومعيشية، وجميعهم بحاجة إلى تقنيات وسائل الإنتاج.

٦- السلطة والثروة:

هناك قوى في العالم العربي بحاجة إلى الغرب للوصول إلى السلطة أو الاحتفاظ بها، وكذلك الاستحواذ على الثروة و”حفظها”.

٧- الثقافة:

إن هيمنة الغرب الطاغية جعلت من ثقافته، والمراد هنا قيمه وقوانينه وأخلاقه وعاداته وأنماط حياته ومعيشته في الأكل والشرب والملبس والذوق، مثلاً يسعى كثير من العرب إلى تقليده، لا بل ويقيس تطوره وحضارته في ضوئه.

٨- السلاح:

تتسابق الدول العربية وتجاهد من أحل الحصول على السلاح، لا سيما الغنية منها، للحفاظ على أنظمتها ورجالاتها السياسية قبل شعوبها. وإذا ما تتبعنا أسباب الخوف من الجيران، وقفنا على سببين رئيسين: ذاتي وخارجي. ذاتي لأننا لم ننجح في خلق جيرة مسالمة، وخارجي لأن الأغراب نجحوا في المساهمة بزرع الشقاق والعداء بيننا.

٩- الغذاء:

لا يمكن للإنسان أن يستغني عن إشباع حاجة الجوع الأساسية في حياته، حيث لا يزال هناك عدد من دولنا وشعوبنا العربية بحاجة إلى العون في توفير الغذاء، وهي بالتالي بحاجة إلى الغرب في ذلك.

١٠- العلاج والدواء:

بسبب التقدم العلمي في الغرب ومنه مجال الطب فقد أصبحنا نحن العرب بحاجة كبيرة إلى الاستعانة بعلاجات الغرب الطبية ودوائهم وبأشكال متعددة، منها حاجتنا إلى مشافيهم، ومنها إلى مساعداتهم.

وهكذا يتبين كم نحن اليوم بحاجة إلى هذا الغرب!

ولكن: لماذا لا نحب الغرب إذن؟

ورغم ما نحتاجه عند الغرب فإننا لا نحبه! والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا؟ أهو اللا وفاء أم إنكار الجميل؟!

للإجابة، لا بد من المرور بالملاحظات التالية:

١- الجانب السياسي:

لم تكن سياسة الغرب، المشحونة بعوامل تاريخية وثقافية، يوماً ما لا تتسم بالخبث والكذب والنفاق تجاهنا. فقد إحتلونا بدعوى تحريرنا، وطعنونا بحجة علاجنا، وزرعوا فينا النفاق والشقاق من أجل تنوبرنا. نصبوا علينا عملاء لهم، وخونوا من قام فينا يحررنا ويعيد لنا ثرواتنا وكراماتنا.

٢- الجانب الإقتصادي:

لقد كان لتقدمهم من ناحية، وجهلنا وتخلفنا من ناحية أخرى دور كبير في استغلالنا ونهب ثرواتنا، وما حصلنا عليه من دراهم قليلة ذهبت إلى جيوب عملائهم وصناديق بنوكهم. وها هي النتيجة، فما زلنا نحن المستهلكين وهم المنتجين.

٣- الجانب الثقافي:

بسبب هيمنتهم، يريدوا أن يطمسوا هويتنا، ويسفهوا مقدساتنا، وينهوا التاريخ في صالح تحقيق أحلامهم. فديننا إرهابي، وقوميتنا بربرية، وحضارتنا متخلفة، وإنساننا درجة ثانية.

إنهم ينظروا إلينا من أعلى، ويحدثونا على قدر مصالحهم ونهبنا وإبتزازنا…

ويبقى التساؤل الأخير والكبير:

كيف لنا أن لا نضطر أن نكون محل إبتزاز واستغلال وإستصغار وإزدراء، لا بل كيف لنا أن نعيش كراماً في ديارنا؟!

إنه الوعي والصبر والعلم والعمل والكرامة وشيء من نكران الذات….

برلين، ٩/١١/٢٠١٩

مقالات ذات صلة