المقالات

زياد ..حتى رحيلك كان صاخباً

حقك علي كرفيق وصديق..كما حق كل الأصدقاء والرفاق الذين يرحلون عن دنيانا..أن نقول فيهم كلمة حق وصدق…حقك أن نرثيك..فالرثاء دواء يخفف من أوجاعنا وحزننا…

هكذا اذن رحلت ببساطة وبدون استئذان..وبدون إيماءه لأحد…لقد اختطفك الموت من بطن الحياة..وأنت المحب للحياة بكل مباهجها وزخرفتها..والعاشق لكل جميل ولطيف..كنت تخشى الاختطاف..لأنك تحب الحياة ولا تقبل ان يسرق منك الوقت الجميل..ولكن الموت أحياناً يأتي كلمعة البرق لم يعطيك فرصة للإعلان…

جمعتنا الصداقة عقود..كنا نختلف ونتفق..ونحافظ على صداقتنا بحدقات عيوننا وسلوكنا المسؤول..عرفتك وطنياً غيوراً على وطنك وعروبتك..مثابراً لا يهدأ لك بال…تقاتل المستحيل…وصنعت من نفسك ما أردت…ولم يتوقف طموحك..

كنت شخصية مثيرة للجدل لا يملك مفتاح سرها إلا القليل..وكنت واحداً ممن يمتلك هذا المفتاح..كان عليّ أن أعرف كيف أتعامل مع كبريائك وعزة النفس الكامنة في شخصك…تلك المواصفة التي تطبع كيانية الأسرة والأشقاء…

كنت صدامياً في مواقفك وأرائك لا تخشى لومة لائم..شجاعاً الى حد التهوّر…مدافعاً شرساً عن مواقفك بكل الحجج والبراهين دون كلل..لا تقبل الهزيمة..وكنت مثقفاً وقارئاً ومحاوراً عنيداً..

كانت تطغى على شخصيتك الحدة والعصبية..ولكني كنت أدرك أن وراء هذه الشخصية رجلاً آخر فيه الوفاء والطيبة والإخلاص والكرم ومد يد المساعدة للمحتاج…ربما أكثر من غيري كنت أعرف عن طبائعك وسجاياك وأسرارك…كنت تقول لي “أنت الصديق الذي ينتقدني ويؤلمني واحتفظ بصداقته…أنت الذي احترم صداقته لإنك أجرأهم في نقدي بوجهي” …

كنت بوزن كتيبة في نشاطك وحيويتك وجمع الآخرين حولك…تخطئ وتصيب لكنك لا تهدأ…تتخطى الصعاب والحواجز والثغرات…بيتك مفتوحاً لكل صديق..وكرمك ألفه كثير من الناس والأصدقاء…كنت تود لو أن بيتك يتحول الى صالون سياسي…لكن عسر الحال لم يكن يلبي الرغبة فكان المكتب باليرموك بديلاً لتلاقي الأصدقاء والرفاق من الفصائل والمثقفين…

كنت ممن يجيدون إقامة العلاقات والصداقات بأقل الأوقات..وهذه صفة ملازمة لشخصيتك الهاجمة المتدفقة…لا تقبل الإنزواء ولا الفراغ…ولا تقبل أن تكون مواطناً عادياً..بكل بلد لك صداقات ومعارف وعلاقات…وأنت الباحث دوماً عن هذه العلاقات…

سنوات عمرك أمضيتها مناضلاً من أجل وطنك وقضيتك..مرتحلاً من غزة الى مصر…وليبيا ولبنان وسوريا وعودة إلى مصر لتستقر روحك هناك على أرض الاسكندرية التي أحببت…كان لك املاً بأن تكتحل عيناك بمسقط رأسك “غزة”..وظل الأمل يترعرع حتى وصلت هناك قبل سنوات بزيارة مبرمجة ومحددة ..ورجعت مزهواً بأنك استنشقت عبير غزة..ومسحت وجنتيك بماء بحرها..ودققت النظر في كل زاوية وحجر من بيتكم العتيق الذي رفضت هدمه أو بيعه…وقلت هنا ولدت…ويا ليت هنا أموت…!! لكنك بعد سنوات قليلة رجعت مرة أخرى لتودع شقيقك الأكبر…وتعود أنت لتستقر في الاسكندرية..!!

كنت جبهاوياً عنيداً… في الدفاع عنها…لم تكن يوماً خارجاً عنها..وكنت وفياً لكل رفاقها مدافعاً عنها أينما كنت وأينما واجهت…لا تعرف الهدوء… تعيش في الصخب…وتصنع الصخب..حتى رحيلك كان صاخباً.

* عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

اسم الكاتب : أبو علي حسن
تاريخ إدراج المقال : 2014-05-11

مقالات ذات صلة