المقالات

حاضر كورونا ومستقبل العالم

بقلم: الدكتور نزار محمود

في كارثة كوباء كورونا وما ألحقته ولا زالت بالبشرية من تخبطات في الإدارة السياسية للأزمة والخسائر الكبيرة للاقتصاد والآثار النفسية والاجتماعية من خلال التباعد والعزلة وتوقف الاجتماعات واللقاءات والحفلات، ناهيك عن الجوانب الصحية في عدد الإصابات والوفيات بين مئات الآلاف والمهددة لحياة الملايين من البشر.، لا بد من وقفة تأمل واعتبار لتلك الآثار الكارثية.

فخلال الشهر الماضي لم يكن شيء قد أشغل العالم على مدى تاريخه كما أشغله تطور وباء كورونا في عدد الإصابات والوفيات والمعالجات والمستلزمات والتعليمات وحظر التجوال وشل الحركة والحياة العامة تقريباً. توقف التعليم والعمل في قطاعات اقتصادية كثيرة، وتقلص الإنتاج وارتفعت أعداد العاطلين عن العمل، وأغلقت كثير من المحلات والمتاجر ودور اللهو والثقافة وغيرها أبوابها، وطبقت كثير من إجراءات تقييد وتقليص حركة الحياة.

وحيث أننا لا نزال نعيش الحالة، فإننا أمام أمور ملحة وعاجلة، وهي:

⁃ كيف نوقف انتشار الوباء أو على الأقل الحد من سرعة إنتشاره.

⁃ تأمين المستلزمات المعيشية الأساسية.

⁃ تهيأة شروط التعامل الصحي مع المصابين ومستلزماته الوقائية

⁃ إيجاد علاج للمصابين

⁃ حسن الإدارة السياسية في احتواء هلع الناس وتهدئتهم.

لكن الأمر لا ينتهي عند تجاوز محنة الوباء، بل النجاح في تجنبه والسيطرة عليه لاحقاً، والأهم من ذللك: كيف سيكون عليه الأمر من رؤية للحياة، في معناها وفلسفتها، في استرجاع ضعف وعجز قدراتنا عن تلافي ما لحق بالبشرية من خسائر بشرية ومادية.

من هم المذنبون والمقصرون في ما حصل، والعاجزون عن معالجة ما حصل؟ من سيكون الأقدر على الاستفادة من الظروف الجديدة بعد كورونا؟ وكيف لنا وعلينا المشاركة في ذلك؟

بدأ المفكرون والمحللون والاستراتيجيون وما يسمى بالمستقبليين بالتأمل ووضع تصوراتهم عما ستؤول إليه الأحوال في السياسة والاقتصاد والاجتماع. كيف ستتشكل الأنظمة السياسية، ما هي الأحزاب والحركات التي ستحظى بقبول الشعوب بعد أن عاشت الهلع والخوف والصمت والعزلة؟ من خسر ومن سيربح؟ ما هي أسس الاقتصاد السياسي الذي سيحكم العلاقات الداخلية والمحلية؟ هل ستتغير العلاقات الاجتماعية، وما هي منظوماتها الأخلاقية؟ هل سيحدثنا علم النفس عن خصائص سلوكية جديدة للإنسان؟

هذه الموضوعات يعكف على دراستها الكثيرون ويضعوا “سيناريوهاتهم” لكي يتلمسوا خطوات استباقية، كي لا تجد شعوبهم أنفسها مغلوبة على أمرها بسبب عدم احتسابها.

لقد عاشت النظم السياسية تطورها بسبب تطور الإنتاج والمفاهيم الاجتماعية والدستورية التي صاحبتها، فمنذ بعض الوقت دخلت البشرية عصر ثورتها التكنولوجية الرابعة في رقميتها وذكائها الصناعي المتسارع. وتأتي جائحة كورونا الغامضة لتضع الجميع أمام تساؤلات جوهرية حول معنى الحياة والموت، حول معنى الطمأنينة والخوف، حول معنى الغنى والفقر، حول معنى السيد والعبد، حول معنى الأبيض والأسود، حول معنى البداية والنهاية؟

لقد حجرت كورونا الأقوياء قبل الضعفاء، والأغنياء قبل الفقراء، والعلماء قبل الجهلاء، ولم تستثن كبيراً أم صغيراً، رجلاً أم إمرأة، مؤمناً أم من بغير الله يدين!

يتجه العالم اليوم، لا سيما في ظل العولمة التي بدأت تلقي بظلالها منذ نهايات القرن المنصرم، إلى هيمنة القوى المنتصرة في اختراعاتها وقدراتها الاقتصادية والمالية والعسكرية والإعلامية.، وهي حالة تاريخية تتناوبها الشعوب والأمم الغالبة، والتي لا تسير عادة بسلاسة وسلم، ولا ينجو منها الأبرياء والضعفاء، لا بل غالباً ما يسقطون كأول وأكبر ضحاياها.

هل سينجح المتحكمون بأحوال الأمم والشعوب من استخدام تكنوقراط الثورة الصناعية الرابعة وذكائها الاصطناعي كرجل آلي في تنفيذ قراراتهم، كما استخدم سابقاً القياصرة جنودهم، وأصحاب رؤوس الأموال العمال، والسياسيون البروليتاريا، والمراجع مريديهم؟

من سيراكم الثروة الجديدة ومن سيملكها؟ وباختصار شديد: من سيحكمنا رؤية وسلطة ووسيلة؟

لقد أيقضنا وباء كورونا على أشياء كثيرة، أجبرتنا على التأمل بحاضرنا وقادمات أيامنا.

هل جاءت كورونا في سياق صراع فلتت وحوشه من زمام أصحابه؟ من أراد أن ينتصر على من؟

وهل كانت كورونا الجائحة، أم أنها أستغلت، لتسريع تطبيق نظام جديد وخلق مفاهيم وعلاقات بشرية ودولية أخرى؟!

لنبقى مترصدين ومنتظرين!

برلين، 7/4/2020

مقالات ذات صلة